إنه حزيران، شهر يوحد أنظار العالم كل أربع سنوات، وفي كل عام له نكهة مميزة تضفيها طبيعة البلد المضيف، وعاداته وتقاليده، وأماكن السياحة فيه، وهو عرس حقيقي بكل معنى الكلمة، هذا الذي يسمى المونديال العالمي، وميزة هذا المونديال أنه يقام ولأول مرة في أحضان القارة السمراء إفريقيا ، القارة التي تجمع في جنباتها الفقر والجوع والحروب الأهلية وكرة القدم، هذه الكرة الساحرة التي خلبت الألباب وجعلت من كل فتى يحلم بأن يصبح لاعب كرة، ولم تعد صور الجنرالات المزركشة بالأوسمة تثير حماس الفتيان، ووحدت الأحلام للجميع فالكل يريد أن يلعب الكرة، وربما هذا خفف الكثير، وسيخفف أكثر من عدد الانقلابات العسكرية في قارة كانت مسرحاً دائماً للانقلابات العسكرية.
كنا على الدوام نشهد لعبتين عالميتين فقط، الحرب وكرة القدم، وربما كانت كرة القدم الأقرب إلى الواقع، لكن الحرب وكرة القدم يجمعهما الوجود معاً في كل مكان، كأنهما نشأتا من مصدر شهواني جماعي بعينه، وربما كانا ببساطة مظهرين للعبة نفسها، مظهران من مظاهر العولمة لزمن غدا فيه رأس المال يسيطر على الأحلام، وكرة القدم أحد أكبر الأحلام في هذا العصر، ولو تمعنا في حجم الأموال التي تنفقها الأندية لاستقدام اللاعبين المميزين لاكتشفنا ببساطة أن العملية اختصرت بكلمة واحدة هي "بيزنس".
في العام 1982 اندلعت حرب الفوكلاند بين بريطانيا والأرجنتين، وخسرت الأرجنتين هذه الحرب التي علق عليها الكاتب الأرجنتيني الشهير لويس خورخي بورخيس بأنها صراع على مشط بين أصلعين، وبعد أربع سنوات وفي مونديال 1986، انتصرت الأرجنتين على بريطانيا بكرة القدم، وعد هذا الانتصار نوعاً من الثأر المرضي على خسارة حرب الفوكلاند، وفي نفس الوقت يعيد الشعور بالعزة القومية رداً على الهزيمة العسكرية، كما كانت الموقعة الكروية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في العام 1996 هزيمة لكل ما هو أمريكي. ربما هنا تكمن المفارقة العجيبة، هل جاءت مباريات كرة القدم لتعطي جائزة ترضية لخيبات كثيرة للشعوب الضعيفة، وأن ترى في هذا الميدان الذي اسمه ملعب كرة القدم، كل أحلامها وهمومها وآمالها، وهو المجال الوحيد الذي ستنافس فيه خصوماً أقوياء، وتكون لديها الفرصة للانتصار على هذه القوى العظمى. وهل ستتعدى جائزة المشاهدة أكثر من مشط لأصلع يتلبسه شعور القبيلة، ويتداخل في كل شيء بحياته بكل شيء.
فهنا مديرو كرة القدم في المنتخبات والأندية يعلنون الحرب، ويرسمون الخطط، ويطبقون التكتيكات العسكرية التي يضعها الجنرالات على ارَض المعركة، ومن ثم تدور الكرة، ويدور معها العالم وتتحول مصطلحات كرة القدم وخطط المدربين إلى الجنرالات، ويغزو العنف المدرجات ويلف المشاهدين حتى أمام أجهزة التلفاز في بيوتهم، وتتحول مضامير الكرة إلى ساحات حرب. وتتحول أزياء الجنود إلى ألوان الزي الرسمي الذي ترتديه فرق الكرة الوطنية، وربما انعكست الحالة، وارتدى الرياضيون الزيّ العسكري لجيش بلادهم، إنه الجنون الجماعي، والهيمنة العالمية لكرة القدم، وكم من المشجعين يلونون رؤوسهم ووجوههم بألوان العلم الوطني.
التفسيرات التي يمكن أن تقدم للقوة الغامضة للعبة كرة القدم كثيرة، الطبيعة الشبيهة بالنشوة التي تتميز بها المباريات الكبرى، هيمنتها العالمية على الألعاب الأخرى، الطبيعة المسرحية الكامنة في اللعبة ذاتها، وليست الاستعراضات الأمريكية التي تمارسها مشجعات الفريق التي تقدم بين الشوطين، والتي تمثل حالة درامية بحد ذاتها، فتلك المشجعات يتحولن إلى نجمات مجتمع، وملكات جمال واستعراض، وينلن مكانة اجتماعية أكبر من اللواتي لا يمارسن هذه الأنواع من الاستعراضات والرقصات، واليوم تضيف جنوب إفريقيا في استضافتها الراهنة للمونديال نشاطاً جاذباً للمتفرجين والسياح، وهو ملكات الجمال للدول المشاركة في المونديال، وتنظم لهن لقاءات ترفيهية وجماهيرية وسياحية، وتسويقية. ووجدوا أن هذه البادرة كانت مهمة على صعيد المتفرجين، أو على صعيد كبح شيء من العنف الذي يلف ثنايا القارة السوداء.
يمكن مقارن تأثيرات كرة القدم اليوم بالمأساة الإغريقية، أو مسرحيات العبث ذات النهاية المفتوحة، أو أي نوع من المسرحيات الأخلاقية التي ازدهرت في القرون الوسطى، وهذا الإحساس تولده صعوبة تحقيق الأهداف، أو تحقيق الفوز بين فريقين تتفاوت قدراتهما على نحو ملحوظ. لكن كل هذا يشكل لحظة تكثيف مسرحي هائل، وتعليق حل العقدة الروائية حتى إطلاق صافرة النهاية، لكن حتى إطلاق صافرة النهاية لا يريح الأعصاب بين طغيان الوقت الذي يسير بلا توقف.
ببساطة إن المسألة كلها ممسرحة، وبالتالي تخضع للرؤية الذاتية، وكل مباراة تمثل دراما تلفزيونية مسلسلة، فيها الكثير من الاستعارات المتناقضة، إلهاما شخصيا تجري صياغته بلغة الانتماء، وتتميز في نفس الوقت بأنها تستخدم كل مفردات الأدب المعروف، النموذج - الإيقاع - الرؤية - الفهم - المعالجة، وقد يبدو كل ذلك وهماً، لكنها في الوقت نفسه هي لعبة بسيطة، بسيطة جداً، مثل الأحلام.
كنا على الدوام نشهد لعبتين عالميتين فقط، الحرب وكرة القدم، وربما كانت كرة القدم الأقرب إلى الواقع، لكن الحرب وكرة القدم يجمعهما الوجود معاً في كل مكان، كأنهما نشأتا من مصدر شهواني جماعي بعينه، وربما كانا ببساطة مظهرين للعبة نفسها، مظهران من مظاهر العولمة لزمن غدا فيه رأس المال يسيطر على الأحلام، وكرة القدم أحد أكبر الأحلام في هذا العصر، ولو تمعنا في حجم الأموال التي تنفقها الأندية لاستقدام اللاعبين المميزين لاكتشفنا ببساطة أن العملية اختصرت بكلمة واحدة هي "بيزنس".
في العام 1982 اندلعت حرب الفوكلاند بين بريطانيا والأرجنتين، وخسرت الأرجنتين هذه الحرب التي علق عليها الكاتب الأرجنتيني الشهير لويس خورخي بورخيس بأنها صراع على مشط بين أصلعين، وبعد أربع سنوات وفي مونديال 1986، انتصرت الأرجنتين على بريطانيا بكرة القدم، وعد هذا الانتصار نوعاً من الثأر المرضي على خسارة حرب الفوكلاند، وفي نفس الوقت يعيد الشعور بالعزة القومية رداً على الهزيمة العسكرية، كما كانت الموقعة الكروية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في العام 1996 هزيمة لكل ما هو أمريكي. ربما هنا تكمن المفارقة العجيبة، هل جاءت مباريات كرة القدم لتعطي جائزة ترضية لخيبات كثيرة للشعوب الضعيفة، وأن ترى في هذا الميدان الذي اسمه ملعب كرة القدم، كل أحلامها وهمومها وآمالها، وهو المجال الوحيد الذي ستنافس فيه خصوماً أقوياء، وتكون لديها الفرصة للانتصار على هذه القوى العظمى. وهل ستتعدى جائزة المشاهدة أكثر من مشط لأصلع يتلبسه شعور القبيلة، ويتداخل في كل شيء بحياته بكل شيء.
فهنا مديرو كرة القدم في المنتخبات والأندية يعلنون الحرب، ويرسمون الخطط، ويطبقون التكتيكات العسكرية التي يضعها الجنرالات على ارَض المعركة، ومن ثم تدور الكرة، ويدور معها العالم وتتحول مصطلحات كرة القدم وخطط المدربين إلى الجنرالات، ويغزو العنف المدرجات ويلف المشاهدين حتى أمام أجهزة التلفاز في بيوتهم، وتتحول مضامير الكرة إلى ساحات حرب. وتتحول أزياء الجنود إلى ألوان الزي الرسمي الذي ترتديه فرق الكرة الوطنية، وربما انعكست الحالة، وارتدى الرياضيون الزيّ العسكري لجيش بلادهم، إنه الجنون الجماعي، والهيمنة العالمية لكرة القدم، وكم من المشجعين يلونون رؤوسهم ووجوههم بألوان العلم الوطني.
التفسيرات التي يمكن أن تقدم للقوة الغامضة للعبة كرة القدم كثيرة، الطبيعة الشبيهة بالنشوة التي تتميز بها المباريات الكبرى، هيمنتها العالمية على الألعاب الأخرى، الطبيعة المسرحية الكامنة في اللعبة ذاتها، وليست الاستعراضات الأمريكية التي تمارسها مشجعات الفريق التي تقدم بين الشوطين، والتي تمثل حالة درامية بحد ذاتها، فتلك المشجعات يتحولن إلى نجمات مجتمع، وملكات جمال واستعراض، وينلن مكانة اجتماعية أكبر من اللواتي لا يمارسن هذه الأنواع من الاستعراضات والرقصات، واليوم تضيف جنوب إفريقيا في استضافتها الراهنة للمونديال نشاطاً جاذباً للمتفرجين والسياح، وهو ملكات الجمال للدول المشاركة في المونديال، وتنظم لهن لقاءات ترفيهية وجماهيرية وسياحية، وتسويقية. ووجدوا أن هذه البادرة كانت مهمة على صعيد المتفرجين، أو على صعيد كبح شيء من العنف الذي يلف ثنايا القارة السوداء.
يمكن مقارن تأثيرات كرة القدم اليوم بالمأساة الإغريقية، أو مسرحيات العبث ذات النهاية المفتوحة، أو أي نوع من المسرحيات الأخلاقية التي ازدهرت في القرون الوسطى، وهذا الإحساس تولده صعوبة تحقيق الأهداف، أو تحقيق الفوز بين فريقين تتفاوت قدراتهما على نحو ملحوظ. لكن كل هذا يشكل لحظة تكثيف مسرحي هائل، وتعليق حل العقدة الروائية حتى إطلاق صافرة النهاية، لكن حتى إطلاق صافرة النهاية لا يريح الأعصاب بين طغيان الوقت الذي يسير بلا توقف.
ببساطة إن المسألة كلها ممسرحة، وبالتالي تخضع للرؤية الذاتية، وكل مباراة تمثل دراما تلفزيونية مسلسلة، فيها الكثير من الاستعارات المتناقضة، إلهاما شخصيا تجري صياغته بلغة الانتماء، وتتميز في نفس الوقت بأنها تستخدم كل مفردات الأدب المعروف، النموذج - الإيقاع - الرؤية - الفهم - المعالجة، وقد يبدو كل ذلك وهماً، لكنها في الوقت نفسه هي لعبة بسيطة، بسيطة جداً، مثل الأحلام.
الإثنين أبريل 01, 2013 8:40 am من طرف غزوان قهوجي
» غزوان قهوجي
الإثنين أبريل 01, 2013 8:36 am من طرف غزوان قهوجي
» مختبر فضا المسرحي
الأربعاء فبراير 13, 2013 8:44 am من طرف غزوان قهوجي
» مهرجان لمسرح الشباب العربي في بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:07 am من طرف غزوان قهوجي
» مهيمنات ( السلطة ) وتنويعاتها الإسلوبية في بعض عروض مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:02 am من طرف غزوان قهوجي
» مقالة جميلة عن مولانا
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:50 am من طرف غزوان قهوجي
» خبر عن مشاركة الفرقة في مهرجان بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:39 am من طرف غزوان قهوجي
» أم سامي
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:10 pm من طرف همسة حب
» حدث في سوريا : دعوى قضائية شد الله !!!!!
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:06 pm من طرف همسة حب
» حكايا طريفة
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:01 pm من طرف همسة حب
» السر بشهر العسل
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:56 pm من طرف همسة حب
» عندما يتفلسف الحمار
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:53 pm من طرف همسة حب
» حكمة : كن نذلا تعيش ملكاً ........!!!
الثلاثاء نوفمبر 06, 2012 2:44 am من طرف همسة حب
» فــوائـد الـزوجــة الـنـكـديــة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:21 am من طرف همسة حب
» شو كان لازم يعمل ؟
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:18 am من طرف همسة حب