مؤلف كتاب (عصر شكسبير) هو الناقد البريطاني الشهير فرانك كيرمود. وكان استاذاً للغة والآداب الانجليزية في جامعة كمبردج من عام 1974 الى عام 1982. كما انه كان استاذاً رائداً في العديد من الجامعات العالمية كجامعة شيكاغو، ليفربول، نيوكاسيل، ييل، امستردام، الخ.وهو عضو في الاكاديمية البريطانية وفي الجمعية الملكية للآداب، كما انه عضو شرف في الاكاديمية الاميركية للفنون والعلوم والاكاديمية الاميركية للفنون والآداب. وقد نال عدة اوسمة، وحصل على لقب النبالة من الملكة عام 1991.وقد اشتهر هذا الناقد بعدة كتب نذكر من بينها: التاريخ والقيمة، الشهية الى الشعر، لغة شكسبير، بلا عنوان، ثم اخيراً او مؤخراً: قطع في ذاكرتي.
وفي هذا الكتاب المهم يتعرض المؤلف لعصر شكسبير ويتساءل: ما هي الظروف التاريخية الخاصة التي انتجت عملاقاً ادبياً في مثل هذا الحجم؟ وفي اي محيط كتب مسرحياته واشعاره الخالدة؟ وكيف اثرت عليه تلك الظروف المحيطة سواء، كانت دينية، ام اجتماعية، ام سياسية، ام عائلية، الخ.وهكذا ينخرط المؤلف في دراسة عصر شكسبير في كل النواحي ويربط الكاتب العبقري بالقرن الذي ولد فيه لكي يظهره على حقيقته.
ويتألف الكتاب من مقدمة عامة وعدة فصول نذكر من بينها: الاصلاح الديني ومشكلة التناوب على الحكم في انجلترا في عصر شكسبير. ثم يخصص فصلاً لدراسة اوضاع انجلترا في عهد الملكة الشهيرة اليزابيث الاولى. ومعلوم ان شكسبير ولد في عهدها وكتب معظم اعمالها آنذاك. ويتلوه فصل بعنوان: شكسبير يترك مدينته ستراتفورد ويذهب الى لندن. ثم هناك فصل بعنوان رجال اللورد شامبرلين، واخر بعنوان: المسارح، وآخر بعنوان: مسرحيات شكسبير الأولى، الخ.
وعلى الرغم من اننا لا نعرف الكثير عن حياة شكسبير الشخصية الا اننا نعرف الكثير عن العصر الذي عاش فيه. ويقول المؤلف بما معناه:
لقد ولد شكسبير عام 1564 ومات عام 1616 بمعنى انه لم يعش اكثر من اثنين وخمسين عاماً. ومع ذلك فقد ملأ الدنيا وشغل الناس. وربما كان اشهر اديب في العالم، وليس فقط في انجلترا او اوروبا. وكان والده تاجراً ومن اعيان البلدة المحليين.وبعد ان درس في مدرسة القواعد بستراسبورغ تزوج وهو في الثامنة عشرة من فتاة تدعى آن هاثاوي التي تكبره بثماني سنوات. وقد انجب منها ثلاثة اطفال. وفي عام 1592 هاجر الى لندن حيث كتب مسرحياته الأولى، وحيث عرف في البداية كممثل.
وقد اهدى قصيدتين الى نبيل اقطاعي يدعى اللورد ساوثمبتون، وكان صديقه وحاميه. وعندما خلف الملك جاك الاول الملكة اليزابيث عام 1603 اصبح الفريق المسرحي لشكسبير هو الفريق الملكي.
وفي عام 1611 كان شكسبير قد اصبح شهيراً جداً وغنياً ولذلك فكر في التقاعد والعودة الى مدينته الاصلية حيث مات بعد خمس سنوات من ذلك التاريخ. والغريب العجيب هو انه مات في نفس اليوم الذي مات فيه عملاق آخر من عمالقة الادب العالمي هو سيرفانتس مؤلف دون كيشوت (يوم 23 ابريل 1616).
ثم يردف المؤلف قائلاً: ولأننا نجهل كل شيء تقريباً عن حياة شكسبير فإن بعضهم راح يشك حتى في وجوده او في كونه هو المؤلف الحقيقي لأعماله! فالبعض قال بأن مؤلف هذه المسرحيات العظيمة هو مارلو، والبعض الآخر قال بأنه باكون.. ولكن كل هذه القصص هي خرافات من صنع الخيال ولا تصمد امام الامتحان. فشكسبير وجد حقيقة، وهو الذي كتب اعماله الكبرى ولم يكتبها احد غيره. ثم ان المهم في نهاية المطاف هو هذه الاعمال العظيمة والخارقة للعادة. فقد امتعت اجيالاً من البشر ولاتزال.
ولكن يبقى صحيحاً القول بأن شخصية شكسبير تظل محاطة بالمجاهيل والاسرار.
فلنحاول الآن ان نعرف شيئاً ما عن عصره اذا كنا لا نستطيع ان نتوصل الى حياته الشخصية. في الواقع عصر اليزابيث الذي عاش فيه شكسبير معظم عمره يمتد من عام 1558 اي قبل ولادة الكاتب الشهير بست سنوات الى عام 1603 اي بعد موته بثلاث عشرة سنة. ويعتبر هذا العصر احدى الفترات الكبرى في التاريخ الانجليزي.
ويعتبره المؤرخون عادة بأنه عصر الازدهار والتوازن، وكذلك عصر السعادة والذروة في تاريخ الحضارة الانجليزية. ففيه راح الادباء والفنانون يجدون جمهوراً كبيراً وعارفاً لم يشهده اي جيل سابق. وعصر اليزابيث الأولى التي ينبغي تمييزها عن اليزابيث الثانية التي تحكم حالياً استمر حوالي نصف قرن. وهو عهد طويل جداً ونادراً ان يحظى به الملوك ما عدا لويس الرابع عشر في فرنسا وسواه قليلون.
وكان عصر التوسع الانجليزي، وعصر العظمة لاحدى الدول البروتستانتية الاوروبية. وقد شهدت انجلترا اثناءه الامان والسلام في حين ان فرنسا ومعظم انحاء القارة كانتا تعيشان في الحروب الذهبية والاهلية.
انها فترة جميلة بالقياس الى ما سبقها من عصور الاضطراب والقلاقل والهزّات. وهي بنت الملك هنري الثامن، وقد صعدت على العرش عام 1558 وعمرها خمسة وعشرون عاماً. وقد شهدت مدة ثلاثة ملوك من عائلتها هم: والدها عام 1547، واخيها غير الشقيق ادوارد السادس عام 1553، واختها غير الشقيقة ماري بعد خمس سنوات من الحكم عام 1553.
وهذا التناوب السريع على الحكم كان دليل اضطراب وقلاقل بالنسبة للنظام الملكي الانجليزي. وهو يذكّرنا بعصر القلاقل الفرنسية في ذات الفترة. ولكن الفرق هو ان فرنسا راحت تغرق في الحروب الاهلية هذا في حين ان انجلترا بصعود اليزابيث الى سدة الحكم راحت تشهد فترة استقرار وازدهار كما قلنا آنفاً.
وقد تحدث المؤرخون عن معجزة الملكة اليزابيث لأنها عرفت كيف تواجه الصعاب وتتجاوزها الواحدة بعد الاخرى. بل وعرفت كيف تحول السلب الى ايجاب، والضعف الى قوة، والمصيبة الى حظ، وهنا تكمن قوة شخصيتها وعظمتها، وربما كان من حظ شكسبير ان عاش في عصرها.
ثم يتحدث المؤلف عن المصاعب التي واجهتها اليزابيث منذ ان استلمت الحكم. وتتمثل في مشاكل الحكم وتسوية الخلافات من جهة، ثم في المشاكل الدينية وخطر الحروب المذهبية بين الكاثوليكيين والبروتستانتيين، هذا بالاضافة الى الخطر المتمثل بالكثير من الاضطرابات الاجتماعية الناتجة عن الفقر والبؤس. ونضيف الى كل ذلك المشاكل الدولية، وبالاحرى الاوروبية.
لا يمكن فهم عصر شكسبير ان لم نأخذ بعين الاعتبار انقسام المسيحية آنذاك الى مذهبين متناحرين: المذهب الكاثوليكي، والمذهب البروتستانتي. فالاصلاح الديني الذي قام به لوثر وكالفن في اوروبا أدى الى نهاية هيمنة المذهب الكاثوليكي البابوي الروماني على عقول الاوروبيين.ونتج عن الاصلاح ما يدعى بالمذهب البروتستانتي الذي تبنّته انجلترا بالاضافة الى المانيا وهولندا والسويد وبعض الدول الاخرى. ولكن فرنسا ظلت كاثوليكية مخلصة لروما والفاتيكان، وكذلك ايطاليا واسبانيا، الخ.
وعن هذا الانقسام المذهبي نشأت الحروب الاهلية الاوروبية. وانجلترا كانت منقسمة الى كاثوليكيين وبروتستانتيين مع كل التناحرات التي ترافق ذلك. والملكة اليزابيث نفسها كانت كاثوليكية في البداية ثم تحولت الى المذهب البروتستانتي الذي يمثل اغلبية الشعب الانجليزي. ولذلك هاجمها اتباع المذهب الكاثوليكي وحاولوا اسقاطها او تعيين ملكة كاثوليكية محلها، كما ان البابا بولس الخامس اصدر فتوى بخلعها عن العرش عن طريق تكفيرها لأنها تنتمي الى مذهب الزنادقة البروتستانتيين اعداء الفاتيكان والبابوات.
ولكنهم لم يستطيعوا تحطيمها على الرغم من كل هذه المحاولات. وظلت تحكم انجلترا حتى ماتت عام 1603 بعد عمر طويل يناهز السبعين عاماً. وكانت مقتنعة باطروحات الاصلاح الديني وكارهة للبابوات والفاتيكان والجمود العقائدي للمذهب الكاثوليكي.
ولم تغير موقفها على الرغم من كل الضغوط والتهديدات التي مورست عليها. ولكي نعطي فكرة افضل عن ذلك العصر ينبغي القول بأن النزعة الانسانية كانت قد انتشرت كثيراً في اوروبا ابان عصر النهضة.
واختلط الدين بالفلسفة ونتج عن ذلك تيار جديد اصلاحي يتعارض مع الفاتيكان والبابا. ويمكن القول بأن كتاب الفيلسوف توماس مور عن «اليوتوبيا» هو اهم كتاب انتجه عصر النهضة الانجليزية. وقد صدر باللاتينية عام 1506 ولكنه ترجم الى الانجليزية عام 1551. وهو كتاب فلسفي وسياسي في آن معاً ويعكس هموم تلك الفترة: اي بدايات القرن السادس عشر حيث ظهرت النهضة والاصلاح الديني والانقسام المذهبي داخل المسيحية الاوروبية.
وهذا الكتاب مستلهم الى حد كبير في جمهورية افلاطون. وهو يروي بطريقة حوارية قصة تلك المدينة المثالية الموجودة في جزيرة خيالية تدعى: «يوتوبيا انها مملكة غير موجودة في اي مكان، او قل انها موجودة في اللامكان».
وفيها يحق للناس ان يسعدوا على هذه الارض، وان يحققوا رغباتهم، وذواتهم الفردية وذلك على عكس المثال الرهباني الكنسي القائم على الزهد والتقشف.وفي هذه المدينة الفاضلة او الطوباوية كل العقائد متاحة ومسموح بها ما عدا الالحاد.وفيها يهيمن التسامح الديني محل التعصب والظلامية. وفيها ينبغي على الملك ان يستشير شعبه في طريقة حكمه.
وبتأليف هذه الرواية الخيالية فإن توماس مور انخرط بكل تصميم في خط المثالية وأراد ان يلفت انتباه مثقفي اوروبا الى امراض العصر حتى قبل ظهور حركة الاصلاح الديني ثم يردف المؤلف قائلاً:
مهما يكن من امر كان الاضطرابات السياسية والدينية، والمذهبية لتلك الفترة انعكست بشكل او بآخر على مسرحيات شكسبير التراجيدية.
وبالتالي فهي ليست جميعاً من صنع خياله وانما لا علاقة لها بالعصر الذي عاش فيه.وحتى لو كان عصراً مستقراً الا ان الاضطرابات السابقة كانت لاتزال عالقة في الاذهان وكذلك قلاقل البلدان الاوروبية الاخرى، وكلها كان يراها شكسبير ويفكر بها عندما يكتب اعماله الكبرى.
والواقع ان المجتمع الذي ورثته اليزابيث عن عائلتها كان مليئاً بشعب فقير يعاني الكثير من العذاب في حياته اليومية، وقد تمرد اكثر من مرة احتجاجاً على اوضاعه الصعبة.
وبالتالي فالملكة كانت تعرف ان الاضطرابات والقلاقل قد تهدد عهدها وعرشها. ولكنها كانت جريئة وتعرف ان تتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، ولذلك فقد قطعت كلياً علاقات انجلترا مع الفاتيكان عام 1559 اي بعد عام واحد من صعودها على سدّة العرش. وقد اصدرت قراراً يقول بأنها الحاكم الأعلى لكنيسة انجلترا. وهكذا اصبحت اول امرأة تحكم انجلترا ليس فقط سياسياً وانما دينياً ايضاً. ولم يكن ذلك بالامر السهل. فالمرأة غير مؤهلة تاريخياً لأن تصبح زعيمة دينية او خليفة المسيح على رأس الكنيسة!
والتقليديون اعتبروا ذلك بدعة ما بعدها بدعة. ولكنها اصرت على موقفها ونجحت في العملية، ولكنها لم تكن متطرفة في عدائها للمذهب الكاثوليكي. فالواقع انها ابقت على بعض مظاهره وطقوسه وعقائده الى درجة ان كنيسة انجلترا اصبحت خليطاً من البروتستانتية والكاثوليكية.
وهنا يتجلّى الطابع المتسامح دينياً للشعب الانجليزي. وهذا ما يفرّقه عن بقية الشعوب الاوروبية التي كانت تسودها الكنيسة الكاثوليكية المتعصبة.وعموماً فإن عصر شكسبير كان مليئاً بالقلاقل الدينية والسياسية على الصعيد الاوروبي.
ولكن فيما يخص الآداب والفنون فإن المسرح الانجليزي شهد توسعاً او ازدهاراً رائعاً في عصر الملكة اليزابيث الأولى وذلك بدءاً من عام 1580 . ففي عام 1577 فتح جيمس بوبيج اول مسرح عمومي انجليزي في لندن. وفي نهاية القرن السادس عشر كانت لندن تمتلك عدة مسارح من بينها مسرح «لوغلوب» الذي فتح عام 1599 والذي عرض فيه شكسبير العديد من مسرحياته.
ولم يكن المسرح حكراً على النخبة في عهد الملكة اليزابيث وانما كان مفتوحاً للجميع فكل الطبقات او الفئات الاجتماعية كانت تجد نصيبها فيه.و لهذا السبب نجد شكسبير ينتقل من معالجة الموضوعات الخطيرة، او النبيلة الى المزحات الثقيلة او حتى السوقية. وقد كان يفعل ذلك لارضاء كل انواع الجمهور الذي يحضر مسرحياته اثناء عرضها.
وفي هذا الكتاب المهم يتعرض المؤلف لعصر شكسبير ويتساءل: ما هي الظروف التاريخية الخاصة التي انتجت عملاقاً ادبياً في مثل هذا الحجم؟ وفي اي محيط كتب مسرحياته واشعاره الخالدة؟ وكيف اثرت عليه تلك الظروف المحيطة سواء، كانت دينية، ام اجتماعية، ام سياسية، ام عائلية، الخ.وهكذا ينخرط المؤلف في دراسة عصر شكسبير في كل النواحي ويربط الكاتب العبقري بالقرن الذي ولد فيه لكي يظهره على حقيقته.
ويتألف الكتاب من مقدمة عامة وعدة فصول نذكر من بينها: الاصلاح الديني ومشكلة التناوب على الحكم في انجلترا في عصر شكسبير. ثم يخصص فصلاً لدراسة اوضاع انجلترا في عهد الملكة الشهيرة اليزابيث الاولى. ومعلوم ان شكسبير ولد في عهدها وكتب معظم اعمالها آنذاك. ويتلوه فصل بعنوان: شكسبير يترك مدينته ستراتفورد ويذهب الى لندن. ثم هناك فصل بعنوان رجال اللورد شامبرلين، واخر بعنوان: المسارح، وآخر بعنوان: مسرحيات شكسبير الأولى، الخ.
وعلى الرغم من اننا لا نعرف الكثير عن حياة شكسبير الشخصية الا اننا نعرف الكثير عن العصر الذي عاش فيه. ويقول المؤلف بما معناه:
لقد ولد شكسبير عام 1564 ومات عام 1616 بمعنى انه لم يعش اكثر من اثنين وخمسين عاماً. ومع ذلك فقد ملأ الدنيا وشغل الناس. وربما كان اشهر اديب في العالم، وليس فقط في انجلترا او اوروبا. وكان والده تاجراً ومن اعيان البلدة المحليين.وبعد ان درس في مدرسة القواعد بستراسبورغ تزوج وهو في الثامنة عشرة من فتاة تدعى آن هاثاوي التي تكبره بثماني سنوات. وقد انجب منها ثلاثة اطفال. وفي عام 1592 هاجر الى لندن حيث كتب مسرحياته الأولى، وحيث عرف في البداية كممثل.
وقد اهدى قصيدتين الى نبيل اقطاعي يدعى اللورد ساوثمبتون، وكان صديقه وحاميه. وعندما خلف الملك جاك الاول الملكة اليزابيث عام 1603 اصبح الفريق المسرحي لشكسبير هو الفريق الملكي.
وفي عام 1611 كان شكسبير قد اصبح شهيراً جداً وغنياً ولذلك فكر في التقاعد والعودة الى مدينته الاصلية حيث مات بعد خمس سنوات من ذلك التاريخ. والغريب العجيب هو انه مات في نفس اليوم الذي مات فيه عملاق آخر من عمالقة الادب العالمي هو سيرفانتس مؤلف دون كيشوت (يوم 23 ابريل 1616).
ثم يردف المؤلف قائلاً: ولأننا نجهل كل شيء تقريباً عن حياة شكسبير فإن بعضهم راح يشك حتى في وجوده او في كونه هو المؤلف الحقيقي لأعماله! فالبعض قال بأن مؤلف هذه المسرحيات العظيمة هو مارلو، والبعض الآخر قال بأنه باكون.. ولكن كل هذه القصص هي خرافات من صنع الخيال ولا تصمد امام الامتحان. فشكسبير وجد حقيقة، وهو الذي كتب اعماله الكبرى ولم يكتبها احد غيره. ثم ان المهم في نهاية المطاف هو هذه الاعمال العظيمة والخارقة للعادة. فقد امتعت اجيالاً من البشر ولاتزال.
ولكن يبقى صحيحاً القول بأن شخصية شكسبير تظل محاطة بالمجاهيل والاسرار.
فلنحاول الآن ان نعرف شيئاً ما عن عصره اذا كنا لا نستطيع ان نتوصل الى حياته الشخصية. في الواقع عصر اليزابيث الذي عاش فيه شكسبير معظم عمره يمتد من عام 1558 اي قبل ولادة الكاتب الشهير بست سنوات الى عام 1603 اي بعد موته بثلاث عشرة سنة. ويعتبر هذا العصر احدى الفترات الكبرى في التاريخ الانجليزي.
ويعتبره المؤرخون عادة بأنه عصر الازدهار والتوازن، وكذلك عصر السعادة والذروة في تاريخ الحضارة الانجليزية. ففيه راح الادباء والفنانون يجدون جمهوراً كبيراً وعارفاً لم يشهده اي جيل سابق. وعصر اليزابيث الأولى التي ينبغي تمييزها عن اليزابيث الثانية التي تحكم حالياً استمر حوالي نصف قرن. وهو عهد طويل جداً ونادراً ان يحظى به الملوك ما عدا لويس الرابع عشر في فرنسا وسواه قليلون.
وكان عصر التوسع الانجليزي، وعصر العظمة لاحدى الدول البروتستانتية الاوروبية. وقد شهدت انجلترا اثناءه الامان والسلام في حين ان فرنسا ومعظم انحاء القارة كانتا تعيشان في الحروب الذهبية والاهلية.
انها فترة جميلة بالقياس الى ما سبقها من عصور الاضطراب والقلاقل والهزّات. وهي بنت الملك هنري الثامن، وقد صعدت على العرش عام 1558 وعمرها خمسة وعشرون عاماً. وقد شهدت مدة ثلاثة ملوك من عائلتها هم: والدها عام 1547، واخيها غير الشقيق ادوارد السادس عام 1553، واختها غير الشقيقة ماري بعد خمس سنوات من الحكم عام 1553.
وهذا التناوب السريع على الحكم كان دليل اضطراب وقلاقل بالنسبة للنظام الملكي الانجليزي. وهو يذكّرنا بعصر القلاقل الفرنسية في ذات الفترة. ولكن الفرق هو ان فرنسا راحت تغرق في الحروب الاهلية هذا في حين ان انجلترا بصعود اليزابيث الى سدة الحكم راحت تشهد فترة استقرار وازدهار كما قلنا آنفاً.
وقد تحدث المؤرخون عن معجزة الملكة اليزابيث لأنها عرفت كيف تواجه الصعاب وتتجاوزها الواحدة بعد الاخرى. بل وعرفت كيف تحول السلب الى ايجاب، والضعف الى قوة، والمصيبة الى حظ، وهنا تكمن قوة شخصيتها وعظمتها، وربما كان من حظ شكسبير ان عاش في عصرها.
ثم يتحدث المؤلف عن المصاعب التي واجهتها اليزابيث منذ ان استلمت الحكم. وتتمثل في مشاكل الحكم وتسوية الخلافات من جهة، ثم في المشاكل الدينية وخطر الحروب المذهبية بين الكاثوليكيين والبروتستانتيين، هذا بالاضافة الى الخطر المتمثل بالكثير من الاضطرابات الاجتماعية الناتجة عن الفقر والبؤس. ونضيف الى كل ذلك المشاكل الدولية، وبالاحرى الاوروبية.
لا يمكن فهم عصر شكسبير ان لم نأخذ بعين الاعتبار انقسام المسيحية آنذاك الى مذهبين متناحرين: المذهب الكاثوليكي، والمذهب البروتستانتي. فالاصلاح الديني الذي قام به لوثر وكالفن في اوروبا أدى الى نهاية هيمنة المذهب الكاثوليكي البابوي الروماني على عقول الاوروبيين.ونتج عن الاصلاح ما يدعى بالمذهب البروتستانتي الذي تبنّته انجلترا بالاضافة الى المانيا وهولندا والسويد وبعض الدول الاخرى. ولكن فرنسا ظلت كاثوليكية مخلصة لروما والفاتيكان، وكذلك ايطاليا واسبانيا، الخ.
وعن هذا الانقسام المذهبي نشأت الحروب الاهلية الاوروبية. وانجلترا كانت منقسمة الى كاثوليكيين وبروتستانتيين مع كل التناحرات التي ترافق ذلك. والملكة اليزابيث نفسها كانت كاثوليكية في البداية ثم تحولت الى المذهب البروتستانتي الذي يمثل اغلبية الشعب الانجليزي. ولذلك هاجمها اتباع المذهب الكاثوليكي وحاولوا اسقاطها او تعيين ملكة كاثوليكية محلها، كما ان البابا بولس الخامس اصدر فتوى بخلعها عن العرش عن طريق تكفيرها لأنها تنتمي الى مذهب الزنادقة البروتستانتيين اعداء الفاتيكان والبابوات.
ولكنهم لم يستطيعوا تحطيمها على الرغم من كل هذه المحاولات. وظلت تحكم انجلترا حتى ماتت عام 1603 بعد عمر طويل يناهز السبعين عاماً. وكانت مقتنعة باطروحات الاصلاح الديني وكارهة للبابوات والفاتيكان والجمود العقائدي للمذهب الكاثوليكي.
ولم تغير موقفها على الرغم من كل الضغوط والتهديدات التي مورست عليها. ولكي نعطي فكرة افضل عن ذلك العصر ينبغي القول بأن النزعة الانسانية كانت قد انتشرت كثيراً في اوروبا ابان عصر النهضة.
واختلط الدين بالفلسفة ونتج عن ذلك تيار جديد اصلاحي يتعارض مع الفاتيكان والبابا. ويمكن القول بأن كتاب الفيلسوف توماس مور عن «اليوتوبيا» هو اهم كتاب انتجه عصر النهضة الانجليزية. وقد صدر باللاتينية عام 1506 ولكنه ترجم الى الانجليزية عام 1551. وهو كتاب فلسفي وسياسي في آن معاً ويعكس هموم تلك الفترة: اي بدايات القرن السادس عشر حيث ظهرت النهضة والاصلاح الديني والانقسام المذهبي داخل المسيحية الاوروبية.
وهذا الكتاب مستلهم الى حد كبير في جمهورية افلاطون. وهو يروي بطريقة حوارية قصة تلك المدينة المثالية الموجودة في جزيرة خيالية تدعى: «يوتوبيا انها مملكة غير موجودة في اي مكان، او قل انها موجودة في اللامكان».
وفيها يحق للناس ان يسعدوا على هذه الارض، وان يحققوا رغباتهم، وذواتهم الفردية وذلك على عكس المثال الرهباني الكنسي القائم على الزهد والتقشف.وفي هذه المدينة الفاضلة او الطوباوية كل العقائد متاحة ومسموح بها ما عدا الالحاد.وفيها يهيمن التسامح الديني محل التعصب والظلامية. وفيها ينبغي على الملك ان يستشير شعبه في طريقة حكمه.
وبتأليف هذه الرواية الخيالية فإن توماس مور انخرط بكل تصميم في خط المثالية وأراد ان يلفت انتباه مثقفي اوروبا الى امراض العصر حتى قبل ظهور حركة الاصلاح الديني ثم يردف المؤلف قائلاً:
مهما يكن من امر كان الاضطرابات السياسية والدينية، والمذهبية لتلك الفترة انعكست بشكل او بآخر على مسرحيات شكسبير التراجيدية.
وبالتالي فهي ليست جميعاً من صنع خياله وانما لا علاقة لها بالعصر الذي عاش فيه.وحتى لو كان عصراً مستقراً الا ان الاضطرابات السابقة كانت لاتزال عالقة في الاذهان وكذلك قلاقل البلدان الاوروبية الاخرى، وكلها كان يراها شكسبير ويفكر بها عندما يكتب اعماله الكبرى.
والواقع ان المجتمع الذي ورثته اليزابيث عن عائلتها كان مليئاً بشعب فقير يعاني الكثير من العذاب في حياته اليومية، وقد تمرد اكثر من مرة احتجاجاً على اوضاعه الصعبة.
وبالتالي فالملكة كانت تعرف ان الاضطرابات والقلاقل قد تهدد عهدها وعرشها. ولكنها كانت جريئة وتعرف ان تتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، ولذلك فقد قطعت كلياً علاقات انجلترا مع الفاتيكان عام 1559 اي بعد عام واحد من صعودها على سدّة العرش. وقد اصدرت قراراً يقول بأنها الحاكم الأعلى لكنيسة انجلترا. وهكذا اصبحت اول امرأة تحكم انجلترا ليس فقط سياسياً وانما دينياً ايضاً. ولم يكن ذلك بالامر السهل. فالمرأة غير مؤهلة تاريخياً لأن تصبح زعيمة دينية او خليفة المسيح على رأس الكنيسة!
والتقليديون اعتبروا ذلك بدعة ما بعدها بدعة. ولكنها اصرت على موقفها ونجحت في العملية، ولكنها لم تكن متطرفة في عدائها للمذهب الكاثوليكي. فالواقع انها ابقت على بعض مظاهره وطقوسه وعقائده الى درجة ان كنيسة انجلترا اصبحت خليطاً من البروتستانتية والكاثوليكية.
وهنا يتجلّى الطابع المتسامح دينياً للشعب الانجليزي. وهذا ما يفرّقه عن بقية الشعوب الاوروبية التي كانت تسودها الكنيسة الكاثوليكية المتعصبة.وعموماً فإن عصر شكسبير كان مليئاً بالقلاقل الدينية والسياسية على الصعيد الاوروبي.
ولكن فيما يخص الآداب والفنون فإن المسرح الانجليزي شهد توسعاً او ازدهاراً رائعاً في عصر الملكة اليزابيث الأولى وذلك بدءاً من عام 1580 . ففي عام 1577 فتح جيمس بوبيج اول مسرح عمومي انجليزي في لندن. وفي نهاية القرن السادس عشر كانت لندن تمتلك عدة مسارح من بينها مسرح «لوغلوب» الذي فتح عام 1599 والذي عرض فيه شكسبير العديد من مسرحياته.
ولم يكن المسرح حكراً على النخبة في عهد الملكة اليزابيث وانما كان مفتوحاً للجميع فكل الطبقات او الفئات الاجتماعية كانت تجد نصيبها فيه.و لهذا السبب نجد شكسبير ينتقل من معالجة الموضوعات الخطيرة، او النبيلة الى المزحات الثقيلة او حتى السوقية. وقد كان يفعل ذلك لارضاء كل انواع الجمهور الذي يحضر مسرحياته اثناء عرضها.
الإثنين أبريل 01, 2013 8:40 am من طرف غزوان قهوجي
» غزوان قهوجي
الإثنين أبريل 01, 2013 8:36 am من طرف غزوان قهوجي
» مختبر فضا المسرحي
الأربعاء فبراير 13, 2013 8:44 am من طرف غزوان قهوجي
» مهرجان لمسرح الشباب العربي في بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:07 am من طرف غزوان قهوجي
» مهيمنات ( السلطة ) وتنويعاتها الإسلوبية في بعض عروض مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:02 am من طرف غزوان قهوجي
» مقالة جميلة عن مولانا
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:50 am من طرف غزوان قهوجي
» خبر عن مشاركة الفرقة في مهرجان بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:39 am من طرف غزوان قهوجي
» أم سامي
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:10 pm من طرف همسة حب
» حدث في سوريا : دعوى قضائية شد الله !!!!!
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:06 pm من طرف همسة حب
» حكايا طريفة
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:01 pm من طرف همسة حب
» السر بشهر العسل
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:56 pm من طرف همسة حب
» عندما يتفلسف الحمار
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:53 pm من طرف همسة حب
» حكمة : كن نذلا تعيش ملكاً ........!!!
الثلاثاء نوفمبر 06, 2012 2:44 am من طرف همسة حب
» فــوائـد الـزوجــة الـنـكـديــة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:21 am من طرف همسة حب
» شو كان لازم يعمل ؟
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:18 am من طرف همسة حب