من البديهي أن يشارك الأطفال في الأعمال الدرامية التلفزيونية، وذلك تبعاً لضرورات العمل بما هو دراما وبما هو يجسد الحياة بمختلف أنواعها وشرائحها، وفي الكثير من المسلسلات يتجنب الكتاب صناعة شخصيات أساسية للأعمار الصغيرة إلا إذا كان وجود الطفل في دور أساسي ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها لبناء العمل.
وفي الواقع فإن كاتب العمل الدرامي المحترف يفكر كثيراً بالناحية الإنتاجية، ولهذا فهو يؤثر الابتعاد عما يمكن أن يعيق إنتاج عمله أو يقلل من حماسة شركات الإنتاج في شراء النص وفرصه ويؤثر عليها، ولهذا وبناءً على قلة الأطفال الموهوبين أو المحترفين يتم ذلك الهروب نحو الحديث عن الطفل أكثر من المساحة التي تخصص لوجوده في العمل أو التقليل ما أمكن من الشخصيات ذات السن الصغير.
وفي الأعمال التي فرضت طبيعتها وجود الأطفال بمساحات واسعة كان لابد من الاستعانة بتلك الشخصيات الصغيرة وزجها في مواقع التصوير.
فكيف يتم تعامل القائمين على العمل الفني مع الطفل؟، هل تراعى خصوصيته العمرية؟، هل يتم الاهتمام به بالشكل اللائق؟، وما الآثار الايجابية والسلبية على عمل الطفل في الدراما وخصوصاً عندما يعطى مساحات كبيرة ويمكن أن ينال قسطاً من الشهرة؟.
هل يدفعه ذلك الإحساس بالنجومية والتعالي على غيره من الأطفال؟..هل يؤثر على دراسته ونظامه اليومي؟. وماذا عن المستقبل؟.
أسئلة كثيرة حاولت (القنديل) الإجابة عنها فيما يتعلق بعمل الطفل في المسلسلات الدرامية سنجيب عنها من خلال هذه اللقاءات مع مجموعة من الأطفال الذين أصبحوا محترفين لهذه المهنة.
مسلسل الانتظار:
مهما كان الدور الذي يؤديه الطفل فإنه مجبر على التواجد في موقع التصوير مع الممثلين من الصباح حتى المساء وعليه فإنه يتقيد بهم وبوقتهم في حين لا يكترث هؤلاء له ولا يراعون احتياجاته اليومية كطفل ولا بأس في أن يوقظوه من نومه في ساعات متأخرة من الليل، وهذا الاحتجاز الطويل للطفل يرهقه نفسياً وجسدياً كما حصل مع الطفل (ليث قرنيط) وهو طفل موهوب بدأ التمثيل منذ كان عمره سنتين في مسلسل (خان الحرير) وأدى بعد ذلك أدواراً عديدة آخرها دوره في مسلسل (الانتظار) حيث أدى فيه دور طفل أعمى، هذا الدور أخذ من وقت ليث الكثير قبل التصوير وبعده فقد خضع للتدريب في معهد (تياترو) لعدة أسابيع ووضع تحت إشراف أساتذة مختصين ليعلموه كيفية أداء هذا الدور وأثناء التصوير اضطر ليث للانتظار الطويل والسهر حتى الثانية صباحاً، وهذا ما يعني عدم وجود تنظيم من قبل فريق العمل أو برنامج يراعي وجود للطفل، فالطفل ليس ممثلاً محترفاً مضطراً لمراعاة ظروف العمل مثل باقي الفنانين، بل إن الشركة المنتجة هي التي يجب أن تراعي ظروف الطفل، ببراءة يقول ليث (يمنعني هذا الانتظار حتى من اللعب الذي أحبه).
بين قسوة الطبيعة وقسوة الألفاظ:
العصبية والألفاظ الناتجة عنها لها تأثيرها الكبير على الطفل الموجود في موقع التصوير، فهي من ناحية تؤثر على ذائقة الطفل ونفسيته، ومن ناحية أخرى ربما تؤثر على سلوكه فيما بعد.
فهذه المواقف والألفاظ تبقى عالقة في ذهن الطفل بعد الانتهاء من التصوير، كما الطفل عامر طه الذي شارك في العديد من المسلسلات فهو ورغم مرافقة والدته له حين يعود إلى المنزل يسألها: (هل انتبهت لما قاله هذا الفنان)، ويقول لها (رح اترك التصوير إذا حدا كلمني هيك) أما الاشتباكات بين الممثلين والمخرجين فهذه مسألة أخرى كان خير من حدثنا عنها سليمان رزق الذي بات خبيراً بها وأصبح يستغلها ليتعلم ردات الأفعال وملامح الأشخاص فيقول (أنا أراقب لأعرف تعابير الوجوه، لدي فضول قوي) ومع كل هذه الآثار السلبية ووقعها السيئ على الأطفال يبررون للكبار عصبيتهم بضغط العمل والتوتر فيقولون (معهم حق).
ضرب الأطفال:
وهذه حالة لم نشاهدها أو نسمع بها كثيراً إنما هي حالة تفرد بها المخرج يوسف رزق الذي يضرب أطفاله حتى يبكوا ثم يختار (اللقطة الصحيحة) ويبرر رزق هذا بقوله (نفتقد لوجود طفل لديه الخبرة والموهبة لذلك بدأت بأطفالي)، لكن ماذا عن نفسية ابنه أثناء ضربه أمام الجميع وبكائه وماذا عن حاله بعد الانتهاء من التصوير؟، من سيرمم هذه النفسية التي لم يكترث لها يوسف رزق لقد علق على الموضوع قائلاً (المهم أن تقدم عملاً جيداً حتى ولو تعبت نفسية ابني).
أليست هذه الأفكار مسلسلاً كاملاً عن قضايا الأطفال المغيبة في الدراما السورية ونقصد بها الطفل الممثل وما يتحمله من مشاق المهنة وعذابها كما لو كان ممثلاً محترفاً، فضلاً عن ميزة الضرب التي يخصصها بعض المخرجين للأطفال دون سواهم، وربما سواهم أيضاً.
الشهرة المبكرة:
إذا كان بعض الفنانين الكبار لم يستطيعوا تحمل فكرة أنهم مشهورون وأصابهم الغرور ومن ثم الفشل، فما بالنا بطفل بدأ التمثيل وهو في الخامسة من عمره أو أقل وهو المأخوذ بالكاميرا وبأجواء التمثيل وبالفنانين، كيف يتقبل فكرة أن يعرفه الناس جميعاً وان يستوقفوه في الشارع ليسلموا عليه؟.
كيف سينظر لأصدقائه في الحي وفي المدرسة؟، هل سيحتفظ الطفل الممثل بطفولته وبأصدقاء طفولته أم انه سيجد نفسه أكثر ثقافة واطلاعاً منهم فيبحث عن أصدقاء جدد يفوقونه عمراً؟، ليث علق على الموضوع قائلاً (أفرح عندما اسمع الناس يقولون هذا ممثل وأشعر بالتفاؤل وأحب هذه الشهرة).
بينما أجاب سليمان على السؤال كما لو انه كان ممثلاً مخضرماً فقال (لا تغريني الشهرة).
وداعاً للمطمورة:
من المعروف أن المال وسيلة عقاب أو جزاء يستخدمها معظم الأهالي لتشجيع طفلهم على السلوك الصحيح والطاعة، لكن ماذا لو حصل الطفل على هذه الوسيلة؟، هل سيبقى تحت جناح والديه وخاضعاً لسلطتهم، وماذا سيفعل في سن العاشرة بمبلغ 50 ألف ليرة سورية أو أكثر إن لم يتصرف به أهله؟.
بعودتنا إلى الأطفال الذين أجرينا معهم حوارنا سنجد أن المال جعلهم يشعرون بالاستقلالية، فالهاتف الجوال أصبح ضرورة لهم يستبدلونه كلما أرادوا بأفضل، والحاسوب المحمول بات شيئاً مسلماً به، حتى Face book لم يوفره هؤلاء الأطفال فليث أصبح له اسمه، أما سليمان ورغم أن الجائزة المعنوية تهمه أكثر إلا انه يفرح أيضاً بالمال الذي يجنيه من التمثيل وعن طريقة صرفه له يقول (أنا اشتري أسهماً لأني أحب أن أرى نتيجة عملي مستقبلاً) هكذا يفكر الطفل في أيامنا وحصراً الطفل الممثل في حين كان الطفل فيما مضى يحتفظ بحصالة نقود صغيرة في مكان سري يضع فيها يومياً ليرة أو اثنتين وعشرة آخر الشهر طبعاً حسب رضى أهله عنه حتى تمتلئ ليشتري بالمال أشياء بسيطة، لعبة يحبها مثلاً أو ثياباً أو حاجاته المدرسية لا هاتفاً جوالاً ولا حاسوباً ولا أسهماً.
إدمان لا علاج له:
رغم صعوبة التمثيل ورغم آثاره السلبية على نفسية الطفل وعلى تحصيله الدراسي، فإن الطفل عامر لم يفكر يوماً في أن يتوقف عنه فهو هوايته المفضلة ومن فرط حبه للتمثيل تتخذه أمه عاملاً مشجعاً للدراسة، أما إذا مر وقت طويل دون يتصل أحد بعامر ويطلبه للتمثيل فإنه يتوجه لأمه بالسؤال (ألم يتصل بي أحد) وهو في كثير من الأعمال وبعد تصوير أغلب المشاهد يقول لنفسه (سأترك العمل)، لكنه لا يستطيع لأنه يفرح كثيراً حين يشاهد نفسه على التلفاز ولا يختلف سليمان عن عامر كثيراً في حبه للتمثيل لولا أنه وصل إلى درجة الإدمان حيث يقول سليمان (لقد أصبحت مدمن تمثيل ومع ذلك لا انصح أحداّ بأن يمثل).
ثقة في غير مكانها:
بعض الأهالي يرافقون أولادهم إلى موقع التصوير ولا يفارقونهم لحظة واحدة خوفاً عليهم من أن يبقوا لوحدهم أو ان يحتاجوا شيء، وهذا حال السيدة نبال والدة عامر التي ترافقه أينما كان لديه مشهد تأخذه بعيداً عن موقع التصوير تحسباً لأي تصرف خارج عن إرادة المخرج أو الممثلين أثناء الاستراحة وبالمقابل نرى العكس، فمثلاً الفنانة رنا جمول ترسل ليث إلى موقع التصوير لوحده ثقة منها بالمخرج الذي طلب ابنها للتمثيل وعلى هذا تعلق (أنا أرسله معهم لأني أثق بهم إنهم أصدقاؤنا ويدخلون بيتنا أما خارج القطر فطبعاً أرسل معهم خالتهم). قد تكون ثقة في مكانها لولا أن الطفل اشتكى التعب والقلق والسهر.
القرار الأول لم يكن لهم فماذا عن الأخير؟:
الدخول إلى عالم التمثيل والشهرة لم يكن قراراً اتخذه الطفل بقدر ما كان قرار أهل وحاجة درامية، أي لم يأت طفل إلى والده ويقول له (أريد أن أمثل)، ولم يكن الطفل يملك حرية الرفض أو القبول وهو إن قبل بالتجربة الأولى فقبل عن جهل بالموضوع، فماذا عن قرار الاعتزال إذا صح التعبير هل سيكون للطفل أم لأهله؟، هل سيمتهن هؤلاء الأطفال التمثيل حين يكبرون برغبتهم أم برغبة آبائهم؟، هذا السؤال طرحناه على الأطفال الثلاثة فاتفقوا في نقاط واختلفوا في أخرى.
اتفقوا على أن التمثيل عمل صعب جداً وحاولوا تركه لكنهم لم يستطيعوا، ربما لو كان قرار تركهم من أهاليهم لفعلوا مجبرين رغم رغباتهم الداخلية المناقضة.
الطفل ليث بقرار منه ومن أهله بات يرفض العمل في أي مسلسل، أولاً لأنه يحب الإخراج وسيدرسه بعد الثانوية، وثانياً لأن والدته وجدت أنه بات في مرحلة عمرية حرجة ويحتاج رعاية الأهل ومراقبتهم له في البيت والمدرسة.
أما عامر وحسبما ذكرنا فإن التمثيل هوايته المفضلة وسيستمر بما لا يتعارض مع دراسته حالياً ومستقبلاً، ويتفق عامر وسليمان في ضرورة دراسة فرع مخالف تماماً للتمثيل وإيجاد عمل آخر أكثر ثباتاً وربحاً من التمثيل، لقد قالا كل على حدة (لازم يكون عندي شغل تاني فيه مصاري، لأنو إذا ما طلبنا حدا منضل ناطرين، أنا بدي أتزوج ويصير عندي ولاد كيف بربيهن بلا مصاري)؟.
ظاهرة لابد من تنظيمها:
إذا كان العمل الدرامي يحتاج لوجود أطفال ممثلين ألا يجدر بالقائمين عليه من مخرجين وشركات إنتاج أن يؤهلوا الطفل الذي يستدعونه للتمثيل وان يراعوا عمره ودراسته ووقته وحاجاته ونفسيته وان ينظموا مشاهده بحيث يؤديها كلها في وقت محدد وفي أيام محددة ليوفروا عليه عناء الانتظار والإعادة مع الكبار إذا ما أخطؤوا، بالنهاية هو طفل لا يقدر على تحمل ما يتحمله الكبار.
نجوى صليبية
الإثنين أبريل 01, 2013 8:40 am من طرف غزوان قهوجي
» غزوان قهوجي
الإثنين أبريل 01, 2013 8:36 am من طرف غزوان قهوجي
» مختبر فضا المسرحي
الأربعاء فبراير 13, 2013 8:44 am من طرف غزوان قهوجي
» مهرجان لمسرح الشباب العربي في بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:07 am من طرف غزوان قهوجي
» مهيمنات ( السلطة ) وتنويعاتها الإسلوبية في بعض عروض مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:02 am من طرف غزوان قهوجي
» مقالة جميلة عن مولانا
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:50 am من طرف غزوان قهوجي
» خبر عن مشاركة الفرقة في مهرجان بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:39 am من طرف غزوان قهوجي
» أم سامي
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:10 pm من طرف همسة حب
» حدث في سوريا : دعوى قضائية شد الله !!!!!
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:06 pm من طرف همسة حب
» حكايا طريفة
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:01 pm من طرف همسة حب
» السر بشهر العسل
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:56 pm من طرف همسة حب
» عندما يتفلسف الحمار
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:53 pm من طرف همسة حب
» حكمة : كن نذلا تعيش ملكاً ........!!!
الثلاثاء نوفمبر 06, 2012 2:44 am من طرف همسة حب
» فــوائـد الـزوجــة الـنـكـديــة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:21 am من طرف همسة حب
» شو كان لازم يعمل ؟
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:18 am من طرف همسة حب