حفل خاص على شرف الوالي
( كوميديا في ثلاثة فصول )
شخوص المسرحية:
الوالي :الحاكم
المهرج
ميمون : نديم الوالي وتابعه
خاتون : زوجة الوالي
الوزير
قاضي الولاية
صاحب الشرطة
الباب العالي : ممثل السلطان في حفل الوالي
شهبندر التجار
شيخ الكار
شيخ العشائر
بيطري القصر
حاجب الوالي
النسّاخ : كاتب الولاية
التمثال : يمثل حضور السلطان الغائب../ منيكان مصنوع من الشمع أو أي مادة.
حارس 1- حارس 2- صوت المنادي- جوقة- جواري- حاشية
المكان : ساحة القصر
المنظر : حفل بهيج يضم: أعوان الوالي.. شخصيات.. باشوات.. أعيان.. عسكر.. حاشية.. خدم.. جوقة غناء.. أبواق.. أعلام.. موسيقى.. نصب متحرك على عجلات /منيكان شمعي/ يمثل سلطان البلاد.. يمكن تحريكه إلى أي جهة، ودائماً يجب الوقوف أمامه باحترام من قبل الحاضرين، وعلى رأسهم الوالي، والحاشية.. الخ..
ملاحظة : طبيعة التمثال تتغير بتغير الحالة أو الموقف.. تارة ظهره للجميع، وتارة الوجه ضاحك، وأخرى منفعل، وأخرى يبكي.. الخ
- يدخل الوالي وهو يشد قمبازه إلى الأمام كما يفعل الطفل المختون حديثاً ويرافقه ضيفه الباب العالي.. يهرع أعوان الوالي لاستقبالهما.
ترافقهم جوقة الغناء، والرقص
/اللازمة/ المجموعة:
الليلة عيد
مولانا سعيد
بطهور جديد
أحلى عيد
مغنٍ أول:
الليلة نسهر
على شرف الوالي
طهماز وقاضينا
والباب العالي
مغنٍ ثان:
الكأس يغمر
بالمسك والعنبر
الدف يعلو
والنجر يفخر
واللعب يحلو
بحضور العسكر
المجموعة تكرر اللازمة:
الليلة عيد
مولانا سعيد
بطهور جديد
أحلى عيد
الباب العالي : (يهز رأسه بخبث) مبروك يا زيدون.. يا والي بلاد كفرون، إنها لمناسبة طيبة ونحن نلبي دعوتكم نيابة عن سلطان البلاد وحامي العباد /عبدون بن عبّاد/ خال حرمكم المصون الأميرة خاتون.. نزوركم في يوم ابتهاجكم في حفل ختانكم، وإكمال طهارتكم (يلتفت نحو خاتون).. يسأل عنك السلطان دائماً.. (يميل نحوها بهمس مسموع).. هل من أخبار أحملها له..؟
خاتون : (تهز رأسها بالنفي).. فقط بلغه محبتي، وإخلاصي له وقل له: أن عينه الساهرة بأمان، واطمئنان.. (تلتفت لزوجها بعينين مفتوحتين وتتابع حديثها المقصود) إذا أحست بالغبن وضعف الحنان.. تصرفت كعادتها أيام زمان.
الباب العالي : سأحمل هذا الكلام بمحبة ودفء لسلطان العباد ابن عبّاد..
(يلتفت للوالي وينفرد به).. ها.. نحن وحدنا الآن يا والي.
الوالي : ونحن جاهزون يا سدة الباب العالي.. التحصل دار طهماز.. جمع الهبات والضرائب، وما طالت يمينه في امتياز، ثم أودعها الصناديق التي وضعها على سنام العير وظهور الحمير، وحتى بغله لم يسلم من حمله.. وحمل معه حصتكم وحصته..
الباب العالي : (كمن غير مبال) آه صحيح.. حصتنا كم بلغت.. زادت أم نقصت؟
الوالي : كادت أن تبلغ الضعف لولا الجفاف الذي يعم البلاد منذ سنوات، وسوء حال العباد على كل حال سوف ننظر بعين الرضى في السنة القادمة ونجعل الضعف ضعفين، وأكثر إذا بقينا على كرسي الولاية في أمان واطمئنان (ينحني أمام التمثال، وينحني معه الجميع).
الباب العالي : (باعتداد وترفع) لا أخفيك سراً.. الحقيقة مركزك مهزوز عند السلطان عبدون والمنافسون على كرسي الولاية عديدون، وهم في ازدياد، والكل مستعد للدفع للسلطان ابن عبّاد.. فلولا الأميرة خاتون ونشاطك الكبير في تأمين المعلوم.. لكان وضعك غير مأمون.. (يخفض من صوته لدرجة الهمس).. أتذكر يا زيدون يوم أدخلوك على سلطان البلاد عبدون..؟
الوالي : ومن لا يذكر ذلك اليوم المشؤوم (يتنبه) عفواً.. أقصد يوم تعييني والياً على هذه البلاد.!
الباب العالي : أتذكر كيف دخلت على والينا ابن عبّاد.. بحضوري، وحضور التحصل دار طهماز، وقاضي السلطنة مهماز، ووالي ولاية تفتناز.. الوالي سعدون.. أخ حرمكم المصون خاتون، وبقية الحاشية..؟
الوالي : (يهز رأسه) نعم..!؟ وهل أنسى؟
الباب العالي : إذاً.. أنت تذكر تماماً كيف حملك اثنان من الحرس، وأدخلاك عارياً إلا من السروال؟
الوالي : (يضحك على مضض) وي.. وي.. وهل أنسى!..
الباب العالي : فأمر السلطان.. فأعطوك شروالاً فوق السروال، وجبةً وعباءةً، وعكازاً وقنبازاً وخاتماً ونياشين بثلاثة أطواخ.. وقال لك: هذه بضاعتنا نستردها وقت نشاء.
الوالي : (باعتداد كاذب).. سنكون عند حسن ظنه وثقته، ولسوف نعمل بتوجيهاته..
الباب العالي : نحن جاهزون للسفر الآن.. (يتذكر).. آ.. تذكرت لا تنس أن تنبّه مربية أطفالكم إلى أمر ختان أولادكم أولاً بأول.. حتى لا يحصل لهم ما حصل معك.
(يضحكون.. ثم يخرجون)
إظلام
الفصل الأول :
المشهد الأول
الوهم شيء، والحقيقة شيء آخر
المكان : القاعة الخاصة في قصر الوالي
المنظر : (القاعة وقد بدت في أبهة مترفة تماماً. الوالي على كرسيه العاجي وقد بدا في ثوبه الفضفاض المزركش محشواً فيه وأقرب إلى الشكل الكروي المضحك ويراقب بفرح طفولي مهرجه، ويستمع إلى حكاياته بمتعة واندهاش في حين جلس نديمه وخادمه الخاص "ميمون" عند قدميه يقدم له الشراب، ويشاركه متعة المشاهدة.. التمثال وظهره للجميع..)
المهرج : (واثباً).. ما أن أصبحنا داخل الغابة يا مولاي، حتى صرخ صاحبي بأعلى صوته.. احترس.. إنه آت نحوك من الخلف..!! (بحركة بهلوانية سريعة يثب).. استدرت بسرعة نحو الخلف.. (يتوقف عن الكلام)..
الوالي : (مأخوذاً).. ها.. تابع!!.. تابع يا مهرج!
المهرج : (يعبر بخوف) انكمشت في مكاني.. ركبتاي تسمرتا من شدة الخوف، وقلبي راح يدق مثل طبل أجوف، وعيناي جحظتا.. فتحتا أنفي بدأتا تزفران، وشفتاي ترتعشان.. وأصابع يدي ترتجف.. (يتعمد التوقف عن الكلام ثانية)..
الوالي : (بتوتر وانفعال).. تابع يا مهرج؟!..
(يضاحك ميمون.. ثم يلتفت بهمس مسموع وكمن يذكره بأمر ما)
أتذكر يا ميمون يوم كنت صغيراً؟.. (ميمون يهز رأسه).. كانت مربية حضرتنا تحكي لي مثل هذه الحكايات.. (يضاحك ميموناً).. وكثيراً ما كنت أستيقظ في الصباح وأنا مبلل..
ميمون : (بغباء مقصود يتابع).. من المطر يا مولاي..
الوالي : (نافياً بدهشة).. لا!.. بل.. (يضحكان).. حتى الفراش أبلله..
المهرج : (بخبث).. أكنت تفعلها أيضاً يا مولاي؟!..
الوالي : (بمتعة وعفوية وهو يضحك).. مثل كل الأولاد.. تابع.. تابع الحكاية.
(يدخل الحاجب)
الحاجب : (ينحني).. وزير الولاية في الباب يا مولاي.
الوالي : (يلتفت نصف التفاتة، ويشير بانفعال).. دعه ينتظر.
الحاجب : أمر مولاي.. (يخرج)
الوالي : (بلهفة).. تابع يا مهرج.. تابع.
المهرج : (بفزع مقصود).. فإذا بدب ضخم له عينان سوداوان كبيرتان يتجه نحوي يريد التهامي..!!
(يقلد حركات الدب بالرقص، ثم يتوقف فجأة في مكانه، ويحبس أنفاسه وينظر بجحوظ إلى الوالي.. الوالي يبدي بعض القلق والخوف)
الوالي : يا للهول!!.. (بغباء) التهمك الدب؟!..
المهرج : وهل يجرؤ!
الوالي : (بفزع).. وماذا فعلت؟!.. لا بد أنك هربت..؟!
المهرج : أهرب!.. لا.. صاحبي هو الذي هرب.. تسلق شجرة عالية، كانت قريبة منه.
الوالي : (بلهفة) وأنت.. ما.. ماذا فعلت؟!..
المهرج : (بخبث مقصود).. كان الدب كبيراً يا مولاي!!.. كبيراً!!
الوالي : (نافذ الصبر) أعرف.. ولكن أنت ماذا فعلت حيال هذه المشكلة؟!..
المهرج : (يسأل) بعد إذنكم يا مولاي..؟
الوالي : (في حرج).. ماذا تريد أن تقول؟
المهرج : (مطأطئ الرأس وبحياء).. يا مولاي.. لو قدر الله وكنت مكاني
الوالي : (مقاطعاً) ماذا؟!..
المهرج : (معتذراً) عفوك مولاي.. لا أقصد
إلا قضاء الله.. أنت مؤمن بالله وقدرته.. أليس كذلك؟
الوالي : (براحة) بالطبع!.. مؤمن بالله وقدرته!
المهرج : لو كنت مكاني.. ماذا كنت تفعل؟
الوالي : (ثم إجابة سريعة) أهرب بسرعة..!
ميمون : (مزايداً) تالله.. ما تفعله عين الصواب..
(يدخل الحاجب)
الحاجب : (ينحني).. قاضي الولاية في الباب يا مولاي.
الوالي : (بلا مبالاة).. القاضي.. لينتظر هو الآخر.. (للمهرج).. أنصحك بالهروب.
المهرج : أتنصحني بالهروب يا مولاي..؟!
الوالي : (متابعاً).. وبسرعة.
المهرج : ماذا ستقول العامة عني؟!.. مهرج الوالي جبان..!!
الوالي : لكن الهروب أفضل من أن تصبح في خبر كان..!.. ما رأيك يا ميمون؟
ميمون : نعم الرأي يا مولاي.. تالله ما يقوله مولاي جواهر..
الوالي : على الأقل يقال جبان، ولا يقال ياحسرتي على فلان.. التهمه دب جوعان!
ميمون : تالله.. ما يقوله مولاي عين الصواب.. جواهر
المهرج : وصاحبي المعلق.. يا مولاي؟
الوالي : تقصد صاحبك الذي هرب، وصعد الشجرة؟!!..
المهرج : نعم يا مولاي..
الوالي : ما له؟
المهرج : سوف يشهر بي، ويرغي ويكيل بالكلام كالسعير، إنه مثل الوسواس الخناس.
الوالي : (مقاطعاً) دعنا من صاحبك، وأخبرنا..؟
(يدخل الحاجب على مضض)
الحاجب : (ينحني).. مولاي.. الوزير والقاضي ما زالا واقفين ينتظران عند الباب.
الوالي : (بانفعال).. يلعن الطيب من أهلكم.. العماء يملأ عيونكم.
(يلتفت للمهرج، وبالعامية يكلمه) يا مهرج: شو عملت بعدين مع الدب أبو العينتين؟
المهرج : (يثب بسرعة).. لجأت إلى الحيلة يا مولاي.
الوالي : (بدهشة) الحيلة.. عظيم!!.. كيف؟
(المهرج يأخذ وضعية جديدة، ويدخل في حالة إيمائية تضفي نوعاً من الخوف، الوالي يراقب المشهد بانفعال وحذر)
المهرج : جعلت من جسدي جثة هامدة.. (ينبطح أرضاً) توقفت عن تحريك رأسي.. حبست أنفاسي.. أرخيت أعصابي.. (يدخل في سبات مقصود..)..
الوالي : (بغيظ شديد) ها.. أكمل..؟!.
المهرج : (يتابع الإيماء).. اقترب الدب مني.. جسني، ولحس بلسانه جسدي ورأسي ثم شمني، وقلبني بين يديه، ثم دحرجني برجليه.. كرر ذلك مرات ومرات.. (يضحك).. ظاناً أني حي.. (يتوقف قليلاً)..
الوالي : (بلهفة) ها.. تابع يا مهرج..!!
المهرج : بعد كلل وملل.. أيقن يا مولاي أني جثة ميت فطيس.. فولى عني يلعن حظه التعيس..
الوالي : ها.. لا أصدق.. أيعقل ذلك..؟!
المهرج : نعم يا مولاي..
الوالي : كيف؟..
المهرج : كما تعلم يا مولاي: للدببة عذرها
الوالي : (مقاطعاً) لا أفهم..؟
المهرج : الدببة لا تأكل لحم الفطيس يا مولاي.
الوالي : (بدهشة) ها!! جماعة كلها ذوق!!..
(يضحكون)
المهرج : (كالفاطن لأمر).. لكن يا مولاي، وأنا بين يديه يقلبني.. همس في أذني قائلاً:
(يتوقف عن الكلام.. الوالي مشدوداً، ومتلهفاً لسماع النتيجة)
الوالي : وي. وي.!!.. الدب همس لك!؟!.. ماذا قال؟!..
المهرج : (يثب نحو ميمون ويجلس قربه).. قال لي يا صديقي المهرج
الوالي : (بدهشة كمن جف ريقه) ها!!.. وي. وي.. الدب قال لك يا صديقي؟!..
المهرج : (يهز رأسه).. نعم يا مولاي.. (يقاطعه).
الوالي : وماذا قال أيضاً؟!
المهرج : قال: قل لصاحبك المعلق على الشجرة: مهما تسلق وارتفع سيأتي اليوم الذي فيه يقع.. عندها سوف أنتف له ريشه ولحيته شعرة.. شعرة..
الوالي : (يتأمل المهرج ويتحسس لحيته ثم يكلم نفسه) مهرج خبيث..!.. (يلتفت نحو المهرج) ماذا تقصد يا لعين من هذه الحكاية الكمين؟!
المهرج : إنها مجرد حكاية لا كمين.. يا مولاي.
الوالي : أعرف أنها حكاية.. لكن صديقك الدب.
المهرج : (مقاطعاً يتعمد الدهشة).. صديقي!!
الوالي : ألم يقل لك يا صديقي؟
المهرج : بلى.
الوالي : ماذا يقصد صديقك من جملته الأخيرة المحيرة..؟
المهرج :.. (يتصنع التفكير).. تقصد الجملة الأخيرة!
الوالي : هي بالذات يا ملعون النوايا!!.. أعدها على مسمعي!!
المهرج : (يكرر).. قل لصاحبك المعلق مهما ارتفع وتسلق سيأتي اليوم الذي فيه يقع.
الوالي : (يهز رأسه مقاطعاً) وي. وي.. مهرج ملعون يا لطيف!! (بنزق).. يا ميمون.
ميمون : أمر مولاي.
الوالي : (يمد إحدى يديه) دلك.. اُدلك لي أصابعي بحنان.
ميمون : (بإطراء، ونعومة يداعب الأصابع ويحاكيها..)
أصابع والينا قدك المياس.. تميس نشوة بالخمرة والكاس
مكسوة بالزمرد والألماس.. يا رب الكون وخالق الناس
احفظها من شر الحاسد
(يلثمها بشغف.. أثناء ذلك يدخل الحاجب)
الحاجب : (ينحني).. صاحب الشرطة وصل أيضاً يا مولاي.
الوالي : (بحدة مصطنعة).. هو الآخر وصل؟..
(يفكر قليلاً..).. لينتظروا.. أو ينصرفوا.. لا رغبة لي في لقائهم الليلة.
الحاجب : أمر مولاي.. (ينحني)..
الوالي : (يتمعن بالمهرج ثم يصرخ).. مهرج زفت.. قطران.
المهرج : (يثب نحو الوالي).. أمر مولاي وقرة عيني.
الوالي : اسمع: لست مرتاحاً لتلك الجملة اللعينة التي نطق بها لسان صديقك.
المهرج : (بخبث وشيطنة).. تقصد الدب يا مولاي؟
الوالي : ..لا؟! بل صاحبك الذي هرب.
(ينظر إلى التمثال بسرعة.. يبادله التمثال النظر بملامح فزعة.. يحاكي نفسه بخوف وبكلام غير مفهوم.. المهرج يحاول الانسحاب.. ينتبه إليه الوالي)..
إلى أين أنت ذاهب يا مهرج؟
المهرج : (في حرج..) أنا؟!.. بين يديك يا مولاي.. (يهمس إلى ميمون).. افعل شيئاً يا ميمون.. الوالي يبدو معكر المزاج.. عصبياً.
ميمون : في الحال يا صديقي.
(يصفق بيديه ويشير باتجاه باب القاعة، فتدخل مجموعة من الجواري والصبيان.. الجواري يرقصن والصبيان يحملون الصواني وعليها ما لذ وطاب من طعام وشراب، وخلفهم تدخل جوقة الغناء والعزف ويبدأ الحفل.. وخلال الغناء تدخل زوجة الوالي خاتون وملامح الغضب بادية عليها..
اللازمة
يا مبدع الأقمار
بالحسن والأنوار.. (3)
إلى متى أعذار
قلبي اشتعل بالنار
عطفاً على حالي
ارع جوار الجار
- محاورة غنائية.. يتقدم كل مغن على حدة إلى أمام الوالي وزوجته.. وهكذا:
الأول
هجرني حبيبي
ولا ذنب لي
وزاد بي لهيبي
ولا رق لي
الثاني
ناديت يا طبيبي
بالله رق لي
جس الطبيب نبضي
ولم يرق لي
الثالث
غزالي هجر
ومني نفر
وخلف لعيني
البكا والسهر
الوالي : (بلهفة مصطنعة لزوجته) الريم عندنا؟!.. يا مرحبا.. يا مرحبا..
خاتون : (في دلع مصطنع).. ابن عمنا وبعلنا تعود هجرنا إلى سماره وندمائه، وتركنا وحدنا مع الشياطين.. لا يسأل عنا إلا إذا أراد منا.. منّة أو شفقة..
الوالي : الوصيفات والجواري كلهن حولك.. يا ملاكي.
خاتون : (ساخرة تشير للحضور).. بل هن حولك.. ما شاء الله..
الوالي : (بشغف كاذاب).. خاتون.. يا قرة عيني، وحشاشة كبدي، و..
خاتون : (مقاطعة وبحدة) الأميرة خاتون يا والي.. لا تنس من أكون؟! (تسخر) لا تأكل عقلي بكلامك المعسول يا صاحب الأكباد، والعيون (تردد جملته).. خاتون يا قرة عيني، ويا حشاشة كبدي..
(تتجه نحوه وتدور حوله.. نلاحظ ملامح الوالي وقد أخذت تتبدل).
منذ شهر، وأنت لم تدخل المخدع، أو تبعث إلي من يخبرني عن أمورك، وأحوالك.. منذ ختانك، وأنت تتهرب مني ولا تريد رؤية وجهي..
الوالي :أنا أتهرب من ملاكي، ومن أميرة الحسب والنسب ابنة خال السلطان الأعظم..!
(ينحني.. ثم يتابع حديثه باعتداد مصطنع)
إنه العمل..!.. المسؤولية.. أمور الرعية ومشاكلها، يا أميرة الولاية
خاتون : (تزيد في السخرية).. أمور الرعية أم أمور الـ.. (تشير نحو الحاشية)..
الوالي : (متابعاً) وهذا من صلب العمل أيضاً.. بروتوكول لا يجوز الاستغناء عنه، وإلا؟!
خاتون : (مقاطعة تسخر).. وإلا سخر منك ولاة الجوار أليس كذلك يا مولاي..
الوالي : (بمتعة ودهشة يقاطع).. عظيم!!.. رائع!!..
البروتوكول جزء لا يتجزأ من نظام عمل الولاية، وهو الصورة التي تعكس الحالة الحضارية للتطور والازدهار للبلد الذي تنمو فيه.. (يأخذ وضعية اتزان واعتداد)
اسمعوا إن حاجتنا لهذا البروتوكول حاجة ماسة، كحاجتنا للطعام والشراب، والدواء والنوم. كثيرة هي الولايات التي لم تنهض أو تتطور (مطاطئ الرأس بحزن مصطنع) لأنها لم تطور بروتوكولا.. تها.. ها.. (تصفق الحاشية بانبهار، واندهاش)..
خاتون يا قرة عيني وحشاشة كبدي.. على هون.. أخاف عليك شر
خاتون : (تقاطعه ساخرة).. شر البروتوكول
الوالي : لا.. شر الحاسدين إذا حسدوا..
خاتون : من هم؟
الوالي : أولاد الحرام.. أبناء عمومتنا.. ولاة البلدان المجاورة.. أصحاب البروتوكولات المتخلفة كم حاولوا تقليدنا، وفشلوا وعزلوا، وهذا سر نجاحنا، وعدم عزلنا عن منصبنا (بإطراء).. هذا يعود للبروتوكول، ولك.
خاتون : لي؟!
الوالي : نعم.. بفضل رعايتك للبروتوكول وتوجيهاتك يا بنت خال السلطان
خاتون : (بانبهار) داهية.!.. (لنفسها بصوت مسموع).. يومان أسودان مرا في حياتي
الوالي : (يلتقط الكلام مقاطعاً ومتابعاً).. الأول يا أميرتي؟
خاتون : (بغيظ شديد).. زواجي منك
الوالي : (يقاطعها بخبث) وي. وي.. لا.. معقول!!.. والثاني يا قرة عيني؟
خاتون : يوم أمرتُ بختانِكَ على أمل أن أحظى بولدٍ يُنسيني همومي معك
الوالي : وي. وي؟.. والله صحيح؟!.. الحق معك (يرفع صوته باعتداد الواثق)..
قريباً سيكون لك.. أعدك بشرفي.. توأم.. اثنان.. دفعة واحدة..
خاتون : (تضحك ساخرة).. دفعة واحدة اثنان..؟!.. معقول؟!..
الوالي : أنت مؤمنة بقدرة الله.. أليس كذلك يا أميرتي؟
خاتون : (ضاحكة).. بلى
الوالي : إذاً.. الله قادر على كل شيء.. يحيي العظام وهي رميم
خاتون : ولكن.. أنت الذي قررت وأقسمت، وليس الله..؟
الوالي : قررت وأقسمت على ماذا؟!..
خاتون : (تكرر جملته).. أعدك بشرفي.. توأمان دفعة واحدة..
الوالي : وهو كذلك.. (يغير مجرى الحديث.. بإعجاب زائد)
أخي طهماز قرر الختان أيضاً.. (يضحك)
خاتون : للمرة الثانية.. عظيم!!.. سلالة ترفع الرأس
الوالي : هل تصدقين أن مربية حضرتنا نسيت أن تتأكد من ختانه مرة ثانية..
خاتون : (ساخرة) معقول؟!.. تتأكد كيف؟.. لم أفهم؟!..
الوالي : (في حيرة يشير بحركة تفسيرية لمعنى التأكد المقصود) تتأكد يعني تتأكد.. مثل كل العامة عندما تتأكد من..؟!
خاتون : وأنت..؟
الوالي : (بفزع).. أنا..!
خاتون : (ساخرة).. هل تأكدت؟
الوالي : (متابعاً) نعم.. وقررت أن أفعلها وفعلتها.. (كمن يبكي)..
أربعون سنة مضت (يجفف دمعه بمنديل طويل) لو فعلتها من زمان.. لكنت أنجبت أربعون سنة مضت (يجفف دمعه بمنديل طويل) لو فعلتها من زمان.. لكنت أنجبت
خاتون : أنت تنجب؟!
الوالي : لا.. أنت
خاتون : (ساخرة) لم أفهم..
الوالي : (يهمس لها.. يضحكان) أعدك سيكون لك عشرة.. الصحة والحمد لله.. بم..
إظلام
المشهد الثاني
البلاد والعباد في أحسن حال؟..
المكان : سراي الحكومة.. قاعة الوالي..
مكتب الوالي : عبارة عن قاعة مؤثثة بترف وثمة طاولة من الزان المرصع بالصدف، والكراسي محفورة ومزخرفة (أرابسك)، وبعض الصور المعلقة تمثل الولاة أو الأسر التي حكمت البلاد وبينها صورة السلطان الأعظم وعائلته.. التمثال /المنيكان/.. في وضعية جديدة.
المنظر : الوالي وقد بدا عصبياً، إلى جانبه وقف ميمون يقدم له الشراب تارة وأخرى يرتب له هندامه أو يزيل له بقايا الشعر عن شحمتي أذنيه وحواجبه
الوالي : (بألم يصرخ) أخ.. كم مرة قلت لك انتبه، وأنت تقوم بقلع شعر أذني
(يمسك بيدي ميمون ويقلبها بقرف)..
ادهن يديك بدهن الزنجبيل والليمون لكي تصبحا أكثر طراوة وأكثر نعومة..
ميمون : أمرك مطاع يا مولاي
(يدخل الحاجب)
الحاجب : النساخ في الباب يا مولاي
الوالي : (يدفع عنه ميمون).. أخ.. بهدوء يا حمار.. (للحاجب) أدخل النساخ في الحال
(بعد لحظات يدخل النساخ حاملاً صينية نحاسية وعليها مجموعة من التقارير والخطابات مختلفة الحجم يضعها أمام الوالي على الطاولة)..
النساخ : البريد الصباحي يا مولاي
الوالي : بلا مقدمات.. ابدأ بقراءة التقارير
النساخ : أمرك يا مولاي.. (بصوت مرتفع نسبياً).. تقرير معالي وزير الولاية، وفيه يشرح بدراية وعناية الحالة الاقتصادية للولاية.. في هذا الشهر كالعادة ومثل كل شهر..
والينا الكريم يا سدة المجد العظيم.. أحوال البلاد وصحة العباد في أحسن حال..
حماها الله من أعين الحساد.. الزراعة في أحسن حال والصناعة والتجارة.. عال العال.. (يتوقف ليأخذ نفساً).. والحاشية والأعيان في أحسن حال..
الوالي : (مقاطعاً) كفى أعرف بقية الديباجة.. التوقيع وزيركم المطيع.. أليس كذلك؟
النساخ : (يهز رأسه).. نعم يا مولاي.
الوالي : أشتهي مرة واحدة، أن يقول وزيري الحقيقة.. تصوروا.. الجفاف يعم البلاد منذ سنوات ويقول عن الزراعة هي في أحسن حال؟!.. اقرأ التقرير الذي يليه يا نساخ
النساخ :تقرير صاحب الشرطة (والسر خفية)(1).. عن الحالة الأمنية بالخفية.. (يقرأ بصوت خفيض والوالي يهز رأسه، والذي يند إلى أسماعنا كلمة عال العال)
الوالي : (بالعامية وبهمس حذر)..(*) أخو حفيانة.. كل البلاد آمنة؟!.. الطرقات.. الشوارع.. الأزقة.. الأسواق والحوانيت والبيوت.. (لنفسه ساخراً).. عال العال
(ميمون يشارك النساخ القراءة عن ظهر قلب)
ميمون+النساخ : (بصوت واحد)..
بجهد ودأب ونشاط.. نظفنا الولاية من أصحاب السوابق وأهل النفاق والشقاق.. البصاصون في كل مكان يراقبون الداخل والخارج.
الوالي : (متابعاً بسخرية).. والسراي وقصر الوالي.. وحرملك وسلملك الوالي، وجيوب الوالي وضيوف الوالي.. هذه حال الدنيا.. تابع يا نساخ بقية التقرير بانشراح..
النساخ : هناك شكوى في تقرير صاحب الشرطة..
الوالي : (بنزق).. أعرفها.. عن الشوارع والمتاريس والحواجز..
النساخ : لا يا مولاي
الوالي : إذن عن السجون.؟
النساخ : (يقاطعه).. تقريباً يا مولاي
الوالي : (يفكر قليلاً).. أيها النساخ
أصدر أمرنا إلى صاحب الشرطة واعلمه أننا ندرس استيعاب السجون أليست هي شكواه يا نساخ؟
النساخ : (بدهشة).. بلى يا مولاي..
الوالي : (بدهاء واعتداد).. ألم أقل لكم (أخو حفيانه).. التقرير الذي يليه يا نساخ
النساخ : تقرير قاضي الولاية، وفيه وصف عن أحوال العدل والعباد بدراية..
الوالي : سبحان الله.. هذا الرجل معقد بالفطرة.. أعرف حديثه عن الرشاوى والفساد الذي دب في أوصال العباد.
النساخ : (متابعاً بهمس غير مفهوم ثم ينهي القراءة بصوت مسموع).. التوقيع خادمكم المطيع.. قاضي البلاد العتيق..
الوالي : والآن يا نساخ بعد أن اطمئن قلبي على أحوال العباد.. ابدأ بقراءة الخطابات أريد سماع الأخبار السارة، وأرجو أن تكون هذه المرة.. حلوة وليست مُرّة
النساخ : خطاب خاص من سلطان البلاد.. وإلى والي الولاية..
(ينظرون إلى التمثال وينحنون)
الكل : (بصوت واحد).. حفظه الله ورعاه..
الوالي : تابع يا نساخ ما جاء في الخطاب.. أنا بشوق لسماع خطاب السلطان
(ينحنون)
الكل : (بصوت واحد).. حفظه الله ورعاه..
النساخ : (يتابع).. إلى والي الولاية.. يشكركم السلطان بخصوص الهدايا والعطايا، ويعلمكم بقبولها بمحبة ودراية شريطة الزيادة.. (ينحنون)..
الكل : (بصوت واحد).. حفظه الله ورعاه..
الوالي : (وهو يرفع رأسه ويهزه وقد نسي نفسه)..
وي.. وي. يا لطيف؟!.. بالوعة.. يلعن الفاطس من أهله
(حالة من الارتباك تبدو على النساخ.. ينتبه إليه الوالي.. تتغير حالة التمثال)
هل سمعت يا نساخ ما قلته عن سلطان البلاد من محبة وطيب الكلام..؟
النساخ : (بخوف) لم أسمع شيئاً يا مولاي!!
الوالي : (بالعامية).. عفارم.. تابع
النساخ : خطاب خاص من صديقكم الوالي المخلوع عن ولايته قبل سنة وأسبوع.. يشكر فيه حسن استقبالكم وضيافتكم له، ولزوجته شهبا الشموع.
الوالي : (يخطف منه الخطاب) بروتوكوله كان متخلفاً فعزل بسرعة.. على كل حال الناس للناس يا نساخ (لنفسه).. من يدري قد يكون الدور القادم علينا.. تابع يا نساخ
النساخ : لم يبق في الصينية إلا هذا الخطاب
الوالي : الأخير..
النساخ : (على مضض مطأطئ الرأس).. إنه يا مولاي
الوالي : (يقاطع النساخ).. إنه الخطاب الذي يخص الرعية.. أليس كذلك؟
النساخ : نعم يا مولاي..
الوالي : (برقة وعذوبة).. يا نساخ.. يا نساخ.. لماذا تستكثر علي خطاب الرعية.. ماذا فعلت لك الرعية حتى تتجاهل خطابها؟.. هو خطاب واحد.. واحد يا نساخ ألا تخاف الله يا نساخ؟!.. الله واحد يا نساخ..
النساخ : (بخوف ودهشة) معاذ الله يا مولاي.. أنا العبد الفقير إلى الله أفعل ذلك..!!
الوالي : (يستمر بالمعاتبة) سامحك الله يا نساخ.. ماذا تقصد من وراء فعلتك هذه؟..
النساخ : (بذهول).. أنا يا مولاي!!.. استغفر الله
الوالي : أنت متآمر على الشعب
النساخ : (بتلعثم وارتجاف) أنا!!.. أنا متآمر يا مولاي؟!..
الوالي : نعم.. (برقة وحنين في الصوت).. هؤلاء الرعية المساكين.. أبناء شعبي الأمين أنا من أجلهم أصبحت والياً، ومن أجلهم أدفع حياتي وثروتي وممتلكاتي، ومن..
(يقاطعه ميمون ويتابع المزاودة)
ميمون : ومن أجلهم أنا مستعد أن أقاتل الشيطان.. إنهم رعيتي.. ورئتاي اللتان أتنفس بهما
الوالي : (بالعامية وباعتداد).. شفت يا منظوم.. (يشير إلى ميمون) هذا عينة من أبناء شعبي
(تصفيق حاد من ميمون يشاركه النساخ على مضض.. وبخطابية الوالي يتابع)
لولاهم أكون أو لا أكون؟. من أنا أصلاً..؟. مجرد وال.. أي نعم وال.! هل يعقل أن أكون والياً بلا رعية؟!..
(للنساخ).. أنت عديم الأصل يا نساخ.. عديم الأصل..
النساخ : (بغرابة).. كل مرة أحاول فيها قراءة خطاب الرعية ترفض سماعه يا مولاي..!!
الوالي : صحيح.. ولكن للضرورة أحكام.. (يرتبك قليلاً).. هذه المرة أصبت.. أتعرف لماذا كنت أرفض الاستماع إليها؟
النساخ : للضرورة أحكام يا مولاي..
الوالي : لا..
النساخ : (بدهشة) لا..؟! أنت قلت ذلك؟!
الوالي : وهل صدقت ذلك؟
النساخ : (بذهول.. لا يعرف ماذا يجيب)..
الوالي : أجب على سؤالي يا نساخ.
النساخ : (في حيرة).. لا أعرف الجواب
ميمون : (متدخلاً).. مولاي أعطني فرصة أساعد فيها النساخ على فهم الحقيقة
الوالي : (يسأل بهمس) عن أية حقيقة تتحدث؟..
ميمون : التي من أجلها كنت ترفض قراءة خطابات الرعية
الوالي : (بارتياح.. وجد من ينقذه من هذه الورطة) بكل سرور يا ميمون.. اسمع يا نساخ لميمون فلديه الجواب الذي يشغل بالك (يهمس لميمون) انتبه لكلامك.. وإلا
ميمون : (يهز رأسه وبنبرة خطابية يسترسل) كان مولاي دائماً يقول: يا ميمون.. لن أقرأ خطابات الرعية حتى أحقق لها ما ترغب وتتمنى.. كيف أقرأ خطاباتها وأنا لم.. (بحزن كاذب) لم أحقق لها إلا القليل من طموحاتها.. لدينا الكثير لنعمل لها.. لم لا نحول الخطابات إلى مشاريع عمل يا ميمون؟.. لم لم نحول الأحلام إلى يقظة.. الساكن إلى متحرك..
الوالي : (مدهوشاً ينظر للتمثال بحذر.. يهمس لميمون) الساكن إلى متحرك.. يا ميمون؟!
ثم أنا قلت كل هذا يا ميمون يا ابن آل..!! من يصدق ذلك؟!
ميمون : (النساخ).. ألا تصدق هذا يا نساخ؟
النساخ : نعم.. ولم لا أصدق..!!
ميمون : (بالعامية).. شفت يا مولاي.. حتى النساخ صدق..
-(.. ميمون يتابع الاسترسال الكاذب..)
تا لله تضحية ما بعدها تضحية.. مولانا يكره الخطابات.. يقدس العمل.. يحب الصعود ويخاف السقوط.. مولانا (يقاطعه)..
الوالي : كفا يا ميمون.. هذا واجبي حيال شعبي، ومن العيب التحدث عن الواجب، ولا تنسى عطوفة السلطان.. (ينحنون)
ميمون : (يتزلف) أصلاً لولا السلطان الذي وجد فيك الوالي الصالح لما ولاك
(يلتفت نحو النساخ) يا سلام.. الدنيا بخير يا نساخ..
الوالي : هل فهمت يا نساخ السبب (بانشراح) هيا.. هيا يا نساخ اقرأ علينا خطاب العامة
النساخ : (يقرأ بدهشة) والينا الكريم.. يا باني مجد الولاية العظيم.. شعبك الذي يهنأ بك ويشمخ بك عزة وكرامة.. (يقاطعه الوالي)..
الوالي : (بانشراح).. اسمع يا ميمون: إن بعض الظن إثم..
النساخ : (متابعاً).. مولانا الوالي.. نحن على يقين من أن ما يخبرك به الزبانية وأصحاب النفوذ في الحاكمية.. هو عارٍ عن الصحة.. انزل يا مولاي إلى الحارات والساحات والأزقة.. لتعلم حقيقة ما يعانيه الناس.. من فقر وجوع وقهر وإذلال.. انزل لترى الناس ينبشون حاويات الزبالة.. ويبيعون أجسادهم على الرصيف.. إنه الرغيف ومن أجله.. ضاع الضمير. تلوث الهواء بالفساد.. بالرشاوي.. أصبح الحق باطلاً والباطل...
الوالي : (مقاطعاً بحدة) كفى يا نساخ بدأ هذا الخطاب يثير أعصابي.. كم مرة قلت لك لا تقرأ في حضوري وعلى مسمعي خطابات العامة.. (يدير ظهره بانزعاج)
النساخ : (بين الدهشة والخوف).. مولاي؟!
الوالي : (وظهره للنساخ).. على الخازوق يا نساخ
النساخ (برعب) لماذا..؟!
ميمون : (متدخلاً وبصوت خافض).. هيا.. هيا يا نساخ.. اخرج في الحال لقد عكرت مزاج الوالي..
النساخ : (بذهول وهمس).. لكنه الخازوق؟!
ميمون : قلت لك اذهب في الحال قبل فوات الأوان.. وادع الله أن يمد بعمر مولانا حامي حمانا وأن يجعل لك مخرجاً من شر الخازوق.
(النساخ في حالة لا يحسد عليها.. يخرج بسرعة وارتباك وهو غير مصدق يجمع أوراقه في الصينية، ويتأبط بخيط شرواله الذي انحل زناره..)..
الوالي : (وظهره لميمون).. هل غادر النساخ القاعة يا ميمون؟
ميمون : نعم.. لقد خرج يا مولاي
الوالي : (يستدير).. وحالته
ميمون : في أصعب حال.. اصفر وجهه.. وبدأ جسده يرتجف وشعره ينتفش ويداه تنكمش ولسانه ينعقد.. خرج يحمل شرواله الذي انحل زناره..
الوالي : من شدة الخوف..؟
ميمون : بل من شدة الصدمة
الوالي : الصدمة؟!.. تقصد الخازوق يا ميمون؟
ميمون : لا..
الوالي : إذن؟
ميمون : الحقيقة..
الوالي : حقيقة ماذا؟
ميمون : حقيقة العباد والبلاد، وما آل إليها في عهدكم من فساد
الوالي : (بغضب).. ماذا تقول عن عهدي الميمون.؟!.. يا ميمون الوالدين؟
ميمون : (بشيطنة).. أقصد الخير والتسامح والوداد.. يا والي العباد
الوالي : (بغباء مقصود).. إلى هذا الحد الحقيقة تفعل فعلها بشراويل الناس
ميمون : بل وأكثر يا مولاي
الوالي : لم أفهم؟
ميمون : تعريهم حتى العظام
الوالي : (بفزع) يا لطيف.. بت أخاف يا ميمون؟!
ميمون : تخاف مم..؟! ثم إن الولاة لا يلبسون شراويل العامة.. فعلى ماذا تخاف يا مولاي؟
الوالي : (يتماسك) صحيح..! على ماذا أخاف؟!.. فأنا ألبس شروالي الخاص بالولاية الذي منحني إياه السلطان يوم ولاني (يضحكان.. تتغير حالة التمثال فيبدو مسروراً).
إظلام
(1).. للشاعر محمد أبو الشاذلي-من أشعاره الصوفية- راجع قول على قول ص 85 للمؤلف حسن سعيد الكرمي..
(2).. (السر خفية).. تعبير تركي الأصل، ويعني.. رجال الأمن السرية (المخابرات).
(*).. ابن زنوة: شتيمة (مسبة).. المعنى المراد به: ابن الزانية..
(*).. أخو حفيانه: لقب يستخدم لدى العامة في بلاد الشام.. يطلق على الرجل سلباً أم إيجاباً.. كأن نقول: رجل داهية.. أخو حفيانة.. أو نقول: رجل زنديق أخو حفيانة.. ويمكن أن يطلق على المرأة كذلك.. بنت حفيانة
ــــــ
المشهد الثالث:
لماذا كل فصول السنة فصل واحد جاف..؟!
المكان : السراي.. قاعة الوالي..
(الوالي وبقربه ميمون.. يدخل الوزير القاعة مسرعاً..)
الوزير : (بتنهد وتعب).. السلام على والي البلاد.. (ينحني)..
الوالي : لك السلام..
الوزير : مولاي هناك.. (يقطع الحوار الدخول الفجائي للقاضي وعلى عجل أيضاً)..
القاضي : لك الطاعة يا مولاي.. (ينحني)..
الوالي : أراكما على غير عادة تدخلان السراي معاً؟!..
الوزير+القاضي: (بصوت واحد).. هذا صحيح..
(يدخل صاحب الشرطة مسرعاً.. وحالة من التوتر بادية عليه)
الوالي : بالأمس لم أستطع استقبالكم في القاعة الخاصة رغم الطبل والزمر الذي وصل إليكم وأنتم تسترقون السمع إليه كالعادة.. لقد ألمت بي على حين فجأة وعكة نفسية.. أو لنقل إنني لم أكن متحمساً لاستقبالكم.. (يلتفت إليهم).. أريد سماعكم بصوت منفرد..
(يشير لصاحب الشرطة)..
ص.ش : مولاي! مصيبة يا مولاي!!..
(يلتفت إليه الوالي بانفعال.. ينحني له مقدم الشرطة)..
الوالي : فأل الخير ولا فألك.. لا تأتينا إلا بالأخبار السيئة.. هات ما عندك وبسرعة
ص.ش : مصيبة حلت يا مولاي..!
الوالي : (في ضيق وفزع).. مصيبة!!
ص.ش : التمثال
الوالي : ما به؟!..
ص.ش : سرقوه
الوالي : (يصرخ).. سرقوه!!.. مصيبة لو سمع السلطان بهذا العدوان؟!.. سيقلبها على رؤوسنا جميعاً.. (للجميع) ولن يسلم أحدكم.. لا الوزير ولا القاضي ولا حتى أنت يا صاحب الشرطة.. (يتقدم من صاحب الشرطة بغضب).. هل تمكنتم من السارقين؟
ص.ش : لا.. بل هربوا
الوالي : (يهز رأسه بدهشة).. هربوا؟! لا حول ولا قوة إلا بالله.. كم كان عدد السارقين؟
ص.ش : أجمع الحرس على أنهم واحد فقط
الوالي : ولكنك قلت سرقوه، وهذه المفردة دالة على الجمع لا على المفرد
ص.ش : نعم يا سيدي
القاضي : (متابعاً بحذر) يجوز الوجهان.. وهذه المفردة جاءت في هذا الموقع لتدل على التفخيم ومن العيب القول إنّ السلطان سرقه أحدهم.. وهذا تقليل من مكانة مولانا السلطان المعظم..
الوالي : ولكن؟!.. كيف استطاع حمله والهروب به؟.. إنه السلطان؟!..
الوزير : أعتقد والله علم.. (بهمس)؟!.. الله القادر على كل شيء
الوالي : معقول؟!.. لا!.. لماذا لا..؟! الله قادر على كل شيء.. يحيي العظام وهي رميم؟!
(وقد اقتنع.. ينقل الموضوع لصاحب الشرطة) المجرم.. هل تمكنتم منه؟..
ص.ش : (بارتباك).. هرب ولم نتمكن منه
الوالي : (بغضب) أوغاد.. كيف استطاع الوصول إليه؟ والحرس أين كانوا؟
هل حققت معهم؟..
ص.ش : (متابعاً) وأشبعتهم ضرباً، وجميعهم في السجن..
الوالي : والمجرم.. هل تعرفتم على شكله؟.. ملامحه؟.. ماذا كان يرتدي؟
طويل.. قصير.. بدين.. ضعيف..؟!
(صاحب الشرطة مرتبك لا يعرف الإجابة)..
ص.ش : (بعد لحظة سكون).. تسلل المجرم ليلاً وفعل فعلته
الوالي : كيف عرفت هذا؟
ص.ش : نتيجة التحقيق مع الحراس
الوالي : وملامحه؟
ص.ش : غير معروفة.. كان مقنع الوجه
الوالي : مقنع؟!..
ص.ش : نعم يا مولاي
الوالي : والعمل يا صاحب الشرطة؟
ص.ش : القبض على المجرم المحتال.. في الحال.
الوالي : (يكتشف وجود زوجته).. خاتون.. زوجتي تعالي.. (يقترب منها ويأخذ بيدها) لا داعي للاختباء والتنصت علينا..
خاتون : مرحباً يا سادة.. (للوالي بانفعال) كنت مارة قرب السراي وفجأة انحل رباط الشروال الداخلي فاضطررت للدخول لرفعه.
(الوزير والقاضي يديران وجهيهما حياء)..
الوالي : (لميمون) ما حكاية الشراويل اليوم؟ خاتون والشروال.. النساخ والشروال.. وبخاصة عندما يجري الحديث عن شيء هام؟ ما الحكاية يا ميمون؟
(ميمون يهز رأسه باندهاش)
خاتون : (للوالي معاتبة).. إذا أنت تتهمني بأنني كنت أتنصت على حديثكم!!
الوالي : بل أشكر لك اهتمامك.. هل سمعت ما حدث لـ.. (تقاطعه بإعجاب مقصود)..
خاتون : وي.. وي.. شيء رائع!!. فظيع!!. وأعتقد أن الذي أقدم على فعل ذلك مغامر حتى درجة الموت.. لقد فعل هذا حتماً من أجل امرأة يحبها؟.. ويفكر في أن ينجب منها طفلاً.. أطفالاً.. (الجميع يتبادلون النظرات الحذرة والخوف)
الوالي : إنه السلطان، وأنت ابنة خاله؟! أولى بك الانفعال والانزعاج، وحتى الصراخ
خاتون : ولم أزعج نفسي؟.. السبب معروف.. رجل أحب امرأة حتى العظم فأراد مكافأتها
الوالي : (بفزع مفتعل) ماذا..؟!.. إلا ما تلمحين يا حرمنا المصون؟!..
خاتون : (بهدوء).. إلى المقنع العاشق..
الوالي : (بدهشة).. كيف عرفت أنه المقنع، وأنه عاشق؟!..
خاتون : تواً ومن لسان الشرطة.. أما أنه عاشق.. فبتقديري إن الذي يقدم على فعل ذلك إما أن يكون مجنوناً في الأصل أو فقد عقله لسبب ما..
الوالي : وي.. وي...؟!.. سمعت يا صاحب الشرطة؟!..
ص.ش : (بدهشة وانفعال) بدعة مبالغ فيها!!
الوزير : بل عمل متهور.. يقصد منه إزعاج والينا والسلطة
القاضي : إنه اعتداء.. يقوده مقنع خبيث
الوالي : هذا صحيح!!..
خاتون : هذه أوهام.. (بدلال مقصود).. وأنا متأكدة من أنه فعل هذا بسبب حبه لامرأة فاتنة
ص.ش : لا أظن.. بل هناك سبب أكبر بكثير من هذا السبب؟!.
خاتون : (بانفعال).. بل أصر على أن هناك حباً عنيفاً أوصل هذا الإنسان إلى درجة اليأس وأنا شخصياً أحسد هذه المرأة
الوالي : (بدهشة وانفعال).. على ماذا تحسدينها؟!.. على قناعه؟.. أعتقد أنه مشوه الوجه
خاتون : على العكس.. أعتقد أنه وسيم
الوالي : (بغيرة) بل أصر على أنه مشوه الوجه
خاتون : وأنا على يقين من أنه وسيم
الوالي : (بدهشة كالملسوع).. وسيم؟!.. يا إلهي!!.. (يجف ريقه)
خاتون : (تثيره).. أنت مثلاً.. لم تفعل شيئاً من أجل حبنا الطاهر الشريف
الوالي : فعلت الذي لم أفعله منذ أربعين عاماً.. ألا يكفي؟!..
خاتون : (بدلع، وبغنج تقترب منه وتمسح لحيته.. يذوب خجلاً).. لا. أنت تستطيع فعل الكثير من أجل حبنا العفيف.. النظيف.. الطاهر.. الشريف.. تبني.. تحرق.. تحطم.. تقصف.. مثلا.
الوالي : (باندهاش) أحطم.. أقصف؟! يا لطيف!!.. أقصف ماذا؟!.. ؟ (يتماسك بخبث).. أهدم الدنيا لأجل خاطرك.. أشيري فقط، وأفعل لك المستحيل..
(بعطف مقصود).. لو تقولين لي كيف عرفت أنه وسيم..؟!
خاتون : (متجاهلة).. عن ماذا تتحدث؟
الوالي : عن المقنع!
خاتون : (بدلع) يا وحش.. تغار علي.. (تتأبط ذراعه بدلال، وتهمس له بصوت مسموع) لنذهب يا عزيزي فقد ساورت أصحابك الأوهام، والشكوك..
(يسيران باتجاه الباب، ونظرات الحضور تودعهم باندهاش..)
الوالي : (قبل أن يخرج يلتفت إليهم قائلاً: اسمعوا.. إنكم عبثاً تطرحون هذه الأوهام.. لقد اتضح لي أن خاتون أكثر فهماً منكم للأمور.. (يلتفت إليها بغزل) أنت على حق يا زوجي الجميلة.. كل ما تفترضينه صحيح.. قد يكون ما حدث بسبب امرأة سلبت عقل هذا الإنسان (للوزير والقاضي).. في الغد نلتقي إن شاء الله.. (بجحوظ لصاحب الشرطة).. وأنت يا صاحب الشرطة
ص.ش : (ينحني).. أمر مولاي
الوالي : أريد المجرم.. حياً وإلا على الخازوق وضعتك بدلاً عنه../يخرجون/
الفصل الثاني
المشهد الأول
إن من ينقذ خروفاً من فم ذئب يراه الذئب طاغية بينما يراه الخروف فارساً
المكان : القاعة الخاصة في قصر الوالي
المنظر : عند باب القاعة يقف ميمون بلهفة ينتظر الوالي.. /التمثال أدار ظهره للجميع/.. من الداخل، وعلى جانبي الباب اصطفت باستعداد الفرقة الغنائية والرياضية لتأدية برنامجها المعتاد من غناء ورقص وألعاب سيرك.. مجموعة من الجواري يتوزعن حول أريكة الوالي.. يتصاعد دخان البخور وتفوح العطور في القاعة –يدخل الوالي ويهرع ميمون إليه ويمسك بقمبازه من الخلف ويرفعه قليلاً ويسير خلفه في الوقت الذي فيه يبدأ الغناء والرقص..
مجموعة (1)..
أشرقت شمس التهاني
من سنا أسمى مقام( )
وزها بدر التداني
نوره يجلو الظلام
مجموعة (2)..
وصفت أوقات سعد
وبدا خير الأنام
وشدا الطير وغنى
بصفاء وسلام
-يدخل المهرج وهو يقفز في الهواء ويردد كلاماً معسولاً:
لمثل خصالك يحلو المديح، وتستقطر الأرض همس السحر، وأنت المدام وريح الخزامى وعطر التراب، وسحر المطر.. الله أكبر.. الله (يتوقف فجأة عن متابعة الكلام)
-تكتنف الوالي حالة من الاكتئاب والانزعاج.. ي شير للجميع بالتوقف والخروج..
ميمون : (يأمرهم بالخروج).. هيا.. احملوا أغراضكم وانصرفوا..
(المهرج مطأطئ الرأس.. يسير مع الجماعة باتجاه الخروج)
الوالي : إلى أين أيها المهرج؟..
المهرج : (واقفاً.. ثم ينحني).. أمرتنا بالخروج يا مولاي
الوالي : إلا أنت..
المهرج : أنا بين يديك سمعاً وطاعة يا مولاي
الوالي : (بابتسامة صفراوية) هكذا إذاً.. بدأت تتحين الفرص للذهاب.. (ينهض الوالي) قل يا مهرج.. لم لم تكن موجوداً داخل هذه القاعة لاستقبالنا والترحيب بنا كعادتك مثل كل المغنين والراقصين؟..
المهرج : (في حيرة يحاول التماسك).. شيء من البرد والحرارة أوهنا جسدي
الوالي : (مقاطعاً بدهشة) منعاك من الحضور.. معقول!!.. ومع ذلك كنت أكثر الراقصين والمغنين حركة ونشاطاً.. ما شاء الله.. مثل خنزير بري
المهرج : من أجلك ومن أجل راحتك يا مولاي.. أنهض من الموت.. انظر
(يرقص بمتعة ويغني للوالي)
يا أبيض الخدين
حسنك شفا للعين
كفك نهر هدار
يطفي لهيب النار
سبحان من سواك
بالطيب قد غطاك
سبحان رب الكون
الوالي : (يرمي لـه كيساً من النقود).. عظيم ولد مهرج.. تستأهل..
(يصفق الوالي لـه ويشاركه ميمون التصفيق.. أثناء ذلك يدخل صاحب الشرطة على عجل وقد علت شفتيه ابتسامة حادة..)
ص.ش : (ينحني).. مساؤك سعيد يا مولاي
الوالي : ما وراءك يا صاحب الشرطة؟
ص.ش : خبر سار يا مولاي.
الوالي : وماهو هذا الخبر السار؟
ص.ش : منذ أكثر من ساعة ونحن نحاصر القصر
الوالي : (ينتفض) ماذا؟!!.. (لنفسه هامساً).. فعلها السلطان.. بالتأكيد يريد رأسي أو يريدني على الخا.. (يكلم صاحب الشرطة بهدوء حزين).. أنا جاهز لتنفيذ ما يأمر به مولاي السلطان حفظه الله.
ص.ش : (يبتسم باعتداد) لا يا مولاي.. لقد ذهبت بعيداً.. السلطان لا علاقة له بذلك
الوالي : إذن؟!.. هو انقلاب!!
ص.ش : لا يا مولاي!!
الوالي : (ينفجر).. إذن.. لماذا تحاصرون القصر؟!
ص.ش : المجرم دخل القصر واختبأ فيه
الوالي : (بذعر) ماذا؟!.. المجرم في القصر!! كيف دخل القصر؟!.. أين الحرس ورجال السر خفية.. أنت متأكد من ذلك يا صاحب الشرطة؟
ص.ش : نعم يا مولاي
الوالي : كيف؟!
ص.ش : (يشرح له باعتداد الواثق).. العيون في كل مكان..
(يدار التمثال، وقد بدا مغمض العينين.. الجميع ينحني)
الوالي : (مقاطعاً بغضب) كيف؟!
ص.ش : أحد العيون في القصر شاهد المقنع يتجول ليلاً في حديقة القصر، فلحق به
الوالي : (بذهول مقاطعاً) يتجول!..
ص.ش : نعم يا مولاي.. وهرب إلى داخل القصر
الوالي : (يسخر بهزء) هو الآن في القصر، وبين ظهرانينا.. يا سلام!! والقناع على رأسه.. أأنت متأكد يا صاحب الشرطة؟!
ص.ش : (مؤكداً).. نعم يا مولاي.. عيوننا صادقة الرؤية، ولا تكذب
(يدخل أحد الحراس)
حارس1 : (ينحني ويكلم صاحب الشرطة) سيدي: أحكمنا تطويق القصر، وأغلقنا جميع المنافذ والأبواب وحتى النوافذ، ومنعنا الدخول، والخروج منه بحيث يصعب على ذبابة صغيرة أن تمر إلا بأذن ممهور بختم الولاية..
(يدخل حارس ثان)
حارس2 : (ينحني) سيدي: قمنا بتفتيش كل العاملين وغرفهم في القصر، ولم نعثر على أثر واحد يقودنا إلى المجرم.
الوالي : (مطرقاً يفكر.. لنفسه بصوت مسموع).. هو بيننا إذاً؟..
ص.ش : (بغباء).. مولاي؟!.. ماذا تقول؟!
(يتلفت حوله.. يبادله الحراس نظرات الدهشة..) مولاي نحن جاهزون للقبض عليه (يمد يده إلى سيفه).. دلنا عليه يا مولاي!!
الوالي : لا.. ربما يكون الوزير أو لا يكون.. من يدري؟
ص.ش : لا أعتقد.. الوزير لا يقدم على فعل ذلك وهل هو مجنون؟
الوالي : فسر السبب؟
ص.ش : السبب بسيط.. أولاً لأنه عين السلطان عليك
الوالي : هذا معروف.. والثاني
ص.ش : عيني عليه
الوالي : وهذا معروف أيضاً، والثالث؟
ص.ش : الخازوق يا مولاي
الوالي : إذاً لم يبق في الميدان إلا القاضي حديدان فأنا أشك به؟.. ما رأيك؟
ص.ش : القاضي مستحيل؟!.. فهو عين السلطان علينا جميعاً
الوالي : وهذا معروف.. (يفكر ويتساءل).. ترى من لـه مصلحة في فعل ذلك؟.. أنت يا صاحب الشرطة..؟
ص.ش : (بفزع).. أنا!!.. مستحيل؟!..
الوالي : ولماذا لا تكون أنت فعلاً؟ على كل حال.. اذهب الآن وتابع البحث ولا تنس ما أمرتك به.. الخازوق بانتظار أحدكم.. هو أو أنت
-إظلام-
المشهد الثاني
الديمقراطية شيء ونتف الشوارب شيء آخر
المكان : سراي الحكومة – قاعة الوالي
المنظر : الوالي على كرسيه مطرق يفكر ممسكاً بريشة القلم يحركها بين أصابعه أو يحك رأسه من تحت قلنسوته، وإلى جانبه ميمون يرتب له هندامه أو يزيل له بقايا الشعر عن شحمة أذنيه أو حاجبيه.
-بعد فترة قصيرة.. يقطع السكون دخول الوزير والقاضي..
الوزير : (ينحني).. أسعدت صباحاً يا مولاي..
الوالي : (يرفع رأسه مبتسماً وساخراً).. صباحاً يا وزير! الوقت عصر يا وزير
الوزير : (مجاملاً) .. نور على نور يا مولاي. والصباح نور، وأنت صباح دائم يا مولاي
القاضي : (ينحني وفي حيرة).. صباحك ومساؤك سعيد يا مولاي!!
الوالي : (بدهشة).. أمركما عجيب!!.. المهم ماذا تحملان من أخبار عن المجرم الفار؟
الوزير+القاضي : (بصوت واحد) أمره مركون لصاحب الشرطة
الوالي : (بسخرية) وما هو أمركما..؟
الوزير+القاضي : (بصوت واحد).. المشكلة من جديد تفاقمت..
الوالي : (بفزع ينظر نحو التمثال .. التمثال غير موجود في القاعة.. يتنهد الوالي) الحمد لله..
الوالي : (يقاطعهم) أعرف هذا، ولكن أريد سماعكما بصوت منفرد.. ابدأً أنت يا وزير
الوزير : حدثت في المجلس مشكلة عويصة يا مولاي
الوالي : ما هي؟
القاضي : (مقاطعاً).. مشكلة الحمير يا مولاي
الوالي : (بانفعال) مرة أخرى؟.. الحمير.. الحمير.. ألم تجدوا لها الحل المناسب بعد؟
الوزير : حاولنا ولكن!.. ما حدث يا مولاي فاق العقل والتصور
الوالي : (يتنهد ويحدث نفسه).. مهما تسلق وارتفع سيأتي اليوم الذي فيه يقع.. جملة مرعبة يا لك من مهرج لعين..!
الوزير : (بدهشة يتلفت حوله) مولاي! المهرج ليس هنا.. من هو اللعين؟!
الوالي : (ينتفض، ويعود لاتزانه) لا أحد.. (للوزير) ماذا حدث داخل المجلس يا وزير؟
الوزير : مولاي.. ما كدت أنهي توزيع أرقام الحمير المستوردة مع ألوانها حتى نشبت معركة بين الأعضاء.. استخدمت فيها الأيدي والعصي والمقاعد وامتدت حتى وصلت إلى نتف الشوارب.
الوالي : (مقاطعاً باعتداد).. عظيم.. رائع..
القاضي : (كالملسوع) .. عظيم!!.. رائع!!.. على ماذا يا مولاي؟!
الوالي : على نتف الشوارب.
القاضي : (مذعوراً يتحسس شاربه) .. وصلت إلى نتف الشوارب؟!
الوالي : نحن، حتماً لا نقبل أن تصل المشكلة إلى هذه الدرجة، ولكن إن دل هذا على شيء فهو يدل على تبني روح الديمقراطية التي بدأت تأخذ طريقها إلى مجلس الأعيان.. ما رأيك أيها القاضي.؟
القاضي : (على مضض) يا مولاي.. الفوضى شيء والديمقراطية شيء آخر..
الوالي : هذا صحيح.. ولكن مجرد حدوث عراك.. يعني هذا مؤشراً .. أي وجود اختلاف بالرأي.. أي وجود صراع... أي صراع طبقي.. (يفكر ولا يعرف ماذا يقول).. أي البقاء للأقوى. (يلتفت نحو الوزير).. رغم أني لا أعرف السبب الذي أدى في النهاية إلى نتف الشوارب؟
الوزير : الحمير يا مولاي
الوالي : أعرف ذلك.. لكن أريد معرفة السبب الحقيقي الذي يفسر ما حدث؟
القاضي : (يتحسس شاربه).. السبب يا مولاي يعود إلى لجنة الشراء التي استوردت الحمير
الوالي : (في ضيق).. أريد تحليلاً
الوزير : أعتقد يا مولاي أن الألوان هي السبب
القاضي : أكرر يا مولاي... وأصر على أن اللجنة هي السبب (يتحسس شاربه)
الوالي : (يكرر). أريد تحليلاً.. أريد إجابة واضحة.. مفهوم!
(الوزير والقاضي يتبادلان الحديث بينهما بهمس ثم يبدأ الوزير الكلام)
الوزير : استوردت اللجنة.. بغالاً ثلاثة واثنين من العير، وفرسا شهباء وفيلاً للعائلة الحاكمة، وثلاثة أحصنة للوزير، والقاضي، وصاحب الشرطة..
الوالي : اتركنا من المقدمات وهات من النهايات، وتكلم عن الحمير الخاصة بالأعضاء.
الوزير : استوردت اللجنة عشرين حماراً أبيض، وعشرين حماراً مرقطاً ومثلها حمير سوداء محلية .. (القاضي مقاطعاً.. يخرج من جيبه آلة حاسبة ويحسب).
القاضي : 20 حماراً أبيض+ 20 حماراً مرقطاً+ 20 حماراً سودا.. فيكون المجموع يا مولاي .. 60: أي عدد الحمير يساوي عدد أعضاء المجلس.
(ينظر إليه الوالي بإعجاب وهو يتحسس شاربه)
الوالي : إذا أين هي المشكلة؟!
الوزير : باللون يا مولاي.. قمنا بتوزيع الحمير البيضاء على شهبندر التجار ورفاقه، وهي سلالة مستوردة قوية، وك
( كوميديا في ثلاثة فصول )
شخوص المسرحية:
الوالي :الحاكم
المهرج
ميمون : نديم الوالي وتابعه
خاتون : زوجة الوالي
الوزير
قاضي الولاية
صاحب الشرطة
الباب العالي : ممثل السلطان في حفل الوالي
شهبندر التجار
شيخ الكار
شيخ العشائر
بيطري القصر
حاجب الوالي
النسّاخ : كاتب الولاية
التمثال : يمثل حضور السلطان الغائب../ منيكان مصنوع من الشمع أو أي مادة.
حارس 1- حارس 2- صوت المنادي- جوقة- جواري- حاشية
المكان : ساحة القصر
المنظر : حفل بهيج يضم: أعوان الوالي.. شخصيات.. باشوات.. أعيان.. عسكر.. حاشية.. خدم.. جوقة غناء.. أبواق.. أعلام.. موسيقى.. نصب متحرك على عجلات /منيكان شمعي/ يمثل سلطان البلاد.. يمكن تحريكه إلى أي جهة، ودائماً يجب الوقوف أمامه باحترام من قبل الحاضرين، وعلى رأسهم الوالي، والحاشية.. الخ..
ملاحظة : طبيعة التمثال تتغير بتغير الحالة أو الموقف.. تارة ظهره للجميع، وتارة الوجه ضاحك، وأخرى منفعل، وأخرى يبكي.. الخ
- يدخل الوالي وهو يشد قمبازه إلى الأمام كما يفعل الطفل المختون حديثاً ويرافقه ضيفه الباب العالي.. يهرع أعوان الوالي لاستقبالهما.
ترافقهم جوقة الغناء، والرقص
/اللازمة/ المجموعة:
الليلة عيد
مولانا سعيد
بطهور جديد
أحلى عيد
مغنٍ أول:
الليلة نسهر
على شرف الوالي
طهماز وقاضينا
والباب العالي
مغنٍ ثان:
الكأس يغمر
بالمسك والعنبر
الدف يعلو
والنجر يفخر
واللعب يحلو
بحضور العسكر
المجموعة تكرر اللازمة:
الليلة عيد
مولانا سعيد
بطهور جديد
أحلى عيد
الباب العالي : (يهز رأسه بخبث) مبروك يا زيدون.. يا والي بلاد كفرون، إنها لمناسبة طيبة ونحن نلبي دعوتكم نيابة عن سلطان البلاد وحامي العباد /عبدون بن عبّاد/ خال حرمكم المصون الأميرة خاتون.. نزوركم في يوم ابتهاجكم في حفل ختانكم، وإكمال طهارتكم (يلتفت نحو خاتون).. يسأل عنك السلطان دائماً.. (يميل نحوها بهمس مسموع).. هل من أخبار أحملها له..؟
خاتون : (تهز رأسها بالنفي).. فقط بلغه محبتي، وإخلاصي له وقل له: أن عينه الساهرة بأمان، واطمئنان.. (تلتفت لزوجها بعينين مفتوحتين وتتابع حديثها المقصود) إذا أحست بالغبن وضعف الحنان.. تصرفت كعادتها أيام زمان.
الباب العالي : سأحمل هذا الكلام بمحبة ودفء لسلطان العباد ابن عبّاد..
(يلتفت للوالي وينفرد به).. ها.. نحن وحدنا الآن يا والي.
الوالي : ونحن جاهزون يا سدة الباب العالي.. التحصل دار طهماز.. جمع الهبات والضرائب، وما طالت يمينه في امتياز، ثم أودعها الصناديق التي وضعها على سنام العير وظهور الحمير، وحتى بغله لم يسلم من حمله.. وحمل معه حصتكم وحصته..
الباب العالي : (كمن غير مبال) آه صحيح.. حصتنا كم بلغت.. زادت أم نقصت؟
الوالي : كادت أن تبلغ الضعف لولا الجفاف الذي يعم البلاد منذ سنوات، وسوء حال العباد على كل حال سوف ننظر بعين الرضى في السنة القادمة ونجعل الضعف ضعفين، وأكثر إذا بقينا على كرسي الولاية في أمان واطمئنان (ينحني أمام التمثال، وينحني معه الجميع).
الباب العالي : (باعتداد وترفع) لا أخفيك سراً.. الحقيقة مركزك مهزوز عند السلطان عبدون والمنافسون على كرسي الولاية عديدون، وهم في ازدياد، والكل مستعد للدفع للسلطان ابن عبّاد.. فلولا الأميرة خاتون ونشاطك الكبير في تأمين المعلوم.. لكان وضعك غير مأمون.. (يخفض من صوته لدرجة الهمس).. أتذكر يا زيدون يوم أدخلوك على سلطان البلاد عبدون..؟
الوالي : ومن لا يذكر ذلك اليوم المشؤوم (يتنبه) عفواً.. أقصد يوم تعييني والياً على هذه البلاد.!
الباب العالي : أتذكر كيف دخلت على والينا ابن عبّاد.. بحضوري، وحضور التحصل دار طهماز، وقاضي السلطنة مهماز، ووالي ولاية تفتناز.. الوالي سعدون.. أخ حرمكم المصون خاتون، وبقية الحاشية..؟
الوالي : (يهز رأسه) نعم..!؟ وهل أنسى؟
الباب العالي : إذاً.. أنت تذكر تماماً كيف حملك اثنان من الحرس، وأدخلاك عارياً إلا من السروال؟
الوالي : (يضحك على مضض) وي.. وي.. وهل أنسى!..
الباب العالي : فأمر السلطان.. فأعطوك شروالاً فوق السروال، وجبةً وعباءةً، وعكازاً وقنبازاً وخاتماً ونياشين بثلاثة أطواخ.. وقال لك: هذه بضاعتنا نستردها وقت نشاء.
الوالي : (باعتداد كاذب).. سنكون عند حسن ظنه وثقته، ولسوف نعمل بتوجيهاته..
الباب العالي : نحن جاهزون للسفر الآن.. (يتذكر).. آ.. تذكرت لا تنس أن تنبّه مربية أطفالكم إلى أمر ختان أولادكم أولاً بأول.. حتى لا يحصل لهم ما حصل معك.
(يضحكون.. ثم يخرجون)
إظلام
الفصل الأول :
المشهد الأول
الوهم شيء، والحقيقة شيء آخر
المكان : القاعة الخاصة في قصر الوالي
المنظر : (القاعة وقد بدت في أبهة مترفة تماماً. الوالي على كرسيه العاجي وقد بدا في ثوبه الفضفاض المزركش محشواً فيه وأقرب إلى الشكل الكروي المضحك ويراقب بفرح طفولي مهرجه، ويستمع إلى حكاياته بمتعة واندهاش في حين جلس نديمه وخادمه الخاص "ميمون" عند قدميه يقدم له الشراب، ويشاركه متعة المشاهدة.. التمثال وظهره للجميع..)
المهرج : (واثباً).. ما أن أصبحنا داخل الغابة يا مولاي، حتى صرخ صاحبي بأعلى صوته.. احترس.. إنه آت نحوك من الخلف..!! (بحركة بهلوانية سريعة يثب).. استدرت بسرعة نحو الخلف.. (يتوقف عن الكلام)..
الوالي : (مأخوذاً).. ها.. تابع!!.. تابع يا مهرج!
المهرج : (يعبر بخوف) انكمشت في مكاني.. ركبتاي تسمرتا من شدة الخوف، وقلبي راح يدق مثل طبل أجوف، وعيناي جحظتا.. فتحتا أنفي بدأتا تزفران، وشفتاي ترتعشان.. وأصابع يدي ترتجف.. (يتعمد التوقف عن الكلام ثانية)..
الوالي : (بتوتر وانفعال).. تابع يا مهرج؟!..
(يضاحك ميمون.. ثم يلتفت بهمس مسموع وكمن يذكره بأمر ما)
أتذكر يا ميمون يوم كنت صغيراً؟.. (ميمون يهز رأسه).. كانت مربية حضرتنا تحكي لي مثل هذه الحكايات.. (يضاحك ميموناً).. وكثيراً ما كنت أستيقظ في الصباح وأنا مبلل..
ميمون : (بغباء مقصود يتابع).. من المطر يا مولاي..
الوالي : (نافياً بدهشة).. لا!.. بل.. (يضحكان).. حتى الفراش أبلله..
المهرج : (بخبث).. أكنت تفعلها أيضاً يا مولاي؟!..
الوالي : (بمتعة وعفوية وهو يضحك).. مثل كل الأولاد.. تابع.. تابع الحكاية.
(يدخل الحاجب)
الحاجب : (ينحني).. وزير الولاية في الباب يا مولاي.
الوالي : (يلتفت نصف التفاتة، ويشير بانفعال).. دعه ينتظر.
الحاجب : أمر مولاي.. (يخرج)
الوالي : (بلهفة).. تابع يا مهرج.. تابع.
المهرج : (بفزع مقصود).. فإذا بدب ضخم له عينان سوداوان كبيرتان يتجه نحوي يريد التهامي..!!
(يقلد حركات الدب بالرقص، ثم يتوقف فجأة في مكانه، ويحبس أنفاسه وينظر بجحوظ إلى الوالي.. الوالي يبدي بعض القلق والخوف)
الوالي : يا للهول!!.. (بغباء) التهمك الدب؟!..
المهرج : وهل يجرؤ!
الوالي : (بفزع).. وماذا فعلت؟!.. لا بد أنك هربت..؟!
المهرج : أهرب!.. لا.. صاحبي هو الذي هرب.. تسلق شجرة عالية، كانت قريبة منه.
الوالي : (بلهفة) وأنت.. ما.. ماذا فعلت؟!..
المهرج : (بخبث مقصود).. كان الدب كبيراً يا مولاي!!.. كبيراً!!
الوالي : (نافذ الصبر) أعرف.. ولكن أنت ماذا فعلت حيال هذه المشكلة؟!..
المهرج : (يسأل) بعد إذنكم يا مولاي..؟
الوالي : (في حرج).. ماذا تريد أن تقول؟
المهرج : (مطأطئ الرأس وبحياء).. يا مولاي.. لو قدر الله وكنت مكاني
الوالي : (مقاطعاً) ماذا؟!..
المهرج : (معتذراً) عفوك مولاي.. لا أقصد
إلا قضاء الله.. أنت مؤمن بالله وقدرته.. أليس كذلك؟
الوالي : (براحة) بالطبع!.. مؤمن بالله وقدرته!
المهرج : لو كنت مكاني.. ماذا كنت تفعل؟
الوالي : (ثم إجابة سريعة) أهرب بسرعة..!
ميمون : (مزايداً) تالله.. ما تفعله عين الصواب..
(يدخل الحاجب)
الحاجب : (ينحني).. قاضي الولاية في الباب يا مولاي.
الوالي : (بلا مبالاة).. القاضي.. لينتظر هو الآخر.. (للمهرج).. أنصحك بالهروب.
المهرج : أتنصحني بالهروب يا مولاي..؟!
الوالي : (متابعاً).. وبسرعة.
المهرج : ماذا ستقول العامة عني؟!.. مهرج الوالي جبان..!!
الوالي : لكن الهروب أفضل من أن تصبح في خبر كان..!.. ما رأيك يا ميمون؟
ميمون : نعم الرأي يا مولاي.. تالله ما يقوله مولاي جواهر..
الوالي : على الأقل يقال جبان، ولا يقال ياحسرتي على فلان.. التهمه دب جوعان!
ميمون : تالله.. ما يقوله مولاي عين الصواب.. جواهر
المهرج : وصاحبي المعلق.. يا مولاي؟
الوالي : تقصد صاحبك الذي هرب، وصعد الشجرة؟!!..
المهرج : نعم يا مولاي..
الوالي : ما له؟
المهرج : سوف يشهر بي، ويرغي ويكيل بالكلام كالسعير، إنه مثل الوسواس الخناس.
الوالي : (مقاطعاً) دعنا من صاحبك، وأخبرنا..؟
(يدخل الحاجب على مضض)
الحاجب : (ينحني).. مولاي.. الوزير والقاضي ما زالا واقفين ينتظران عند الباب.
الوالي : (بانفعال).. يلعن الطيب من أهلكم.. العماء يملأ عيونكم.
(يلتفت للمهرج، وبالعامية يكلمه) يا مهرج: شو عملت بعدين مع الدب أبو العينتين؟
المهرج : (يثب بسرعة).. لجأت إلى الحيلة يا مولاي.
الوالي : (بدهشة) الحيلة.. عظيم!!.. كيف؟
(المهرج يأخذ وضعية جديدة، ويدخل في حالة إيمائية تضفي نوعاً من الخوف، الوالي يراقب المشهد بانفعال وحذر)
المهرج : جعلت من جسدي جثة هامدة.. (ينبطح أرضاً) توقفت عن تحريك رأسي.. حبست أنفاسي.. أرخيت أعصابي.. (يدخل في سبات مقصود..)..
الوالي : (بغيظ شديد) ها.. أكمل..؟!.
المهرج : (يتابع الإيماء).. اقترب الدب مني.. جسني، ولحس بلسانه جسدي ورأسي ثم شمني، وقلبني بين يديه، ثم دحرجني برجليه.. كرر ذلك مرات ومرات.. (يضحك).. ظاناً أني حي.. (يتوقف قليلاً)..
الوالي : (بلهفة) ها.. تابع يا مهرج..!!
المهرج : بعد كلل وملل.. أيقن يا مولاي أني جثة ميت فطيس.. فولى عني يلعن حظه التعيس..
الوالي : ها.. لا أصدق.. أيعقل ذلك..؟!
المهرج : نعم يا مولاي..
الوالي : كيف؟..
المهرج : كما تعلم يا مولاي: للدببة عذرها
الوالي : (مقاطعاً) لا أفهم..؟
المهرج : الدببة لا تأكل لحم الفطيس يا مولاي.
الوالي : (بدهشة) ها!! جماعة كلها ذوق!!..
(يضحكون)
المهرج : (كالفاطن لأمر).. لكن يا مولاي، وأنا بين يديه يقلبني.. همس في أذني قائلاً:
(يتوقف عن الكلام.. الوالي مشدوداً، ومتلهفاً لسماع النتيجة)
الوالي : وي. وي.!!.. الدب همس لك!؟!.. ماذا قال؟!..
المهرج : (يثب نحو ميمون ويجلس قربه).. قال لي يا صديقي المهرج
الوالي : (بدهشة كمن جف ريقه) ها!!.. وي. وي.. الدب قال لك يا صديقي؟!..
المهرج : (يهز رأسه).. نعم يا مولاي.. (يقاطعه).
الوالي : وماذا قال أيضاً؟!
المهرج : قال: قل لصاحبك المعلق على الشجرة: مهما تسلق وارتفع سيأتي اليوم الذي فيه يقع.. عندها سوف أنتف له ريشه ولحيته شعرة.. شعرة..
الوالي : (يتأمل المهرج ويتحسس لحيته ثم يكلم نفسه) مهرج خبيث..!.. (يلتفت نحو المهرج) ماذا تقصد يا لعين من هذه الحكاية الكمين؟!
المهرج : إنها مجرد حكاية لا كمين.. يا مولاي.
الوالي : أعرف أنها حكاية.. لكن صديقك الدب.
المهرج : (مقاطعاً يتعمد الدهشة).. صديقي!!
الوالي : ألم يقل لك يا صديقي؟
المهرج : بلى.
الوالي : ماذا يقصد صديقك من جملته الأخيرة المحيرة..؟
المهرج :.. (يتصنع التفكير).. تقصد الجملة الأخيرة!
الوالي : هي بالذات يا ملعون النوايا!!.. أعدها على مسمعي!!
المهرج : (يكرر).. قل لصاحبك المعلق مهما ارتفع وتسلق سيأتي اليوم الذي فيه يقع.
الوالي : (يهز رأسه مقاطعاً) وي. وي.. مهرج ملعون يا لطيف!! (بنزق).. يا ميمون.
ميمون : أمر مولاي.
الوالي : (يمد إحدى يديه) دلك.. اُدلك لي أصابعي بحنان.
ميمون : (بإطراء، ونعومة يداعب الأصابع ويحاكيها..)
أصابع والينا قدك المياس.. تميس نشوة بالخمرة والكاس
مكسوة بالزمرد والألماس.. يا رب الكون وخالق الناس
احفظها من شر الحاسد
(يلثمها بشغف.. أثناء ذلك يدخل الحاجب)
الحاجب : (ينحني).. صاحب الشرطة وصل أيضاً يا مولاي.
الوالي : (بحدة مصطنعة).. هو الآخر وصل؟..
(يفكر قليلاً..).. لينتظروا.. أو ينصرفوا.. لا رغبة لي في لقائهم الليلة.
الحاجب : أمر مولاي.. (ينحني)..
الوالي : (يتمعن بالمهرج ثم يصرخ).. مهرج زفت.. قطران.
المهرج : (يثب نحو الوالي).. أمر مولاي وقرة عيني.
الوالي : اسمع: لست مرتاحاً لتلك الجملة اللعينة التي نطق بها لسان صديقك.
المهرج : (بخبث وشيطنة).. تقصد الدب يا مولاي؟
الوالي : ..لا؟! بل صاحبك الذي هرب.
(ينظر إلى التمثال بسرعة.. يبادله التمثال النظر بملامح فزعة.. يحاكي نفسه بخوف وبكلام غير مفهوم.. المهرج يحاول الانسحاب.. ينتبه إليه الوالي)..
إلى أين أنت ذاهب يا مهرج؟
المهرج : (في حرج..) أنا؟!.. بين يديك يا مولاي.. (يهمس إلى ميمون).. افعل شيئاً يا ميمون.. الوالي يبدو معكر المزاج.. عصبياً.
ميمون : في الحال يا صديقي.
(يصفق بيديه ويشير باتجاه باب القاعة، فتدخل مجموعة من الجواري والصبيان.. الجواري يرقصن والصبيان يحملون الصواني وعليها ما لذ وطاب من طعام وشراب، وخلفهم تدخل جوقة الغناء والعزف ويبدأ الحفل.. وخلال الغناء تدخل زوجة الوالي خاتون وملامح الغضب بادية عليها..
اللازمة
يا مبدع الأقمار
بالحسن والأنوار.. (3)
إلى متى أعذار
قلبي اشتعل بالنار
عطفاً على حالي
ارع جوار الجار
- محاورة غنائية.. يتقدم كل مغن على حدة إلى أمام الوالي وزوجته.. وهكذا:
الأول
هجرني حبيبي
ولا ذنب لي
وزاد بي لهيبي
ولا رق لي
الثاني
ناديت يا طبيبي
بالله رق لي
جس الطبيب نبضي
ولم يرق لي
الثالث
غزالي هجر
ومني نفر
وخلف لعيني
البكا والسهر
الوالي : (بلهفة مصطنعة لزوجته) الريم عندنا؟!.. يا مرحبا.. يا مرحبا..
خاتون : (في دلع مصطنع).. ابن عمنا وبعلنا تعود هجرنا إلى سماره وندمائه، وتركنا وحدنا مع الشياطين.. لا يسأل عنا إلا إذا أراد منا.. منّة أو شفقة..
الوالي : الوصيفات والجواري كلهن حولك.. يا ملاكي.
خاتون : (ساخرة تشير للحضور).. بل هن حولك.. ما شاء الله..
الوالي : (بشغف كاذاب).. خاتون.. يا قرة عيني، وحشاشة كبدي، و..
خاتون : (مقاطعة وبحدة) الأميرة خاتون يا والي.. لا تنس من أكون؟! (تسخر) لا تأكل عقلي بكلامك المعسول يا صاحب الأكباد، والعيون (تردد جملته).. خاتون يا قرة عيني، ويا حشاشة كبدي..
(تتجه نحوه وتدور حوله.. نلاحظ ملامح الوالي وقد أخذت تتبدل).
منذ شهر، وأنت لم تدخل المخدع، أو تبعث إلي من يخبرني عن أمورك، وأحوالك.. منذ ختانك، وأنت تتهرب مني ولا تريد رؤية وجهي..
الوالي :أنا أتهرب من ملاكي، ومن أميرة الحسب والنسب ابنة خال السلطان الأعظم..!
(ينحني.. ثم يتابع حديثه باعتداد مصطنع)
إنه العمل..!.. المسؤولية.. أمور الرعية ومشاكلها، يا أميرة الولاية
خاتون : (تزيد في السخرية).. أمور الرعية أم أمور الـ.. (تشير نحو الحاشية)..
الوالي : (متابعاً) وهذا من صلب العمل أيضاً.. بروتوكول لا يجوز الاستغناء عنه، وإلا؟!
خاتون : (مقاطعة تسخر).. وإلا سخر منك ولاة الجوار أليس كذلك يا مولاي..
الوالي : (بمتعة ودهشة يقاطع).. عظيم!!.. رائع!!..
البروتوكول جزء لا يتجزأ من نظام عمل الولاية، وهو الصورة التي تعكس الحالة الحضارية للتطور والازدهار للبلد الذي تنمو فيه.. (يأخذ وضعية اتزان واعتداد)
اسمعوا إن حاجتنا لهذا البروتوكول حاجة ماسة، كحاجتنا للطعام والشراب، والدواء والنوم. كثيرة هي الولايات التي لم تنهض أو تتطور (مطاطئ الرأس بحزن مصطنع) لأنها لم تطور بروتوكولا.. تها.. ها.. (تصفق الحاشية بانبهار، واندهاش)..
خاتون يا قرة عيني وحشاشة كبدي.. على هون.. أخاف عليك شر
خاتون : (تقاطعه ساخرة).. شر البروتوكول
الوالي : لا.. شر الحاسدين إذا حسدوا..
خاتون : من هم؟
الوالي : أولاد الحرام.. أبناء عمومتنا.. ولاة البلدان المجاورة.. أصحاب البروتوكولات المتخلفة كم حاولوا تقليدنا، وفشلوا وعزلوا، وهذا سر نجاحنا، وعدم عزلنا عن منصبنا (بإطراء).. هذا يعود للبروتوكول، ولك.
خاتون : لي؟!
الوالي : نعم.. بفضل رعايتك للبروتوكول وتوجيهاتك يا بنت خال السلطان
خاتون : (بانبهار) داهية.!.. (لنفسها بصوت مسموع).. يومان أسودان مرا في حياتي
الوالي : (يلتقط الكلام مقاطعاً ومتابعاً).. الأول يا أميرتي؟
خاتون : (بغيظ شديد).. زواجي منك
الوالي : (يقاطعها بخبث) وي. وي.. لا.. معقول!!.. والثاني يا قرة عيني؟
خاتون : يوم أمرتُ بختانِكَ على أمل أن أحظى بولدٍ يُنسيني همومي معك
الوالي : وي. وي؟.. والله صحيح؟!.. الحق معك (يرفع صوته باعتداد الواثق)..
قريباً سيكون لك.. أعدك بشرفي.. توأم.. اثنان.. دفعة واحدة..
خاتون : (تضحك ساخرة).. دفعة واحدة اثنان..؟!.. معقول؟!..
الوالي : أنت مؤمنة بقدرة الله.. أليس كذلك يا أميرتي؟
خاتون : (ضاحكة).. بلى
الوالي : إذاً.. الله قادر على كل شيء.. يحيي العظام وهي رميم
خاتون : ولكن.. أنت الذي قررت وأقسمت، وليس الله..؟
الوالي : قررت وأقسمت على ماذا؟!..
خاتون : (تكرر جملته).. أعدك بشرفي.. توأمان دفعة واحدة..
الوالي : وهو كذلك.. (يغير مجرى الحديث.. بإعجاب زائد)
أخي طهماز قرر الختان أيضاً.. (يضحك)
خاتون : للمرة الثانية.. عظيم!!.. سلالة ترفع الرأس
الوالي : هل تصدقين أن مربية حضرتنا نسيت أن تتأكد من ختانه مرة ثانية..
خاتون : (ساخرة) معقول؟!.. تتأكد كيف؟.. لم أفهم؟!..
الوالي : (في حيرة يشير بحركة تفسيرية لمعنى التأكد المقصود) تتأكد يعني تتأكد.. مثل كل العامة عندما تتأكد من..؟!
خاتون : وأنت..؟
الوالي : (بفزع).. أنا..!
خاتون : (ساخرة).. هل تأكدت؟
الوالي : (متابعاً) نعم.. وقررت أن أفعلها وفعلتها.. (كمن يبكي)..
أربعون سنة مضت (يجفف دمعه بمنديل طويل) لو فعلتها من زمان.. لكنت أنجبت أربعون سنة مضت (يجفف دمعه بمنديل طويل) لو فعلتها من زمان.. لكنت أنجبت
خاتون : أنت تنجب؟!
الوالي : لا.. أنت
خاتون : (ساخرة) لم أفهم..
الوالي : (يهمس لها.. يضحكان) أعدك سيكون لك عشرة.. الصحة والحمد لله.. بم..
إظلام
المشهد الثاني
البلاد والعباد في أحسن حال؟..
المكان : سراي الحكومة.. قاعة الوالي..
مكتب الوالي : عبارة عن قاعة مؤثثة بترف وثمة طاولة من الزان المرصع بالصدف، والكراسي محفورة ومزخرفة (أرابسك)، وبعض الصور المعلقة تمثل الولاة أو الأسر التي حكمت البلاد وبينها صورة السلطان الأعظم وعائلته.. التمثال /المنيكان/.. في وضعية جديدة.
المنظر : الوالي وقد بدا عصبياً، إلى جانبه وقف ميمون يقدم له الشراب تارة وأخرى يرتب له هندامه أو يزيل له بقايا الشعر عن شحمتي أذنيه وحواجبه
الوالي : (بألم يصرخ) أخ.. كم مرة قلت لك انتبه، وأنت تقوم بقلع شعر أذني
(يمسك بيدي ميمون ويقلبها بقرف)..
ادهن يديك بدهن الزنجبيل والليمون لكي تصبحا أكثر طراوة وأكثر نعومة..
ميمون : أمرك مطاع يا مولاي
(يدخل الحاجب)
الحاجب : النساخ في الباب يا مولاي
الوالي : (يدفع عنه ميمون).. أخ.. بهدوء يا حمار.. (للحاجب) أدخل النساخ في الحال
(بعد لحظات يدخل النساخ حاملاً صينية نحاسية وعليها مجموعة من التقارير والخطابات مختلفة الحجم يضعها أمام الوالي على الطاولة)..
النساخ : البريد الصباحي يا مولاي
الوالي : بلا مقدمات.. ابدأ بقراءة التقارير
النساخ : أمرك يا مولاي.. (بصوت مرتفع نسبياً).. تقرير معالي وزير الولاية، وفيه يشرح بدراية وعناية الحالة الاقتصادية للولاية.. في هذا الشهر كالعادة ومثل كل شهر..
والينا الكريم يا سدة المجد العظيم.. أحوال البلاد وصحة العباد في أحسن حال..
حماها الله من أعين الحساد.. الزراعة في أحسن حال والصناعة والتجارة.. عال العال.. (يتوقف ليأخذ نفساً).. والحاشية والأعيان في أحسن حال..
الوالي : (مقاطعاً) كفى أعرف بقية الديباجة.. التوقيع وزيركم المطيع.. أليس كذلك؟
النساخ : (يهز رأسه).. نعم يا مولاي.
الوالي : أشتهي مرة واحدة، أن يقول وزيري الحقيقة.. تصوروا.. الجفاف يعم البلاد منذ سنوات ويقول عن الزراعة هي في أحسن حال؟!.. اقرأ التقرير الذي يليه يا نساخ
النساخ :تقرير صاحب الشرطة (والسر خفية)(1).. عن الحالة الأمنية بالخفية.. (يقرأ بصوت خفيض والوالي يهز رأسه، والذي يند إلى أسماعنا كلمة عال العال)
الوالي : (بالعامية وبهمس حذر)..(*) أخو حفيانة.. كل البلاد آمنة؟!.. الطرقات.. الشوارع.. الأزقة.. الأسواق والحوانيت والبيوت.. (لنفسه ساخراً).. عال العال
(ميمون يشارك النساخ القراءة عن ظهر قلب)
ميمون+النساخ : (بصوت واحد)..
بجهد ودأب ونشاط.. نظفنا الولاية من أصحاب السوابق وأهل النفاق والشقاق.. البصاصون في كل مكان يراقبون الداخل والخارج.
الوالي : (متابعاً بسخرية).. والسراي وقصر الوالي.. وحرملك وسلملك الوالي، وجيوب الوالي وضيوف الوالي.. هذه حال الدنيا.. تابع يا نساخ بقية التقرير بانشراح..
النساخ : هناك شكوى في تقرير صاحب الشرطة..
الوالي : (بنزق).. أعرفها.. عن الشوارع والمتاريس والحواجز..
النساخ : لا يا مولاي
الوالي : إذن عن السجون.؟
النساخ : (يقاطعه).. تقريباً يا مولاي
الوالي : (يفكر قليلاً).. أيها النساخ
أصدر أمرنا إلى صاحب الشرطة واعلمه أننا ندرس استيعاب السجون أليست هي شكواه يا نساخ؟
النساخ : (بدهشة).. بلى يا مولاي..
الوالي : (بدهاء واعتداد).. ألم أقل لكم (أخو حفيانه).. التقرير الذي يليه يا نساخ
النساخ : تقرير قاضي الولاية، وفيه وصف عن أحوال العدل والعباد بدراية..
الوالي : سبحان الله.. هذا الرجل معقد بالفطرة.. أعرف حديثه عن الرشاوى والفساد الذي دب في أوصال العباد.
النساخ : (متابعاً بهمس غير مفهوم ثم ينهي القراءة بصوت مسموع).. التوقيع خادمكم المطيع.. قاضي البلاد العتيق..
الوالي : والآن يا نساخ بعد أن اطمئن قلبي على أحوال العباد.. ابدأ بقراءة الخطابات أريد سماع الأخبار السارة، وأرجو أن تكون هذه المرة.. حلوة وليست مُرّة
النساخ : خطاب خاص من سلطان البلاد.. وإلى والي الولاية..
(ينظرون إلى التمثال وينحنون)
الكل : (بصوت واحد).. حفظه الله ورعاه..
الوالي : تابع يا نساخ ما جاء في الخطاب.. أنا بشوق لسماع خطاب السلطان
(ينحنون)
الكل : (بصوت واحد).. حفظه الله ورعاه..
النساخ : (يتابع).. إلى والي الولاية.. يشكركم السلطان بخصوص الهدايا والعطايا، ويعلمكم بقبولها بمحبة ودراية شريطة الزيادة.. (ينحنون)..
الكل : (بصوت واحد).. حفظه الله ورعاه..
الوالي : (وهو يرفع رأسه ويهزه وقد نسي نفسه)..
وي.. وي. يا لطيف؟!.. بالوعة.. يلعن الفاطس من أهله
(حالة من الارتباك تبدو على النساخ.. ينتبه إليه الوالي.. تتغير حالة التمثال)
هل سمعت يا نساخ ما قلته عن سلطان البلاد من محبة وطيب الكلام..؟
النساخ : (بخوف) لم أسمع شيئاً يا مولاي!!
الوالي : (بالعامية).. عفارم.. تابع
النساخ : خطاب خاص من صديقكم الوالي المخلوع عن ولايته قبل سنة وأسبوع.. يشكر فيه حسن استقبالكم وضيافتكم له، ولزوجته شهبا الشموع.
الوالي : (يخطف منه الخطاب) بروتوكوله كان متخلفاً فعزل بسرعة.. على كل حال الناس للناس يا نساخ (لنفسه).. من يدري قد يكون الدور القادم علينا.. تابع يا نساخ
النساخ : لم يبق في الصينية إلا هذا الخطاب
الوالي : الأخير..
النساخ : (على مضض مطأطئ الرأس).. إنه يا مولاي
الوالي : (يقاطع النساخ).. إنه الخطاب الذي يخص الرعية.. أليس كذلك؟
النساخ : نعم يا مولاي..
الوالي : (برقة وعذوبة).. يا نساخ.. يا نساخ.. لماذا تستكثر علي خطاب الرعية.. ماذا فعلت لك الرعية حتى تتجاهل خطابها؟.. هو خطاب واحد.. واحد يا نساخ ألا تخاف الله يا نساخ؟!.. الله واحد يا نساخ..
النساخ : (بخوف ودهشة) معاذ الله يا مولاي.. أنا العبد الفقير إلى الله أفعل ذلك..!!
الوالي : (يستمر بالمعاتبة) سامحك الله يا نساخ.. ماذا تقصد من وراء فعلتك هذه؟..
النساخ : (بذهول).. أنا يا مولاي!!.. استغفر الله
الوالي : أنت متآمر على الشعب
النساخ : (بتلعثم وارتجاف) أنا!!.. أنا متآمر يا مولاي؟!..
الوالي : نعم.. (برقة وحنين في الصوت).. هؤلاء الرعية المساكين.. أبناء شعبي الأمين أنا من أجلهم أصبحت والياً، ومن أجلهم أدفع حياتي وثروتي وممتلكاتي، ومن..
(يقاطعه ميمون ويتابع المزاودة)
ميمون : ومن أجلهم أنا مستعد أن أقاتل الشيطان.. إنهم رعيتي.. ورئتاي اللتان أتنفس بهما
الوالي : (بالعامية وباعتداد).. شفت يا منظوم.. (يشير إلى ميمون) هذا عينة من أبناء شعبي
(تصفيق حاد من ميمون يشاركه النساخ على مضض.. وبخطابية الوالي يتابع)
لولاهم أكون أو لا أكون؟. من أنا أصلاً..؟. مجرد وال.. أي نعم وال.! هل يعقل أن أكون والياً بلا رعية؟!..
(للنساخ).. أنت عديم الأصل يا نساخ.. عديم الأصل..
النساخ : (بغرابة).. كل مرة أحاول فيها قراءة خطاب الرعية ترفض سماعه يا مولاي..!!
الوالي : صحيح.. ولكن للضرورة أحكام.. (يرتبك قليلاً).. هذه المرة أصبت.. أتعرف لماذا كنت أرفض الاستماع إليها؟
النساخ : للضرورة أحكام يا مولاي..
الوالي : لا..
النساخ : (بدهشة) لا..؟! أنت قلت ذلك؟!
الوالي : وهل صدقت ذلك؟
النساخ : (بذهول.. لا يعرف ماذا يجيب)..
الوالي : أجب على سؤالي يا نساخ.
النساخ : (في حيرة).. لا أعرف الجواب
ميمون : (متدخلاً).. مولاي أعطني فرصة أساعد فيها النساخ على فهم الحقيقة
الوالي : (يسأل بهمس) عن أية حقيقة تتحدث؟..
ميمون : التي من أجلها كنت ترفض قراءة خطابات الرعية
الوالي : (بارتياح.. وجد من ينقذه من هذه الورطة) بكل سرور يا ميمون.. اسمع يا نساخ لميمون فلديه الجواب الذي يشغل بالك (يهمس لميمون) انتبه لكلامك.. وإلا
ميمون : (يهز رأسه وبنبرة خطابية يسترسل) كان مولاي دائماً يقول: يا ميمون.. لن أقرأ خطابات الرعية حتى أحقق لها ما ترغب وتتمنى.. كيف أقرأ خطاباتها وأنا لم.. (بحزن كاذب) لم أحقق لها إلا القليل من طموحاتها.. لدينا الكثير لنعمل لها.. لم لا نحول الخطابات إلى مشاريع عمل يا ميمون؟.. لم لم نحول الأحلام إلى يقظة.. الساكن إلى متحرك..
الوالي : (مدهوشاً ينظر للتمثال بحذر.. يهمس لميمون) الساكن إلى متحرك.. يا ميمون؟!
ثم أنا قلت كل هذا يا ميمون يا ابن آل..!! من يصدق ذلك؟!
ميمون : (النساخ).. ألا تصدق هذا يا نساخ؟
النساخ : نعم.. ولم لا أصدق..!!
ميمون : (بالعامية).. شفت يا مولاي.. حتى النساخ صدق..
-(.. ميمون يتابع الاسترسال الكاذب..)
تا لله تضحية ما بعدها تضحية.. مولانا يكره الخطابات.. يقدس العمل.. يحب الصعود ويخاف السقوط.. مولانا (يقاطعه)..
الوالي : كفا يا ميمون.. هذا واجبي حيال شعبي، ومن العيب التحدث عن الواجب، ولا تنسى عطوفة السلطان.. (ينحنون)
ميمون : (يتزلف) أصلاً لولا السلطان الذي وجد فيك الوالي الصالح لما ولاك
(يلتفت نحو النساخ) يا سلام.. الدنيا بخير يا نساخ..
الوالي : هل فهمت يا نساخ السبب (بانشراح) هيا.. هيا يا نساخ اقرأ علينا خطاب العامة
النساخ : (يقرأ بدهشة) والينا الكريم.. يا باني مجد الولاية العظيم.. شعبك الذي يهنأ بك ويشمخ بك عزة وكرامة.. (يقاطعه الوالي)..
الوالي : (بانشراح).. اسمع يا ميمون: إن بعض الظن إثم..
النساخ : (متابعاً).. مولانا الوالي.. نحن على يقين من أن ما يخبرك به الزبانية وأصحاب النفوذ في الحاكمية.. هو عارٍ عن الصحة.. انزل يا مولاي إلى الحارات والساحات والأزقة.. لتعلم حقيقة ما يعانيه الناس.. من فقر وجوع وقهر وإذلال.. انزل لترى الناس ينبشون حاويات الزبالة.. ويبيعون أجسادهم على الرصيف.. إنه الرغيف ومن أجله.. ضاع الضمير. تلوث الهواء بالفساد.. بالرشاوي.. أصبح الحق باطلاً والباطل...
الوالي : (مقاطعاً بحدة) كفى يا نساخ بدأ هذا الخطاب يثير أعصابي.. كم مرة قلت لك لا تقرأ في حضوري وعلى مسمعي خطابات العامة.. (يدير ظهره بانزعاج)
النساخ : (بين الدهشة والخوف).. مولاي؟!
الوالي : (وظهره للنساخ).. على الخازوق يا نساخ
النساخ (برعب) لماذا..؟!
ميمون : (متدخلاً وبصوت خافض).. هيا.. هيا يا نساخ.. اخرج في الحال لقد عكرت مزاج الوالي..
النساخ : (بذهول وهمس).. لكنه الخازوق؟!
ميمون : قلت لك اذهب في الحال قبل فوات الأوان.. وادع الله أن يمد بعمر مولانا حامي حمانا وأن يجعل لك مخرجاً من شر الخازوق.
(النساخ في حالة لا يحسد عليها.. يخرج بسرعة وارتباك وهو غير مصدق يجمع أوراقه في الصينية، ويتأبط بخيط شرواله الذي انحل زناره..)..
الوالي : (وظهره لميمون).. هل غادر النساخ القاعة يا ميمون؟
ميمون : نعم.. لقد خرج يا مولاي
الوالي : (يستدير).. وحالته
ميمون : في أصعب حال.. اصفر وجهه.. وبدأ جسده يرتجف وشعره ينتفش ويداه تنكمش ولسانه ينعقد.. خرج يحمل شرواله الذي انحل زناره..
الوالي : من شدة الخوف..؟
ميمون : بل من شدة الصدمة
الوالي : الصدمة؟!.. تقصد الخازوق يا ميمون؟
ميمون : لا..
الوالي : إذن؟
ميمون : الحقيقة..
الوالي : حقيقة ماذا؟
ميمون : حقيقة العباد والبلاد، وما آل إليها في عهدكم من فساد
الوالي : (بغضب).. ماذا تقول عن عهدي الميمون.؟!.. يا ميمون الوالدين؟
ميمون : (بشيطنة).. أقصد الخير والتسامح والوداد.. يا والي العباد
الوالي : (بغباء مقصود).. إلى هذا الحد الحقيقة تفعل فعلها بشراويل الناس
ميمون : بل وأكثر يا مولاي
الوالي : لم أفهم؟
ميمون : تعريهم حتى العظام
الوالي : (بفزع) يا لطيف.. بت أخاف يا ميمون؟!
ميمون : تخاف مم..؟! ثم إن الولاة لا يلبسون شراويل العامة.. فعلى ماذا تخاف يا مولاي؟
الوالي : (يتماسك) صحيح..! على ماذا أخاف؟!.. فأنا ألبس شروالي الخاص بالولاية الذي منحني إياه السلطان يوم ولاني (يضحكان.. تتغير حالة التمثال فيبدو مسروراً).
إظلام
(1).. للشاعر محمد أبو الشاذلي-من أشعاره الصوفية- راجع قول على قول ص 85 للمؤلف حسن سعيد الكرمي..
(2).. (السر خفية).. تعبير تركي الأصل، ويعني.. رجال الأمن السرية (المخابرات).
(*).. ابن زنوة: شتيمة (مسبة).. المعنى المراد به: ابن الزانية..
(*).. أخو حفيانه: لقب يستخدم لدى العامة في بلاد الشام.. يطلق على الرجل سلباً أم إيجاباً.. كأن نقول: رجل داهية.. أخو حفيانة.. أو نقول: رجل زنديق أخو حفيانة.. ويمكن أن يطلق على المرأة كذلك.. بنت حفيانة
ــــــ
المشهد الثالث:
لماذا كل فصول السنة فصل واحد جاف..؟!
المكان : السراي.. قاعة الوالي..
(الوالي وبقربه ميمون.. يدخل الوزير القاعة مسرعاً..)
الوزير : (بتنهد وتعب).. السلام على والي البلاد.. (ينحني)..
الوالي : لك السلام..
الوزير : مولاي هناك.. (يقطع الحوار الدخول الفجائي للقاضي وعلى عجل أيضاً)..
القاضي : لك الطاعة يا مولاي.. (ينحني)..
الوالي : أراكما على غير عادة تدخلان السراي معاً؟!..
الوزير+القاضي: (بصوت واحد).. هذا صحيح..
(يدخل صاحب الشرطة مسرعاً.. وحالة من التوتر بادية عليه)
الوالي : بالأمس لم أستطع استقبالكم في القاعة الخاصة رغم الطبل والزمر الذي وصل إليكم وأنتم تسترقون السمع إليه كالعادة.. لقد ألمت بي على حين فجأة وعكة نفسية.. أو لنقل إنني لم أكن متحمساً لاستقبالكم.. (يلتفت إليهم).. أريد سماعكم بصوت منفرد..
(يشير لصاحب الشرطة)..
ص.ش : مولاي! مصيبة يا مولاي!!..
(يلتفت إليه الوالي بانفعال.. ينحني له مقدم الشرطة)..
الوالي : فأل الخير ولا فألك.. لا تأتينا إلا بالأخبار السيئة.. هات ما عندك وبسرعة
ص.ش : مصيبة حلت يا مولاي..!
الوالي : (في ضيق وفزع).. مصيبة!!
ص.ش : التمثال
الوالي : ما به؟!..
ص.ش : سرقوه
الوالي : (يصرخ).. سرقوه!!.. مصيبة لو سمع السلطان بهذا العدوان؟!.. سيقلبها على رؤوسنا جميعاً.. (للجميع) ولن يسلم أحدكم.. لا الوزير ولا القاضي ولا حتى أنت يا صاحب الشرطة.. (يتقدم من صاحب الشرطة بغضب).. هل تمكنتم من السارقين؟
ص.ش : لا.. بل هربوا
الوالي : (يهز رأسه بدهشة).. هربوا؟! لا حول ولا قوة إلا بالله.. كم كان عدد السارقين؟
ص.ش : أجمع الحرس على أنهم واحد فقط
الوالي : ولكنك قلت سرقوه، وهذه المفردة دالة على الجمع لا على المفرد
ص.ش : نعم يا سيدي
القاضي : (متابعاً بحذر) يجوز الوجهان.. وهذه المفردة جاءت في هذا الموقع لتدل على التفخيم ومن العيب القول إنّ السلطان سرقه أحدهم.. وهذا تقليل من مكانة مولانا السلطان المعظم..
الوالي : ولكن؟!.. كيف استطاع حمله والهروب به؟.. إنه السلطان؟!..
الوزير : أعتقد والله علم.. (بهمس)؟!.. الله القادر على كل شيء
الوالي : معقول؟!.. لا!.. لماذا لا..؟! الله قادر على كل شيء.. يحيي العظام وهي رميم؟!
(وقد اقتنع.. ينقل الموضوع لصاحب الشرطة) المجرم.. هل تمكنتم منه؟..
ص.ش : (بارتباك).. هرب ولم نتمكن منه
الوالي : (بغضب) أوغاد.. كيف استطاع الوصول إليه؟ والحرس أين كانوا؟
هل حققت معهم؟..
ص.ش : (متابعاً) وأشبعتهم ضرباً، وجميعهم في السجن..
الوالي : والمجرم.. هل تعرفتم على شكله؟.. ملامحه؟.. ماذا كان يرتدي؟
طويل.. قصير.. بدين.. ضعيف..؟!
(صاحب الشرطة مرتبك لا يعرف الإجابة)..
ص.ش : (بعد لحظة سكون).. تسلل المجرم ليلاً وفعل فعلته
الوالي : كيف عرفت هذا؟
ص.ش : نتيجة التحقيق مع الحراس
الوالي : وملامحه؟
ص.ش : غير معروفة.. كان مقنع الوجه
الوالي : مقنع؟!..
ص.ش : نعم يا مولاي
الوالي : والعمل يا صاحب الشرطة؟
ص.ش : القبض على المجرم المحتال.. في الحال.
الوالي : (يكتشف وجود زوجته).. خاتون.. زوجتي تعالي.. (يقترب منها ويأخذ بيدها) لا داعي للاختباء والتنصت علينا..
خاتون : مرحباً يا سادة.. (للوالي بانفعال) كنت مارة قرب السراي وفجأة انحل رباط الشروال الداخلي فاضطررت للدخول لرفعه.
(الوزير والقاضي يديران وجهيهما حياء)..
الوالي : (لميمون) ما حكاية الشراويل اليوم؟ خاتون والشروال.. النساخ والشروال.. وبخاصة عندما يجري الحديث عن شيء هام؟ ما الحكاية يا ميمون؟
(ميمون يهز رأسه باندهاش)
خاتون : (للوالي معاتبة).. إذا أنت تتهمني بأنني كنت أتنصت على حديثكم!!
الوالي : بل أشكر لك اهتمامك.. هل سمعت ما حدث لـ.. (تقاطعه بإعجاب مقصود)..
خاتون : وي.. وي.. شيء رائع!!. فظيع!!. وأعتقد أن الذي أقدم على فعل ذلك مغامر حتى درجة الموت.. لقد فعل هذا حتماً من أجل امرأة يحبها؟.. ويفكر في أن ينجب منها طفلاً.. أطفالاً.. (الجميع يتبادلون النظرات الحذرة والخوف)
الوالي : إنه السلطان، وأنت ابنة خاله؟! أولى بك الانفعال والانزعاج، وحتى الصراخ
خاتون : ولم أزعج نفسي؟.. السبب معروف.. رجل أحب امرأة حتى العظم فأراد مكافأتها
الوالي : (بفزع مفتعل) ماذا..؟!.. إلا ما تلمحين يا حرمنا المصون؟!..
خاتون : (بهدوء).. إلى المقنع العاشق..
الوالي : (بدهشة).. كيف عرفت أنه المقنع، وأنه عاشق؟!..
خاتون : تواً ومن لسان الشرطة.. أما أنه عاشق.. فبتقديري إن الذي يقدم على فعل ذلك إما أن يكون مجنوناً في الأصل أو فقد عقله لسبب ما..
الوالي : وي.. وي...؟!.. سمعت يا صاحب الشرطة؟!..
ص.ش : (بدهشة وانفعال) بدعة مبالغ فيها!!
الوزير : بل عمل متهور.. يقصد منه إزعاج والينا والسلطة
القاضي : إنه اعتداء.. يقوده مقنع خبيث
الوالي : هذا صحيح!!..
خاتون : هذه أوهام.. (بدلال مقصود).. وأنا متأكدة من أنه فعل هذا بسبب حبه لامرأة فاتنة
ص.ش : لا أظن.. بل هناك سبب أكبر بكثير من هذا السبب؟!.
خاتون : (بانفعال).. بل أصر على أن هناك حباً عنيفاً أوصل هذا الإنسان إلى درجة اليأس وأنا شخصياً أحسد هذه المرأة
الوالي : (بدهشة وانفعال).. على ماذا تحسدينها؟!.. على قناعه؟.. أعتقد أنه مشوه الوجه
خاتون : على العكس.. أعتقد أنه وسيم
الوالي : (بغيرة) بل أصر على أنه مشوه الوجه
خاتون : وأنا على يقين من أنه وسيم
الوالي : (بدهشة كالملسوع).. وسيم؟!.. يا إلهي!!.. (يجف ريقه)
خاتون : (تثيره).. أنت مثلاً.. لم تفعل شيئاً من أجل حبنا الطاهر الشريف
الوالي : فعلت الذي لم أفعله منذ أربعين عاماً.. ألا يكفي؟!..
خاتون : (بدلع، وبغنج تقترب منه وتمسح لحيته.. يذوب خجلاً).. لا. أنت تستطيع فعل الكثير من أجل حبنا العفيف.. النظيف.. الطاهر.. الشريف.. تبني.. تحرق.. تحطم.. تقصف.. مثلا.
الوالي : (باندهاش) أحطم.. أقصف؟! يا لطيف!!.. أقصف ماذا؟!.. ؟ (يتماسك بخبث).. أهدم الدنيا لأجل خاطرك.. أشيري فقط، وأفعل لك المستحيل..
(بعطف مقصود).. لو تقولين لي كيف عرفت أنه وسيم..؟!
خاتون : (متجاهلة).. عن ماذا تتحدث؟
الوالي : عن المقنع!
خاتون : (بدلع) يا وحش.. تغار علي.. (تتأبط ذراعه بدلال، وتهمس له بصوت مسموع) لنذهب يا عزيزي فقد ساورت أصحابك الأوهام، والشكوك..
(يسيران باتجاه الباب، ونظرات الحضور تودعهم باندهاش..)
الوالي : (قبل أن يخرج يلتفت إليهم قائلاً: اسمعوا.. إنكم عبثاً تطرحون هذه الأوهام.. لقد اتضح لي أن خاتون أكثر فهماً منكم للأمور.. (يلتفت إليها بغزل) أنت على حق يا زوجي الجميلة.. كل ما تفترضينه صحيح.. قد يكون ما حدث بسبب امرأة سلبت عقل هذا الإنسان (للوزير والقاضي).. في الغد نلتقي إن شاء الله.. (بجحوظ لصاحب الشرطة).. وأنت يا صاحب الشرطة
ص.ش : (ينحني).. أمر مولاي
الوالي : أريد المجرم.. حياً وإلا على الخازوق وضعتك بدلاً عنه../يخرجون/
الفصل الثاني
المشهد الأول
إن من ينقذ خروفاً من فم ذئب يراه الذئب طاغية بينما يراه الخروف فارساً
المكان : القاعة الخاصة في قصر الوالي
المنظر : عند باب القاعة يقف ميمون بلهفة ينتظر الوالي.. /التمثال أدار ظهره للجميع/.. من الداخل، وعلى جانبي الباب اصطفت باستعداد الفرقة الغنائية والرياضية لتأدية برنامجها المعتاد من غناء ورقص وألعاب سيرك.. مجموعة من الجواري يتوزعن حول أريكة الوالي.. يتصاعد دخان البخور وتفوح العطور في القاعة –يدخل الوالي ويهرع ميمون إليه ويمسك بقمبازه من الخلف ويرفعه قليلاً ويسير خلفه في الوقت الذي فيه يبدأ الغناء والرقص..
مجموعة (1)..
أشرقت شمس التهاني
من سنا أسمى مقام( )
وزها بدر التداني
نوره يجلو الظلام
مجموعة (2)..
وصفت أوقات سعد
وبدا خير الأنام
وشدا الطير وغنى
بصفاء وسلام
-يدخل المهرج وهو يقفز في الهواء ويردد كلاماً معسولاً:
لمثل خصالك يحلو المديح، وتستقطر الأرض همس السحر، وأنت المدام وريح الخزامى وعطر التراب، وسحر المطر.. الله أكبر.. الله (يتوقف فجأة عن متابعة الكلام)
-تكتنف الوالي حالة من الاكتئاب والانزعاج.. ي شير للجميع بالتوقف والخروج..
ميمون : (يأمرهم بالخروج).. هيا.. احملوا أغراضكم وانصرفوا..
(المهرج مطأطئ الرأس.. يسير مع الجماعة باتجاه الخروج)
الوالي : إلى أين أيها المهرج؟..
المهرج : (واقفاً.. ثم ينحني).. أمرتنا بالخروج يا مولاي
الوالي : إلا أنت..
المهرج : أنا بين يديك سمعاً وطاعة يا مولاي
الوالي : (بابتسامة صفراوية) هكذا إذاً.. بدأت تتحين الفرص للذهاب.. (ينهض الوالي) قل يا مهرج.. لم لم تكن موجوداً داخل هذه القاعة لاستقبالنا والترحيب بنا كعادتك مثل كل المغنين والراقصين؟..
المهرج : (في حيرة يحاول التماسك).. شيء من البرد والحرارة أوهنا جسدي
الوالي : (مقاطعاً بدهشة) منعاك من الحضور.. معقول!!.. ومع ذلك كنت أكثر الراقصين والمغنين حركة ونشاطاً.. ما شاء الله.. مثل خنزير بري
المهرج : من أجلك ومن أجل راحتك يا مولاي.. أنهض من الموت.. انظر
(يرقص بمتعة ويغني للوالي)
يا أبيض الخدين
حسنك شفا للعين
كفك نهر هدار
يطفي لهيب النار
سبحان من سواك
بالطيب قد غطاك
سبحان رب الكون
الوالي : (يرمي لـه كيساً من النقود).. عظيم ولد مهرج.. تستأهل..
(يصفق الوالي لـه ويشاركه ميمون التصفيق.. أثناء ذلك يدخل صاحب الشرطة على عجل وقد علت شفتيه ابتسامة حادة..)
ص.ش : (ينحني).. مساؤك سعيد يا مولاي
الوالي : ما وراءك يا صاحب الشرطة؟
ص.ش : خبر سار يا مولاي.
الوالي : وماهو هذا الخبر السار؟
ص.ش : منذ أكثر من ساعة ونحن نحاصر القصر
الوالي : (ينتفض) ماذا؟!!.. (لنفسه هامساً).. فعلها السلطان.. بالتأكيد يريد رأسي أو يريدني على الخا.. (يكلم صاحب الشرطة بهدوء حزين).. أنا جاهز لتنفيذ ما يأمر به مولاي السلطان حفظه الله.
ص.ش : (يبتسم باعتداد) لا يا مولاي.. لقد ذهبت بعيداً.. السلطان لا علاقة له بذلك
الوالي : إذن؟!.. هو انقلاب!!
ص.ش : لا يا مولاي!!
الوالي : (ينفجر).. إذن.. لماذا تحاصرون القصر؟!
ص.ش : المجرم دخل القصر واختبأ فيه
الوالي : (بذعر) ماذا؟!.. المجرم في القصر!! كيف دخل القصر؟!.. أين الحرس ورجال السر خفية.. أنت متأكد من ذلك يا صاحب الشرطة؟
ص.ش : نعم يا مولاي
الوالي : كيف؟!
ص.ش : (يشرح له باعتداد الواثق).. العيون في كل مكان..
(يدار التمثال، وقد بدا مغمض العينين.. الجميع ينحني)
الوالي : (مقاطعاً بغضب) كيف؟!
ص.ش : أحد العيون في القصر شاهد المقنع يتجول ليلاً في حديقة القصر، فلحق به
الوالي : (بذهول مقاطعاً) يتجول!..
ص.ش : نعم يا مولاي.. وهرب إلى داخل القصر
الوالي : (يسخر بهزء) هو الآن في القصر، وبين ظهرانينا.. يا سلام!! والقناع على رأسه.. أأنت متأكد يا صاحب الشرطة؟!
ص.ش : (مؤكداً).. نعم يا مولاي.. عيوننا صادقة الرؤية، ولا تكذب
(يدخل أحد الحراس)
حارس1 : (ينحني ويكلم صاحب الشرطة) سيدي: أحكمنا تطويق القصر، وأغلقنا جميع المنافذ والأبواب وحتى النوافذ، ومنعنا الدخول، والخروج منه بحيث يصعب على ذبابة صغيرة أن تمر إلا بأذن ممهور بختم الولاية..
(يدخل حارس ثان)
حارس2 : (ينحني) سيدي: قمنا بتفتيش كل العاملين وغرفهم في القصر، ولم نعثر على أثر واحد يقودنا إلى المجرم.
الوالي : (مطرقاً يفكر.. لنفسه بصوت مسموع).. هو بيننا إذاً؟..
ص.ش : (بغباء).. مولاي؟!.. ماذا تقول؟!
(يتلفت حوله.. يبادله الحراس نظرات الدهشة..) مولاي نحن جاهزون للقبض عليه (يمد يده إلى سيفه).. دلنا عليه يا مولاي!!
الوالي : لا.. ربما يكون الوزير أو لا يكون.. من يدري؟
ص.ش : لا أعتقد.. الوزير لا يقدم على فعل ذلك وهل هو مجنون؟
الوالي : فسر السبب؟
ص.ش : السبب بسيط.. أولاً لأنه عين السلطان عليك
الوالي : هذا معروف.. والثاني
ص.ش : عيني عليه
الوالي : وهذا معروف أيضاً، والثالث؟
ص.ش : الخازوق يا مولاي
الوالي : إذاً لم يبق في الميدان إلا القاضي حديدان فأنا أشك به؟.. ما رأيك؟
ص.ش : القاضي مستحيل؟!.. فهو عين السلطان علينا جميعاً
الوالي : وهذا معروف.. (يفكر ويتساءل).. ترى من لـه مصلحة في فعل ذلك؟.. أنت يا صاحب الشرطة..؟
ص.ش : (بفزع).. أنا!!.. مستحيل؟!..
الوالي : ولماذا لا تكون أنت فعلاً؟ على كل حال.. اذهب الآن وتابع البحث ولا تنس ما أمرتك به.. الخازوق بانتظار أحدكم.. هو أو أنت
-إظلام-
المشهد الثاني
الديمقراطية شيء ونتف الشوارب شيء آخر
المكان : سراي الحكومة – قاعة الوالي
المنظر : الوالي على كرسيه مطرق يفكر ممسكاً بريشة القلم يحركها بين أصابعه أو يحك رأسه من تحت قلنسوته، وإلى جانبه ميمون يرتب له هندامه أو يزيل له بقايا الشعر عن شحمة أذنيه أو حاجبيه.
-بعد فترة قصيرة.. يقطع السكون دخول الوزير والقاضي..
الوزير : (ينحني).. أسعدت صباحاً يا مولاي..
الوالي : (يرفع رأسه مبتسماً وساخراً).. صباحاً يا وزير! الوقت عصر يا وزير
الوزير : (مجاملاً) .. نور على نور يا مولاي. والصباح نور، وأنت صباح دائم يا مولاي
القاضي : (ينحني وفي حيرة).. صباحك ومساؤك سعيد يا مولاي!!
الوالي : (بدهشة).. أمركما عجيب!!.. المهم ماذا تحملان من أخبار عن المجرم الفار؟
الوزير+القاضي : (بصوت واحد) أمره مركون لصاحب الشرطة
الوالي : (بسخرية) وما هو أمركما..؟
الوزير+القاضي : (بصوت واحد).. المشكلة من جديد تفاقمت..
الوالي : (بفزع ينظر نحو التمثال .. التمثال غير موجود في القاعة.. يتنهد الوالي) الحمد لله..
الوالي : (يقاطعهم) أعرف هذا، ولكن أريد سماعكما بصوت منفرد.. ابدأً أنت يا وزير
الوزير : حدثت في المجلس مشكلة عويصة يا مولاي
الوالي : ما هي؟
القاضي : (مقاطعاً).. مشكلة الحمير يا مولاي
الوالي : (بانفعال) مرة أخرى؟.. الحمير.. الحمير.. ألم تجدوا لها الحل المناسب بعد؟
الوزير : حاولنا ولكن!.. ما حدث يا مولاي فاق العقل والتصور
الوالي : (يتنهد ويحدث نفسه).. مهما تسلق وارتفع سيأتي اليوم الذي فيه يقع.. جملة مرعبة يا لك من مهرج لعين..!
الوزير : (بدهشة يتلفت حوله) مولاي! المهرج ليس هنا.. من هو اللعين؟!
الوالي : (ينتفض، ويعود لاتزانه) لا أحد.. (للوزير) ماذا حدث داخل المجلس يا وزير؟
الوزير : مولاي.. ما كدت أنهي توزيع أرقام الحمير المستوردة مع ألوانها حتى نشبت معركة بين الأعضاء.. استخدمت فيها الأيدي والعصي والمقاعد وامتدت حتى وصلت إلى نتف الشوارب.
الوالي : (مقاطعاً باعتداد).. عظيم.. رائع..
القاضي : (كالملسوع) .. عظيم!!.. رائع!!.. على ماذا يا مولاي؟!
الوالي : على نتف الشوارب.
القاضي : (مذعوراً يتحسس شاربه) .. وصلت إلى نتف الشوارب؟!
الوالي : نحن، حتماً لا نقبل أن تصل المشكلة إلى هذه الدرجة، ولكن إن دل هذا على شيء فهو يدل على تبني روح الديمقراطية التي بدأت تأخذ طريقها إلى مجلس الأعيان.. ما رأيك أيها القاضي.؟
القاضي : (على مضض) يا مولاي.. الفوضى شيء والديمقراطية شيء آخر..
الوالي : هذا صحيح.. ولكن مجرد حدوث عراك.. يعني هذا مؤشراً .. أي وجود اختلاف بالرأي.. أي وجود صراع... أي صراع طبقي.. (يفكر ولا يعرف ماذا يقول).. أي البقاء للأقوى. (يلتفت نحو الوزير).. رغم أني لا أعرف السبب الذي أدى في النهاية إلى نتف الشوارب؟
الوزير : الحمير يا مولاي
الوالي : أعرف ذلك.. لكن أريد معرفة السبب الحقيقي الذي يفسر ما حدث؟
القاضي : (يتحسس شاربه).. السبب يا مولاي يعود إلى لجنة الشراء التي استوردت الحمير
الوالي : (في ضيق).. أريد تحليلاً
الوزير : أعتقد يا مولاي أن الألوان هي السبب
القاضي : أكرر يا مولاي... وأصر على أن اللجنة هي السبب (يتحسس شاربه)
الوالي : (يكرر). أريد تحليلاً.. أريد إجابة واضحة.. مفهوم!
(الوزير والقاضي يتبادلان الحديث بينهما بهمس ثم يبدأ الوزير الكلام)
الوزير : استوردت اللجنة.. بغالاً ثلاثة واثنين من العير، وفرسا شهباء وفيلاً للعائلة الحاكمة، وثلاثة أحصنة للوزير، والقاضي، وصاحب الشرطة..
الوالي : اتركنا من المقدمات وهات من النهايات، وتكلم عن الحمير الخاصة بالأعضاء.
الوزير : استوردت اللجنة عشرين حماراً أبيض، وعشرين حماراً مرقطاً ومثلها حمير سوداء محلية .. (القاضي مقاطعاً.. يخرج من جيبه آلة حاسبة ويحسب).
القاضي : 20 حماراً أبيض+ 20 حماراً مرقطاً+ 20 حماراً سودا.. فيكون المجموع يا مولاي .. 60: أي عدد الحمير يساوي عدد أعضاء المجلس.
(ينظر إليه الوالي بإعجاب وهو يتحسس شاربه)
الوالي : إذا أين هي المشكلة؟!
الوزير : باللون يا مولاي.. قمنا بتوزيع الحمير البيضاء على شهبندر التجار ورفاقه، وهي سلالة مستوردة قوية، وك
الإثنين أبريل 01, 2013 8:40 am من طرف غزوان قهوجي
» غزوان قهوجي
الإثنين أبريل 01, 2013 8:36 am من طرف غزوان قهوجي
» مختبر فضا المسرحي
الأربعاء فبراير 13, 2013 8:44 am من طرف غزوان قهوجي
» مهرجان لمسرح الشباب العربي في بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:07 am من طرف غزوان قهوجي
» مهيمنات ( السلطة ) وتنويعاتها الإسلوبية في بعض عروض مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:02 am من طرف غزوان قهوجي
» مقالة جميلة عن مولانا
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:50 am من طرف غزوان قهوجي
» خبر عن مشاركة الفرقة في مهرجان بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:39 am من طرف غزوان قهوجي
» أم سامي
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:10 pm من طرف همسة حب
» حدث في سوريا : دعوى قضائية شد الله !!!!!
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:06 pm من طرف همسة حب
» حكايا طريفة
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:01 pm من طرف همسة حب
» السر بشهر العسل
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:56 pm من طرف همسة حب
» عندما يتفلسف الحمار
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:53 pm من طرف همسة حب
» حكمة : كن نذلا تعيش ملكاً ........!!!
الثلاثاء نوفمبر 06, 2012 2:44 am من طرف همسة حب
» فــوائـد الـزوجــة الـنـكـديــة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:21 am من طرف همسة حب
» شو كان لازم يعمل ؟
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:18 am من طرف همسة حب