إذا كان المسرح يحتضر اليوم، فذلك يرجع لاحتضار كل الأشياء الجميلة والجوهرية نتيجةً لتقدُّم الأشياء بمعزل عن الكائن، أقصد هنا الإنسان العربي الذي بات مُستهلِكاً شرهاً لتكنولوجيا رقمية لم يشارك فعلياً في صنعها، وبالتالي تحوَّل هذا الإنسان إلى مجرد متلقٍ سلبي يكتفي بردود أفعال ودهشة أمِّية نحو فجوة معرفية وثقافية يقف منها على حافة كل شيء.
إن العمل في المسرح اليوم أصبح أشبه بمعجزة لم يعد يؤمن بها الكثيرون، إذاً ما هي ضرورة الفن والفن المسرحي تحديداً اليوم في ظل المتغيرات وتقدم التكنولوجيا الغاشم؟ في زمنٍ أصبح لإله الاستهلاك قطعان من عبيد الآلة ومريديها، بل أصبح الإنسان صدى لحركات هذه الآلة العمياء؛ الآن أصبح المسرح وليس في سورية فقط بل في عالمنا العربي والعالم ككل في تراجع، فهل تخلت الدولة العربية عن دعم المسرح بعد ما يقرب من أربعة عقود من نهضة ثقافية أفرزت من خلالها هذه الدولة مساحة جديدة لإبداعات مسرحية كان يقع على عاتقها كتابة حداثة ثقافية لمجتمعاتها الناشئة، ماذا بقي من كل هؤلاء الذين عملوا في المسرح؟، أعتقد أن ما بقي منهم يدعو للحزن والتفكر بمصير النخب الثقافية العربية، أعني هنا المسرحيين العرب الذين تركوا أزياءهم ونصوصهم في أقبية تأكلها الرطوبة، أتساءل أين أرشيف هؤلاء، لاسيما بعد تخلي الدولة عن مؤسساتها واضمحلال النصوص المحمولة على روافعها الإيديولوجية، ماذا تبقَّى لنا نحن المسرحيdن من مختبرات تعمشقت على النموذج الغربي، وباتت اليوم حائرة بين صرعات التكنولوجيا ومحاكاتها، وبين الإبقاء على الإنسان الطبيعي الذي بشرنا فوكوياما بموته وإلى الأبد.
وإذا كان من أسباب لها علاقة بالأزمة التي يتكلم عليها الكثيرون بتهرب المال العربي من مسؤولياته تجاه المسرح، وجهل البورصة العربية بضرورة الفن المسرحي وحضوره كوعي جوهري في صياغة المجتمعات الجديدة، فإنني أضع إشارات استفهام عديدة أمام الكونتونات الاقتصادية العربية التي لم تأخذ على عاتقها حتى الآن سوى تسويق لوغوهات شركاتها من غير النظر إلى المسرح إلا على أنه ماركة مسَّجلة باسم وكلاء إقليميين لسلع ما أنزل اللـه بها من سلطان.
يقول ت. س إليوت في قصيدته الشهيرة أربعاء الرماد « لأني لا أومن بالإياب ولأن ما يصدق يصدق لمرة واحدة وإلى الإبد» إلا أنني أرى أن ما يصدق في كل زمان ومكان هو المسرح وأزمته، لأنها أزمة الإنسان أولاً وأخيراً، وهي أزمة تظهر بشكل صارخ على هيئة أزمة تشخيص- أزمة مسرح، وإذا أردنا تخصيص هذه الأزمة وتخليصها من عموميتها، سنجد تفرُّعات كثيرة ومتشعِّبة لمجموعة من الأزمات التي تتفرع عن شجرة المشاكل الضخمة التي تجسدها أزمة لا تلبث أن تصبح في تشخيصنا لها عبارة عن أغصان متشابكة ومعقدة، قد تبدو لنا في البداية غير ذات عمق، لكن شجرة المشاكل المسرحية هذه في أصل تكونها ستظهر علينا كغابة من أشجار المشاكل التي تنمو باضطراب هائل في كل لحظة، فمرةً يكون هذا الشجر المشكلي عبارة عن أزمة نص، ومرةً أزمة ممثلين، وأخرى أزمة متلقٍ، لكنها جميعاً تنتمي وبقوة إلى جذع هذه الشجرة الضخمة، وهي أزمة المال، وتوافره من أجل القيام بمشروع مسرحي واحد سنوياً على الأقل.
وإذا كان ما ذكرته يتمركز حول أزمات موضوعية تختص بجهة إنتاج المسرح ورعايته من قبل الدولة، فإن هناك أزمات أخرى أشد حضوراً أمام الفنان المسرحي العربي، وهي في مجملها عبارة عن صراع شديد اللهجة بين شكل ومضمون، ربما كانت النصوص التي كتبها أدباء ومنظِّرون عرب في سبعينيات وثمانينيات القرن الفائت من إرثٍ أدبي ثقيل هو أحد مجاهيل هذه الأزمة، والذي لا أجد اليوم غضاضة في تركه لغباره، فالمكتبة العربية ومع افتقارها للنصوص الجديدة باتت تعاني من شح هائل في مشاريع إبداعية متخصصة لفن الخشبة وتقنياتها الجديدة، لم تعد معظم النصوص القديمة صالحة حتى وإن أعيدت كتابتها، لم يعد هناك ما يدهش المتلقي المعاصر المفتون بأسطورة الصورة وتجلياتها في كل نواحي حياته، ونتيجة محايثتي لكل هذه الأزمات الموضوعية منها والذاتية أجدني اليوم مأخوذاً بمسرح الشارع، لا أقصد هنا العروض التي تقدم على الأرصفة وفي ساحات المدن العامة، لكنني أبدو كالكثيرين من عشاق المسرح في العالم العربي مفتوناً بصياغة الشارع الخاصة المستخلصة من إزدحامات هذا الشارع، كتابته وتأليفه وتشكيله على الخشبة على هيئة مقاطع حركية لها لغتها وخصوصيتها ضمن الشرط الجمالي المسرحي، لكنني ومع ذلك لا أقصد إلى هدنة مع هذا الشارع أو جمهوره، بل أسعى عبر مفاتيح الكلام المسرحي لتبيان المحنة الشكلانية لعروض قُدمت بلغة الشارع، مع الحفاظ على تضَّاداته ومعاكسته عبر صناعة النسخة الخاصة عن هذا المكان العمومي إلى درجة الغموض، فالنسخة التي تبدو للجمهور بأنها قريبة وبسيطة، تحمل في تضاعيف وجودها على الخشبة عوالم متراكبة ومعقدة من شوارع صغيرة حاولت أن أستمد منها مشروعية هذا الطرح الفني.
إن الذهاب باتجاه البساطة بمعناها العميق بالتعامل مع اللغة اليومية أو الدارجة ستكون الحامل الرئيس في الخطاب الجديد، اللغة-الكلام، اللغة الحركة، التي تسعى لتقديم ممثل لا تعيقه اللغة بقدر ما تشكله وترسم حضوره على الخشبة، فلا نجعل من هذه اللغة مجردة عن الحضور الإنساني، بل الحضور اللغوي للإنسان ذاته هو ما أراهن عليه في ظل عالم يتغير في كل لحظة، كان لابد من المراهنة على قدرة الإنسان في مواجهة العصر الجديد للآلة، مواجهتها بفنون عزلاء تماماً، طاقة الممثل على العطاء حتى النهاية، فرادة الكائن وطزاجته الروحية؛ في كل مرة تفتن البروفة بزمنها المفتوح على التأمل وإعادة النظر، هذا الزمن المفتوح على احتمالات لانهائية، سيمكِّن المشتغلين في المسرح من التعرُّف على أنفسهم وعلى الآخر، أقصد الجمهور الذي لم يعد كتلة صمَّاء واحدة، جمهور خرج من صلابته القديمة واحتكَّ بالتكنولوجيا في أكثر تمظهراتها وحشية وغشامة، وحيث أيضاً وأيضاً يكتشف المسرحيون ضالتهم مع الممثل في حدود البشري، وليس في تحويل هذا الممثل إلى نوع غريب من التماهي مع التكنولوجيا، وذلك من أجل جعل كهرباء الممثل وطاقته نموذجاً مباغتاً وصادماً لجمهور العرض المسرحي، وهنا كانت اللغة من جديد للاتصال البريء، عبر كتابة مباشرة للممثل تضعه أمام نوعية جديدة من الأداء وفق حذف وإضافة أزمنة البروفة إلى المعادل الكلي لزمن العرض، بمعنى آخر أن يكون العرض المسرحي بمثابة البروفة المستمرة مع الحفاظ على عدم التوقف لاستراحات تتطلبها مواجهة الجمهور، والحياء الأدبي في تقديم كل شيء له من ألفه إلى يائه.
هذا العرض غير المكتمل رغم تحية الجمهور عند كل مرة من إتمامه وظيفياً كان برأيي سيأخذ المغامرة المسرحية إلى كتابة الإيقاع المسرحي المتولِّد من رحم الكلام؛ وبطريقة الشك الدائم بما يقوم به المبدع المسرحي المعاصر سيكتشف تنغيم الجمل القصيرة المحمومة التي يكتبها مراراً وتكراراً على مساحة الركح، الجمل اللاهثة المستترة في ضمير عرض مسرحي لا يعرف الختام ولا يريده، لذا لابد أن يكون كل شيء في مكانه الافتراضي، مكانه الرياضي المتحول دونما هوادة، فمع بزوغ أنماط متعددة من أشكال إبهار الجمهور وتعميته عن الإنسان، سيقع علينا الاختيار في أن نبقي على كل شيء في مساحته التي نختارها، الفوضى بمعناها النفسي لا الفيزيائي، الفوضى المسرحية القادرة على أن تتلاطم في علاقات متشابكة وغير منتهية، وكما كل شيء حي سيحقق الممثل مفازاته جميعها، فلن يتقزم، ولن يشعر بالغبن إزاء غطرسة ما يمكن إنجازه عبر مفاتيح الآلة، بل سيكون وحده، ووحده تماماً في مجابهة عيون الجمهور، وحده وفق حساسية الضوء، وقدرته في نحت هذا الممثل وتنظيفه من سطوة الإبهار وضرورته في التعبير عن روح العصر، وبالمناسبة ما هي روح العصر هذه؟ وكيف يعبر عنها المسرحيون؟ هل التكنولوجيا وحدها من يعبر عن روح هذا العصر، أليست النار الأولى تكنولوجيا البدائيين، أليست رماح الإنسان الأول بمعناه الأنتربولوجي تكنولوجيا، إذاً ماذا نريد من كل هذا العتاد المسرحي الجديد؟ وهل بالفعل يتوجب على المسرحيين أن يزجوا بكل عناصر المالتيميديا على خشبة المسرح؟ أعتقد أن ذلك لن يجدي نفعاً أمام أنواع أخرى من حقها ومن منطق شغلها استخدام كل ذلك، فالسينما اليوم قادرة ومطالبة على أي حال باستخدام وتوظيف كل هذا، أما في المسرح فلا شيء يمكن تغليبه على فرادة الممثل، وهذا لا ينضوي تحت غلواء خاصة لهذا الممثل، بقدر فهمي لدوره الجديد في مواجهة العفش الثقيل لتقنيات تريد أن تجعل من الممثل إكسسواراً متكلماً وسط ضجة بصرية وصوتية على مساحة الخشبة.
إن العمل في المسرح اليوم أصبح أشبه بمعجزة لم يعد يؤمن بها الكثيرون، إذاً ما هي ضرورة الفن والفن المسرحي تحديداً اليوم في ظل المتغيرات وتقدم التكنولوجيا الغاشم؟ في زمنٍ أصبح لإله الاستهلاك قطعان من عبيد الآلة ومريديها، بل أصبح الإنسان صدى لحركات هذه الآلة العمياء؛ الآن أصبح المسرح وليس في سورية فقط بل في عالمنا العربي والعالم ككل في تراجع، فهل تخلت الدولة العربية عن دعم المسرح بعد ما يقرب من أربعة عقود من نهضة ثقافية أفرزت من خلالها هذه الدولة مساحة جديدة لإبداعات مسرحية كان يقع على عاتقها كتابة حداثة ثقافية لمجتمعاتها الناشئة، ماذا بقي من كل هؤلاء الذين عملوا في المسرح؟، أعتقد أن ما بقي منهم يدعو للحزن والتفكر بمصير النخب الثقافية العربية، أعني هنا المسرحيين العرب الذين تركوا أزياءهم ونصوصهم في أقبية تأكلها الرطوبة، أتساءل أين أرشيف هؤلاء، لاسيما بعد تخلي الدولة عن مؤسساتها واضمحلال النصوص المحمولة على روافعها الإيديولوجية، ماذا تبقَّى لنا نحن المسرحيdن من مختبرات تعمشقت على النموذج الغربي، وباتت اليوم حائرة بين صرعات التكنولوجيا ومحاكاتها، وبين الإبقاء على الإنسان الطبيعي الذي بشرنا فوكوياما بموته وإلى الأبد.
وإذا كان من أسباب لها علاقة بالأزمة التي يتكلم عليها الكثيرون بتهرب المال العربي من مسؤولياته تجاه المسرح، وجهل البورصة العربية بضرورة الفن المسرحي وحضوره كوعي جوهري في صياغة المجتمعات الجديدة، فإنني أضع إشارات استفهام عديدة أمام الكونتونات الاقتصادية العربية التي لم تأخذ على عاتقها حتى الآن سوى تسويق لوغوهات شركاتها من غير النظر إلى المسرح إلا على أنه ماركة مسَّجلة باسم وكلاء إقليميين لسلع ما أنزل اللـه بها من سلطان.
يقول ت. س إليوت في قصيدته الشهيرة أربعاء الرماد « لأني لا أومن بالإياب ولأن ما يصدق يصدق لمرة واحدة وإلى الإبد» إلا أنني أرى أن ما يصدق في كل زمان ومكان هو المسرح وأزمته، لأنها أزمة الإنسان أولاً وأخيراً، وهي أزمة تظهر بشكل صارخ على هيئة أزمة تشخيص- أزمة مسرح، وإذا أردنا تخصيص هذه الأزمة وتخليصها من عموميتها، سنجد تفرُّعات كثيرة ومتشعِّبة لمجموعة من الأزمات التي تتفرع عن شجرة المشاكل الضخمة التي تجسدها أزمة لا تلبث أن تصبح في تشخيصنا لها عبارة عن أغصان متشابكة ومعقدة، قد تبدو لنا في البداية غير ذات عمق، لكن شجرة المشاكل المسرحية هذه في أصل تكونها ستظهر علينا كغابة من أشجار المشاكل التي تنمو باضطراب هائل في كل لحظة، فمرةً يكون هذا الشجر المشكلي عبارة عن أزمة نص، ومرةً أزمة ممثلين، وأخرى أزمة متلقٍ، لكنها جميعاً تنتمي وبقوة إلى جذع هذه الشجرة الضخمة، وهي أزمة المال، وتوافره من أجل القيام بمشروع مسرحي واحد سنوياً على الأقل.
وإذا كان ما ذكرته يتمركز حول أزمات موضوعية تختص بجهة إنتاج المسرح ورعايته من قبل الدولة، فإن هناك أزمات أخرى أشد حضوراً أمام الفنان المسرحي العربي، وهي في مجملها عبارة عن صراع شديد اللهجة بين شكل ومضمون، ربما كانت النصوص التي كتبها أدباء ومنظِّرون عرب في سبعينيات وثمانينيات القرن الفائت من إرثٍ أدبي ثقيل هو أحد مجاهيل هذه الأزمة، والذي لا أجد اليوم غضاضة في تركه لغباره، فالمكتبة العربية ومع افتقارها للنصوص الجديدة باتت تعاني من شح هائل في مشاريع إبداعية متخصصة لفن الخشبة وتقنياتها الجديدة، لم تعد معظم النصوص القديمة صالحة حتى وإن أعيدت كتابتها، لم يعد هناك ما يدهش المتلقي المعاصر المفتون بأسطورة الصورة وتجلياتها في كل نواحي حياته، ونتيجة محايثتي لكل هذه الأزمات الموضوعية منها والذاتية أجدني اليوم مأخوذاً بمسرح الشارع، لا أقصد هنا العروض التي تقدم على الأرصفة وفي ساحات المدن العامة، لكنني أبدو كالكثيرين من عشاق المسرح في العالم العربي مفتوناً بصياغة الشارع الخاصة المستخلصة من إزدحامات هذا الشارع، كتابته وتأليفه وتشكيله على الخشبة على هيئة مقاطع حركية لها لغتها وخصوصيتها ضمن الشرط الجمالي المسرحي، لكنني ومع ذلك لا أقصد إلى هدنة مع هذا الشارع أو جمهوره، بل أسعى عبر مفاتيح الكلام المسرحي لتبيان المحنة الشكلانية لعروض قُدمت بلغة الشارع، مع الحفاظ على تضَّاداته ومعاكسته عبر صناعة النسخة الخاصة عن هذا المكان العمومي إلى درجة الغموض، فالنسخة التي تبدو للجمهور بأنها قريبة وبسيطة، تحمل في تضاعيف وجودها على الخشبة عوالم متراكبة ومعقدة من شوارع صغيرة حاولت أن أستمد منها مشروعية هذا الطرح الفني.
إن الذهاب باتجاه البساطة بمعناها العميق بالتعامل مع اللغة اليومية أو الدارجة ستكون الحامل الرئيس في الخطاب الجديد، اللغة-الكلام، اللغة الحركة، التي تسعى لتقديم ممثل لا تعيقه اللغة بقدر ما تشكله وترسم حضوره على الخشبة، فلا نجعل من هذه اللغة مجردة عن الحضور الإنساني، بل الحضور اللغوي للإنسان ذاته هو ما أراهن عليه في ظل عالم يتغير في كل لحظة، كان لابد من المراهنة على قدرة الإنسان في مواجهة العصر الجديد للآلة، مواجهتها بفنون عزلاء تماماً، طاقة الممثل على العطاء حتى النهاية، فرادة الكائن وطزاجته الروحية؛ في كل مرة تفتن البروفة بزمنها المفتوح على التأمل وإعادة النظر، هذا الزمن المفتوح على احتمالات لانهائية، سيمكِّن المشتغلين في المسرح من التعرُّف على أنفسهم وعلى الآخر، أقصد الجمهور الذي لم يعد كتلة صمَّاء واحدة، جمهور خرج من صلابته القديمة واحتكَّ بالتكنولوجيا في أكثر تمظهراتها وحشية وغشامة، وحيث أيضاً وأيضاً يكتشف المسرحيون ضالتهم مع الممثل في حدود البشري، وليس في تحويل هذا الممثل إلى نوع غريب من التماهي مع التكنولوجيا، وذلك من أجل جعل كهرباء الممثل وطاقته نموذجاً مباغتاً وصادماً لجمهور العرض المسرحي، وهنا كانت اللغة من جديد للاتصال البريء، عبر كتابة مباشرة للممثل تضعه أمام نوعية جديدة من الأداء وفق حذف وإضافة أزمنة البروفة إلى المعادل الكلي لزمن العرض، بمعنى آخر أن يكون العرض المسرحي بمثابة البروفة المستمرة مع الحفاظ على عدم التوقف لاستراحات تتطلبها مواجهة الجمهور، والحياء الأدبي في تقديم كل شيء له من ألفه إلى يائه.
هذا العرض غير المكتمل رغم تحية الجمهور عند كل مرة من إتمامه وظيفياً كان برأيي سيأخذ المغامرة المسرحية إلى كتابة الإيقاع المسرحي المتولِّد من رحم الكلام؛ وبطريقة الشك الدائم بما يقوم به المبدع المسرحي المعاصر سيكتشف تنغيم الجمل القصيرة المحمومة التي يكتبها مراراً وتكراراً على مساحة الركح، الجمل اللاهثة المستترة في ضمير عرض مسرحي لا يعرف الختام ولا يريده، لذا لابد أن يكون كل شيء في مكانه الافتراضي، مكانه الرياضي المتحول دونما هوادة، فمع بزوغ أنماط متعددة من أشكال إبهار الجمهور وتعميته عن الإنسان، سيقع علينا الاختيار في أن نبقي على كل شيء في مساحته التي نختارها، الفوضى بمعناها النفسي لا الفيزيائي، الفوضى المسرحية القادرة على أن تتلاطم في علاقات متشابكة وغير منتهية، وكما كل شيء حي سيحقق الممثل مفازاته جميعها، فلن يتقزم، ولن يشعر بالغبن إزاء غطرسة ما يمكن إنجازه عبر مفاتيح الآلة، بل سيكون وحده، ووحده تماماً في مجابهة عيون الجمهور، وحده وفق حساسية الضوء، وقدرته في نحت هذا الممثل وتنظيفه من سطوة الإبهار وضرورته في التعبير عن روح العصر، وبالمناسبة ما هي روح العصر هذه؟ وكيف يعبر عنها المسرحيون؟ هل التكنولوجيا وحدها من يعبر عن روح هذا العصر، أليست النار الأولى تكنولوجيا البدائيين، أليست رماح الإنسان الأول بمعناه الأنتربولوجي تكنولوجيا، إذاً ماذا نريد من كل هذا العتاد المسرحي الجديد؟ وهل بالفعل يتوجب على المسرحيين أن يزجوا بكل عناصر المالتيميديا على خشبة المسرح؟ أعتقد أن ذلك لن يجدي نفعاً أمام أنواع أخرى من حقها ومن منطق شغلها استخدام كل ذلك، فالسينما اليوم قادرة ومطالبة على أي حال باستخدام وتوظيف كل هذا، أما في المسرح فلا شيء يمكن تغليبه على فرادة الممثل، وهذا لا ينضوي تحت غلواء خاصة لهذا الممثل، بقدر فهمي لدوره الجديد في مواجهة العفش الثقيل لتقنيات تريد أن تجعل من الممثل إكسسواراً متكلماً وسط ضجة بصرية وصوتية على مساحة الخشبة.
الإثنين أبريل 01, 2013 8:40 am من طرف غزوان قهوجي
» غزوان قهوجي
الإثنين أبريل 01, 2013 8:36 am من طرف غزوان قهوجي
» مختبر فضا المسرحي
الأربعاء فبراير 13, 2013 8:44 am من طرف غزوان قهوجي
» مهرجان لمسرح الشباب العربي في بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:07 am من طرف غزوان قهوجي
» مهيمنات ( السلطة ) وتنويعاتها الإسلوبية في بعض عروض مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:02 am من طرف غزوان قهوجي
» مقالة جميلة عن مولانا
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:50 am من طرف غزوان قهوجي
» خبر عن مشاركة الفرقة في مهرجان بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:39 am من طرف غزوان قهوجي
» أم سامي
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:10 pm من طرف همسة حب
» حدث في سوريا : دعوى قضائية شد الله !!!!!
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:06 pm من طرف همسة حب
» حكايا طريفة
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:01 pm من طرف همسة حب
» السر بشهر العسل
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:56 pm من طرف همسة حب
» عندما يتفلسف الحمار
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:53 pm من طرف همسة حب
» حكمة : كن نذلا تعيش ملكاً ........!!!
الثلاثاء نوفمبر 06, 2012 2:44 am من طرف همسة حب
» فــوائـد الـزوجــة الـنـكـديــة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:21 am من طرف همسة حب
» شو كان لازم يعمل ؟
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:18 am من طرف همسة حب