د.راسل كاظم ( كلية الفنون الجميلة )
ما بين التأريخ كمادة والفن كإبداع، هناك مساحات جمالية تتشكل وتتأطر على وفق ما يرتأيه المؤرخ أو الفنان، وبلا شك إن التأريخ والمسرح يلتقيان في مناطق ويختلفان في مناطق أخرى، فالتأريخ يؤرخ الفعل الإنساني، أما المسرح فيحلق في مدارات هذا الفعل، فالمسرح بحث في وجدان ألذات “ذات الفرد وذات الجماعة” وبذلك فهو يؤرخ الحقيقة والحلم والفرح والألم والخوف والغضب، لذا فهو يكامل التأريخ في تكوين صورة أو لوحة كلية عن الإنسان تراعي في أحداثها ما تخلف أوبطن، كما أن التأريخ ينقل الأحداث عبر الوصف والسرد ويرتبط بالماضي، أي بما حدث وإنقضى، أما المسرح فهو حياة تنبض “الآن وهنا” وبذلك فهو يتجاوز “كان” السردية إلى “يكون” أو “يمكن أن يكون” والمسرح تأريخ لما أهمله التأريخ لأنه حفريات في ماورائيات الحدث والفعل والشخصية، إنه يؤرخ للمخفي والمستتر، والماضي في المسرح قبل أن يكون وقائع، فهو مبادئ وقيم وحقائق وبذلك فهو قافز زمنياً، لأن القيم وجدت يوماً وتوجد الآن ويمكن أن توجد مستقبلاً.
لقد نقل بعض الكتاب التأريخ حرفياً وكثيراً من المسرحيات التأريخية تكاد تخلو من البعد الدرامي بسبب تركيزهم على إ'حياء الحدث التاريخي أكثر من دراميته، أما البعض الآخر من الكتاب فقد إعتمد على إسلوب وثائقي سردي لا يحمي التأريخ، لكنه يكتفي بأن يحكيه وذلك إعتماداً على الوثائق والبيانات، أما النوع الثالث من الكتابة للمسرح فهو لا يحيي ولا يحكي الأحداث والوقائع، إنما يعيد كتابتها وصياغتها من جديد، إنه لا يتعامل مع التأريخ بجمود إنما يكتفي بعناصره الأساسة، تلك العناصر التي يعيد تركيبها داخل أطر جمالية تختزل وتشذب كل ما هو غير فني، فالأساس إذن ليس التأريخ في حد ذاته،إنما موقف الكاتب وهو موقف ينطلق من رؤية معاصرة ترى الماضي بعين الحاضر، وتقرأ التأريخ قراءة إنتقائية جمالية، والحدث التأريخي يفقد هويته “كما يقول أرسطو” بمجرد دخوله في إطار العمل الأدبي والفني فيكتسب عندئذ هوية جديدة تنتمي إلى السياق الفني، والتأريخ “كأحداث مدونة” يحتاج إلى قراءة وكل قراءة بحاجة إلى منهج معين تسير في ضوئه، أي إنها بحاجة إلى أدوات معرفية أو إستراتيجية قراءة، لهذا يختلف وتتباين القراءات ومن هنا ينشأ التشتت في الرؤية والقراءة والتقييم، فهناك من يعتمد التفسير المادي الجدلي، وبذلك فهو يربط الوقائع بالإنتاج ووسائل الإنتاج، وهناك من يقرأ التأريخ قراءة سايكلوجية “فرويدية” منطلقاً من “الجنس” ومن عقده بإعتباره المحرك الأساس في صناعة الظواهر التأريخية والإجتماعية كما يمكن قراءة التأريخ من فهم وجودي قائم على حرية الفرد وإختياراته الوجودية وماهيته وكينونته “إلخ” من القراءات المختلفة والمتنوعة.
كما لا بد الأخذ بنظر الإعتبار أنه يوجد نوعان من التأريخ، الأول هو التأريخ الحي الذي تربطه بالحاضر خيوط متينة وله إمتدادات تؤثر بشكل أو آخر على نمط إستقراء التأريخ الآني، فهو تأريخ حاضر بقوة وقوته مستمدة من توالده وتناسله غير سلسلة متصلة عبر منقطعة من الأفكار والمواقف التي إمتلكت آليات التواصل والبقاء، وهذا النوع من التأريخ لا يمتلك المرونة الكافية لتشكله درامياً، فالأحداث والمواقف هي نصوص حية في ذاكرة المتلقي تزخر بالعواطف المتئدة والأفكار الجامدة، أما النوع الآخر من التأريخ فهو التأريخ الميت الذي هو جزء من الماضي السحيق كما إنه منقطع عن الإتصال الديناميكي بالحاضر، وبذلك يشكل تأريخاً بشرياً عاماً غير مرتبط بأفكار وأيديولوجيات حاضرة معاصرة، وهو بهذا يمتلك المرونة في التشكيل الدرامي ويعد مادة دسمة للفنان في بث روح جديدة للحدث التأريخي وإعادة صياغته على وفق ما يمكن أن يكون، فالتأريخ هو مجموعة محطات إنسانية يمكن الإستفادة منها للتلاقح مع الحاضر وأخذ العبر من الماضي، والتناول المسرحي والدرامي لهذا النوع من التأريخ يكمن في الكشف عن هذه الومضات لما لها من تأثير من حاضر الإنسان وتسمح لنوافذ الذهن في بقائها مفتوحة تبحث دائماً عن شواهد جديدة، فالصور والمعلومات التي تدخل في التجربة الجمالية تترك أثراً في تكوين رأي خاص في الجمال يتباين مع بقية الآراء، والموقف الجمالي شأنه شأن أي موقف آخر هو موقف إنتقائي، فنحن لا نرى كل شيء دفعة واحدة، كما لا نعد كل ما نراه أو نسمعه متساوي الأهمية.
من هنا يمكن القول أن رصد التأريخ من خلال متغيراته السطحية أو وقائعه المدونة هو من إختصاص التأريخ، أما رصد الجوهر والعلاقات غير المعلنة بذلك فهو من إختصاص الآداب والفنون بصورة عامة والمسرح بشكل خاص، فالمحاكاة في المسرح تتخذ مدلولات جديدة إذ تصبح محاكاة لمبدأ الواقع التأريخي وليس تكراراً له، فالمسرح يعيد للتأريخ غرابته وأهميته حتى يثير فينا الإحساس بالإندهاش ويكون الإندهاش مدخلاً للتساؤل ويكون التساؤل حافزاً للتفكير والتغيير، فالعقل لا ينشط إلا حين يلمس التناقض في الأشياء والغرابة والتفكك، فكل ما هو عادي بديهي يريح العقل ولا يتعبه، لذا فإكتشاف غرابة الأشياء هي المدخل الأساس للتفكير والتأمل والمراجعة، فالواقع أصغر من المتصور والمحسوس أضيق من المتخيل، والحاضر مختلف عن المستقبل، واليومي ليس أجمل من الحلم
ما بين التأريخ كمادة والفن كإبداع، هناك مساحات جمالية تتشكل وتتأطر على وفق ما يرتأيه المؤرخ أو الفنان، وبلا شك إن التأريخ والمسرح يلتقيان في مناطق ويختلفان في مناطق أخرى، فالتأريخ يؤرخ الفعل الإنساني، أما المسرح فيحلق في مدارات هذا الفعل، فالمسرح بحث في وجدان ألذات “ذات الفرد وذات الجماعة” وبذلك فهو يؤرخ الحقيقة والحلم والفرح والألم والخوف والغضب، لذا فهو يكامل التأريخ في تكوين صورة أو لوحة كلية عن الإنسان تراعي في أحداثها ما تخلف أوبطن، كما أن التأريخ ينقل الأحداث عبر الوصف والسرد ويرتبط بالماضي، أي بما حدث وإنقضى، أما المسرح فهو حياة تنبض “الآن وهنا” وبذلك فهو يتجاوز “كان” السردية إلى “يكون” أو “يمكن أن يكون” والمسرح تأريخ لما أهمله التأريخ لأنه حفريات في ماورائيات الحدث والفعل والشخصية، إنه يؤرخ للمخفي والمستتر، والماضي في المسرح قبل أن يكون وقائع، فهو مبادئ وقيم وحقائق وبذلك فهو قافز زمنياً، لأن القيم وجدت يوماً وتوجد الآن ويمكن أن توجد مستقبلاً.
لقد نقل بعض الكتاب التأريخ حرفياً وكثيراً من المسرحيات التأريخية تكاد تخلو من البعد الدرامي بسبب تركيزهم على إ'حياء الحدث التاريخي أكثر من دراميته، أما البعض الآخر من الكتاب فقد إعتمد على إسلوب وثائقي سردي لا يحمي التأريخ، لكنه يكتفي بأن يحكيه وذلك إعتماداً على الوثائق والبيانات، أما النوع الثالث من الكتابة للمسرح فهو لا يحيي ولا يحكي الأحداث والوقائع، إنما يعيد كتابتها وصياغتها من جديد، إنه لا يتعامل مع التأريخ بجمود إنما يكتفي بعناصره الأساسة، تلك العناصر التي يعيد تركيبها داخل أطر جمالية تختزل وتشذب كل ما هو غير فني، فالأساس إذن ليس التأريخ في حد ذاته،إنما موقف الكاتب وهو موقف ينطلق من رؤية معاصرة ترى الماضي بعين الحاضر، وتقرأ التأريخ قراءة إنتقائية جمالية، والحدث التأريخي يفقد هويته “كما يقول أرسطو” بمجرد دخوله في إطار العمل الأدبي والفني فيكتسب عندئذ هوية جديدة تنتمي إلى السياق الفني، والتأريخ “كأحداث مدونة” يحتاج إلى قراءة وكل قراءة بحاجة إلى منهج معين تسير في ضوئه، أي إنها بحاجة إلى أدوات معرفية أو إستراتيجية قراءة، لهذا يختلف وتتباين القراءات ومن هنا ينشأ التشتت في الرؤية والقراءة والتقييم، فهناك من يعتمد التفسير المادي الجدلي، وبذلك فهو يربط الوقائع بالإنتاج ووسائل الإنتاج، وهناك من يقرأ التأريخ قراءة سايكلوجية “فرويدية” منطلقاً من “الجنس” ومن عقده بإعتباره المحرك الأساس في صناعة الظواهر التأريخية والإجتماعية كما يمكن قراءة التأريخ من فهم وجودي قائم على حرية الفرد وإختياراته الوجودية وماهيته وكينونته “إلخ” من القراءات المختلفة والمتنوعة.
كما لا بد الأخذ بنظر الإعتبار أنه يوجد نوعان من التأريخ، الأول هو التأريخ الحي الذي تربطه بالحاضر خيوط متينة وله إمتدادات تؤثر بشكل أو آخر على نمط إستقراء التأريخ الآني، فهو تأريخ حاضر بقوة وقوته مستمدة من توالده وتناسله غير سلسلة متصلة عبر منقطعة من الأفكار والمواقف التي إمتلكت آليات التواصل والبقاء، وهذا النوع من التأريخ لا يمتلك المرونة الكافية لتشكله درامياً، فالأحداث والمواقف هي نصوص حية في ذاكرة المتلقي تزخر بالعواطف المتئدة والأفكار الجامدة، أما النوع الآخر من التأريخ فهو التأريخ الميت الذي هو جزء من الماضي السحيق كما إنه منقطع عن الإتصال الديناميكي بالحاضر، وبذلك يشكل تأريخاً بشرياً عاماً غير مرتبط بأفكار وأيديولوجيات حاضرة معاصرة، وهو بهذا يمتلك المرونة في التشكيل الدرامي ويعد مادة دسمة للفنان في بث روح جديدة للحدث التأريخي وإعادة صياغته على وفق ما يمكن أن يكون، فالتأريخ هو مجموعة محطات إنسانية يمكن الإستفادة منها للتلاقح مع الحاضر وأخذ العبر من الماضي، والتناول المسرحي والدرامي لهذا النوع من التأريخ يكمن في الكشف عن هذه الومضات لما لها من تأثير من حاضر الإنسان وتسمح لنوافذ الذهن في بقائها مفتوحة تبحث دائماً عن شواهد جديدة، فالصور والمعلومات التي تدخل في التجربة الجمالية تترك أثراً في تكوين رأي خاص في الجمال يتباين مع بقية الآراء، والموقف الجمالي شأنه شأن أي موقف آخر هو موقف إنتقائي، فنحن لا نرى كل شيء دفعة واحدة، كما لا نعد كل ما نراه أو نسمعه متساوي الأهمية.
من هنا يمكن القول أن رصد التأريخ من خلال متغيراته السطحية أو وقائعه المدونة هو من إختصاص التأريخ، أما رصد الجوهر والعلاقات غير المعلنة بذلك فهو من إختصاص الآداب والفنون بصورة عامة والمسرح بشكل خاص، فالمحاكاة في المسرح تتخذ مدلولات جديدة إذ تصبح محاكاة لمبدأ الواقع التأريخي وليس تكراراً له، فالمسرح يعيد للتأريخ غرابته وأهميته حتى يثير فينا الإحساس بالإندهاش ويكون الإندهاش مدخلاً للتساؤل ويكون التساؤل حافزاً للتفكير والتغيير، فالعقل لا ينشط إلا حين يلمس التناقض في الأشياء والغرابة والتفكك، فكل ما هو عادي بديهي يريح العقل ولا يتعبه، لذا فإكتشاف غرابة الأشياء هي المدخل الأساس للتفكير والتأمل والمراجعة، فالواقع أصغر من المتصور والمحسوس أضيق من المتخيل، والحاضر مختلف عن المستقبل، واليومي ليس أجمل من الحلم
الإثنين أبريل 01, 2013 8:40 am من طرف غزوان قهوجي
» غزوان قهوجي
الإثنين أبريل 01, 2013 8:36 am من طرف غزوان قهوجي
» مختبر فضا المسرحي
الأربعاء فبراير 13, 2013 8:44 am من طرف غزوان قهوجي
» مهرجان لمسرح الشباب العربي في بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:07 am من طرف غزوان قهوجي
» مهيمنات ( السلطة ) وتنويعاتها الإسلوبية في بعض عروض مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:02 am من طرف غزوان قهوجي
» مقالة جميلة عن مولانا
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:50 am من طرف غزوان قهوجي
» خبر عن مشاركة الفرقة في مهرجان بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:39 am من طرف غزوان قهوجي
» أم سامي
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:10 pm من طرف همسة حب
» حدث في سوريا : دعوى قضائية شد الله !!!!!
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:06 pm من طرف همسة حب
» حكايا طريفة
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:01 pm من طرف همسة حب
» السر بشهر العسل
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:56 pm من طرف همسة حب
» عندما يتفلسف الحمار
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:53 pm من طرف همسة حب
» حكمة : كن نذلا تعيش ملكاً ........!!!
الثلاثاء نوفمبر 06, 2012 2:44 am من طرف همسة حب
» فــوائـد الـزوجــة الـنـكـديــة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:21 am من طرف همسة حب
» شو كان لازم يعمل ؟
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:18 am من طرف همسة حب