مسرحية
قُمامه
الشخصيات
ـ الأمُ
ـ الزوجة (عفاف)
ـ الزوج (شريف)
ـ مجموعة من الزبائن
المكان
لا يتعدى أن يكون صالة بيت واسعة، هناك أكثر من غرفة تتوزع على امتداد حجم الفسحة، نرى بعض الأرائك العتيقة القاتمة اللون والتي تشترك الستائر معها باللون نفسه، باب رئيس يتوسط المكان.. يؤدي إلى خارج البيت.
ـ نرى الكثير من الرجال ـ الزبائن ـ يدخلون ويخرجون، هناك حركة مستمرة لهذا الفعل، نلاحظ بوضوح أن أغلب هؤلاء الرجال يعانون من إعاقة في أطرافهم.
ـ نسمع بعض الصياح لمجموعة من الرجال خارج البيت... سرعان ما يظهر (زبون) في الصالة ومعه مجموعة من الرجال الذين يحاولون منعه من الدخول إلى إحدى الغرف.
ـ تخرج (الأم) من غرفتها إثر الصياح.
الأم: ماذا يحدث؟ أين عفاف؟ (تنظر إلى زبون) من هذا؟
(للزبون) ماذا تريد؟
زبون: أنا، أنا، أنا...
الأم: (بحزم) لا وقت لدينا.. أخرجوه من هنا..!
زبون: ما يحق لغيري يحق لي.
الأم: أتريد أن تخترق قانون هذا المكان برجولة متأخرة أيها الأنا؟
زبون: أنا أحد الأبطال الذين كانوا يتمتعون برجولة خارقة.
الأم: عليك أن تتوب وتعلن براءتك من رجولتك القديمة، أو تغادر بصمت. هذا المكان لا يستقبل سوى بقايا الرجال!
زبون: وأنا من تلك البقايا.
الأم: الآن يمكن أن تكون أحد بقايا هذا البيت، أيها الرجال اكتبوا اسمه في القائمة... (تضحك بسخرية وتنصرف إلى إحدى الغرف، وينصرف بعدها الرجال بعشوائية)
(يدخل مباشرة (شريف) على كرسي معوقين، يبدو بلا ساقين، يتفحص أجزاء البيت جيداً، ينظر باستغراب واضح إلى كلّّ التفاصيل...)
عفاف: (تخرج من غرفتها،) شريف جديد...!
الأم: (تخرج من غرفتها) شريف آخر.
عفاف: زبون كما يبدو يريد أن يضاف إلى القائمة...
الأم: فضلات لم نعهدها هنا من قبل!
عفاف: أخطاء يا عمتي. يعتقد الرجال أن هذا البيت هو جمعية الرفق بالموتى.
الأم: (تصيح) من قذف بهذه الوساخة داخل البيت؟
عفاف: حتى أنصاف الرجال يبحثون عن نصفهم المفقود في هذا المأوى، أخطاء...
(شريف يتحرك بكرسيه باتجاهات مختلفة.. يبدو في حالة قلق)
عفاف: رضينا برجال بلا ذراع، وآخرين بساق واحدة، وقبلنا برجل قطع لسانه، وآخر مشلول.. لكن أن نرضى بنصف رجل، نصف.. هذا في منتهى الرخص يا عمتي.
شريف: (ينظر إليهن وكأنه يراهن لأول مرة)
الأم: اجلبي المكنسة
عفاف: عندما تكثر الوساخات يا عمتي نقوم عادة بحرقها.
الأم: لم اخترت حفرتنا من بين جميع الحفر المنتشرة في شارعنا؟
شريف: (لا يرد........)
عفاف: أزمة زبائن.. لا أخفيك سراً أيها الـ...، عملنا بدأ يتراجع إلى الحضيض، فماذا يعني، مثلاً، مثلاً.. أن نضطر، انظر، نضطر لأن نستقبل بقايا مثلك.
الأم: شكلك يبدو مضحكاً، غريباً، بائساً.. ما اسمك؟
شريف: (يبتسم لها...)
عفاف: لم الأسماء يا عمتي؟ ينادونه: يا نصف رجل، أو أنت أيها المقعد، أو يا صاحب الكرسي، يا بقايا، يا كومة العظام.. كمٌّ هائل من الألقاب...
الأم: (تضحك بسخرية) أو أيها المربع، أو المستطيل (بحزم) يمكنك أن تأتي...
عفاف: (تقاطعها) أن تأتي يوم غد، انصرف الآن، لدينا من المواعيد ما يكفي لثلاثين ساعة في اليوم الواحد، هيا انصرف يا مربع. (تهمان بالانصراف)
شريف: ................. إلى أين؟
(تتوقفان)
عفاف: عمتي.. يتكلم!
الأم: لاحظت ذلك (تجيبه) إلى برميل آخر، فالبراميل متوفرة في شارعنا بكثرة.
عفاف: حسبته مجرد أربعة أضلاع لا يتكلّم.
الأم: انظري.. (تشير إلى جسده) إنه هنا يشكل زاوية قائمة.
عفاف: شكل هندسي بديع (تضحكان)
الأم: (تزجره) هيا اخرج بكرامتك.. أفضل من أن تخرج زاحفاً.
شريف: لي هنا ذكريات جميلة.
عفاف: ها.. حدست ذلك، مجنون، إنه مجنون..
الأم: (تصيح به) اخرج.. يمكنك أن تذهب إلى أقرب مصحة من هنا.
شريف: كنت أتصوركما عندما تشاهداني ستحملاني على كتفيكما، لكنكما كما يبدو لا تحملان الجثث.
عفاف: لم نرك هنا سابقاً
شريفك حكاية قديمة
الأم: ومن دفع بحكايتك إلى هنا؟
شريف: أعرف الطريق جيداً.
عفاف: منذ متى؟
شريف: العمر بأكمله.. كنت أجوب هذا البيت في طفولتي ركضاً، أنتقل من غرفة إلى أخرى، أمرح، ألعب، أضحك.. وعندما كبرت...
الأم: العب بعيداًَ من هنا أيها الصغير.
شريف: لا أعرف مكاناً سواه.
عفاف: لقد أخرتنا، لدينا عمل، هيا اخرج.
الأم: سندفعك.. نرميك خارجاً.
شريف: ألم تعرفاني؟
عفاف: نعرفك؟!
الأم: من أنت؟
شريف: (يصيح فرحاً) أنا شريف.. شريف..
الأم: شريف؟ اسم لا أتذكر ماذا يعني.
عفاف: إياك أن تعيد هذه الكلمة هنا.. إياك، سيقتلونك، إنَّها من الكلمات المحظورة والتي يمكن أن تتسبب في هلاك هذا البيت والبيوت المجاورة، والبيوت التي تجاور البيوت الأخرى، والأخرى التي تجاور الأخرى والـ.........!!
شريف: يقتلونني؟ أنا شريف (للأم) ابنك، شريف يا أمي!
الأم: شريف؟!
شريف: (للأم) نسيتني؟
الأم: وحيدي فقط منذ سنين طويلة في حكاية تحكيها الأمهات لأولادهن كلّّ ليلة، حكاية اسمها الحرب
شريف: أنا هو، شريف.. يا لسعادتي وأنا أراكما مرة أخرى، زوجتي الحبيبة.. يا عفاف.
عفاف: شريف.. أين كنت.؟
شريف: قصة طويلة.. لقد بتر اللغم ساقيّ.. وعندما أفقت من غيبوبتي، وجدت نفسي أسير حرب لا أعرف لماذا وضعت في داخلها.
الأم: تغيرت كثيراً.. وجهك، جسدك، شعرك...
شريف: فقدت دماً كثيراً.
عفاف: (بتهكم) مبارك لك أيتها الزوجة الغالية، هاهو زوجك البطل يعود ميتاً، يا لفرحتي بك.
الأم: (تنادي بهستيريا) يا رجال.. عاد ابني، عاد بعد غيبة، دعونا أيها الرجال نحتفل الليلة بعودته (تصيح).. يبووووي، عادت جنازة ابني...
شريف: فرحة بعودتي، أعرف ذلك، ما أسعدني بكما، كم هو رائع أن يجد أحدنا صدراً دافئاً يختبئ فيه من مرارة الغياب (بغباء) كيف حالكما؟
الأم: (بصلابة) لم عدت هكذا يا شريف؟ كان عليك أن تعود كما خرجت آخر مرة من البيت.
شريف: لم أكن أملك أمر نفسي.
الأم: أعذاركم دائماً لا تتناسب وأعماركم أيها الرجال!
عفاف: (تنظر إلى ساقيه) أين ساقاك؟
شريف: نسيتهما في أرض الحرام.
الأم: كان عليك أن لا تعود
شريف: (ببلادة أكثر) عدت من أجلك يا أمي، هيا تقدمي وعانقي ابنك الوحيد.. بسرعة (يتقدم نحوها، تبتعد عنه).
الأم: (صارخة به) ابتعد...!
شريف: (محرجاً) كيف؟ كيف أبتعد وقد عدت من أجل عينيك؟ أنت يا زوجتي.. ما هذا البرود؟ حبيبك عاد أخيراً، تعالي يا عفاف، أيتها الحبيبة.. لقد عدت من أجل بيتنا، طفولتي، أصدقائي، ذكرياتي، أهل شارعنا الطيبين، عدت من أجل أن أعوض برؤيتكما ما سلبوه مني.
عفاف: الذي أخذوه منك أهون بكثير مما سلبوه منا!
شريف: كلّّ شيء سيعود كما كان وأفضل.. ها أنذا عدت.
الأم: تضحك على من؟
شريف: وأنا في طريقي إليكما، قلت: سأستغني عن هذا الكرسي اللعين، أنتما ساقاي.
الأم: الأفضل أن تستغني عنا.
شريف: لا أحد يترك أمه.
الأم: كنت أمك، أنا الآن امرأة أخرى.
شريف: لا بأس يا أمي، لا بأس.. أعلم أنك لم تصدقي أنني عدت، سعادتك جعلتك لا تعرفين حتى كيف تتكلمين، يقال في اللحظات المفاجئة يقع الكلام صريعاً، أنا مفاجأة، مفاجأة سارة، لقد عدت إليك يا أمي، ابنك وحبيبك، الله، الله.. كنت لا تنامين ليلك من أجل أن أكون رجلاً، ما أسعدني بك، كم أنا فخور بك يا أمي وأنت كذلك يا زوجتي.
عفاف: (بسخرية) نعم.. مثلك عليه أن يفخر كثيراً، مثلك عليه أن يشرب ويأكل فخراً، وينام على فراش من الفخر...
شريف: (يقاطعها) لقد صنعت مني رجلاً يا أمي.
الأم: رجل؟ لمن؟ أين هي رجولتك (تصرخ به) في أي قبر أضعت شبابك؟
شريف: الحرب، حروبهم ، لا شأن لي.
عفاف: غادر.. الأفضل لك أن تغادر من هنا.
شريف: أغادر؟ إلى أين؟
عفاف: إلى الذين انتزعوا منك بيتك ووهبوك كرسياً كهدية ثمينة مقابل أن تعود إليه شبه رجل، عد وسلهم عن عنوان بيتك القديم.
شريف: هذا هو بيتي، أنا على يقين...
عفاف: (تقاطعه) لا باب لبيتك، لهذا الصرح الذي شيدته من ورق.
شريف: اطمئني يا حبيبتي، سأشتري باباً قوياً، لن أدع الريح تمس ثوبك.. لا تقلقي
الأم: دعنا وشأننا أيها الشخص.
شريف: شخص؟! (يصرخ بها) أمي، أنا شريف، أيمكن أن تكون أمومتك قَدْ تعطلت عن العمل؟
الأم: لا أعرفك، شريف الذي أعرفه خرج من البيت بساقين.
شريف: قلت لك..
الأم: لا أعرف.
عفاف: قلنا لك لا نعرف
الأم: انصرف الآن بعيداً، المكان لا يستوعب وساخات أكثر.
شريف: لمن ألجأ بعد أن أقذف من هنا؟
عفاف: إبحث لك عن مأوى يؤوي ما بقي منك، لا تحتاج إلى مساحة واسعة، أعتقد أن متراً في متر يكفي لمربعك.
شريف: قسوتكما لم أعهدها من قبل.
عفاف: من قبل متى، هه متى؟ تكلم، متى...؟
شريف: لا أدري.. ماذا حدث لكما؟
عفاف: ما حدث لنساء شارعنا الجميلات، الرائعات، النقيات.. أتتذكرهن؟ اللواتي كن كما الملائكة لا يعرفن طريقاً آخر، أتدري لقد سلكن ألف طريق.
الأم: ما حدث لأمهات شارعنا الطيبات، اللواتي لم تفارق أكتافهن العباءات، أتتذكرهن؟ أصبحن بلا عباءات ولا ثياب ولا...
شريف: لا أفهم سر الغموض هنا.
عفاف: ألم تشاهد ما حصل لشارعنا؟
شريف: شاهدت، نعم، أبواب البيوت مشرعة، ما تفسير ذلك؟ أحدهم ذو شارب طويل وكث ينادي بكلمات لم أفهمها، إحداهن، رباه، أعرفها خرجت بنصف ثياب، إنَّها زوجة شريفة كنا نضرب بشرفها الأمثال، زوجة جارنا خرجت هي الأخرى إلى الشارع ولكن بربع ثياب.. وجوه غريبة لم يثرها وجودي، قلت ربما تحول شارعنا إلى سوق.
عفاف: سوق من نوع خاص.
الأم: زبائن كثيرون...
شريف: رجال يدخلون ويخرجون من بيتي، لا أعرفهم، من هؤلاء؟
الأم: أمثالك يا شريف، وجدوا ضالتهم في هذا السوق بعدما ملت الأرصفة من نومهم الثقيل وزعيق شخيرهم.
شريف: سوق، سوق، أي سوق؟
الأم: سوق للأجساد الطرية الناعمة.
شريف: في شارعنا؟
عفاف: في شارعنا، وفي بيتك...!
شريف: في في في في في بيتي؟! هنا؟!
الأم: هنا في هذه الغرف (تشير إلى الغرف)
شريف: بيتي، غرفتي، هنا؟ كيف لي أن أقف على قدميّ وقد أكلني الصمت (يصرخ) من أكون؟ من من من من من من من؟
(توقف...)
(شريف وحده)
شريف: هل أنا هو؟ وإذا كنت هو؟ فمن تلك وتلك وهؤلاء؟ وهذا البيت هل هو هو؟ كنت كما أعتقد رجل هذا المكان، كنت بطلاً هنا، شجاعاً.. أتذكر ذلك جيداً. ماذا حدث؟ ياه.. أشعر بأنني لا أفهم شيئاً (بجنون) هل أنا هو؟ هو فعلاً؟ أم أنا لست بـ... هو فعلاً (يتحرك بكرسيه بجنون...)
الأم: (تظهر...) ما بك؟
شريف: أفكر...
الأم: تستطيع؟ لا بأس، بم؟
شريف: لنتخلص من زوجتي يا أمي، نطردها، نرميها خارجاً.
الأم: عفاف؟
شريف: لم تعد بعفاف.
الأم: تتآمر معي ضدها؟
شريف: لا يمكن أن تستمر معي.
الأم: (تضحك) لا يمكنك أنت أن تستمر معها.
شريف: أنا ابنك.. كيف تصبحين ضدي؟
الأم: دعنا من مفردات حروبك، زوجتك مصدر قوتنا، نأكل من تعبها، أتستطيع أن توفر بديلاً لهذا المصدر؟!
شريف: كما ترين..
الأم: مقعد.. لا تقوى على الحركة، ميت، إذاً دعنا نعش كما نريد.
شريف: أنا أرغب في أن أعيش أيضاً.
الأم: الموتى هم الموتى.. كيف يعيشون؟
شريف: أتمنى لو أملك قليلاً من القوة.
الأم: لو كنت تملك قليلاً قليلاً من القوة لما حدث هذا مطلقاً.
شريف: هذا بيتي وعليكما مغادرته حالاً.
الأم: دعك من هذه الكلمات الجاهزة.. لن تنفعك.
شريف: لقد سقطتما في الرذيلة.
الأم: (تزجره) أرجوك.. سمها الديمومة، عندما تكون الرذيلة سبباً في ديمومة الإنسان تسمى الفضيلة.
شريف: الرذيلة.. هي الحد الفاصل بين أن تكون فرداً جميلاً أو أقبح مخلوق.
الأم: الرذيلة.. أن يكون الفرد سبباً في دمار فرد آخر.. نسمي عند ذاك ما تسميه رذيلة.. نحن هنا نمارس شرفنا بطريقتنا المشرفة.
شريف: أكاد لا أعرفك.. لا أعرفك يا أمي.
الأم: ليست هناك مشكلة.
شريف: لنعش أنا وأنت ونطرد هذه المرأة الساقطة، ننظف البيت من نتانة علقت به واستفحلت.
الأم: ونموت جوعاً، هذه هي حلولك، ما أروعك، ما رأيك أن نجوب الطرقات أنا وأنت، أدفعك.. ولكن أنت من عليه أن يشحذ من الناس.
شريف: لنتطهر مما نحن فيه.. أرجوك.
الأم: توهموا فقطعوا رأسك بدلاً من ساقيك.
شريف: لست بمجنون
الأم: كيف يكون الجنون إذاً؟
شريف: لا يمكن أن تكوني أم شريف.
الأم: يلزم أن أرسلك إلى المصحة، تبدو حالتك سيئة، سيعتنون بك هناك، أصدقاؤك ستجدهم بانتظارك، فرصة طيبة أن تلتقي بأصدقائك القدامى، المحاربون القدامى، تعرفهم جيداً، منهم من بترت ذراعه،
أو ساقه، ومنهم من جاء بلا رجولة وآخرون اكتشفوا أنهم بلا رؤوس...
شريف: أفعلوا ذلك بهم حقاً؟
الأم: ستراهم بنفسك.
شريف: عقلي لم يصب بأذى
الأم: من قال لك ذلك؟
شريف: أشك بأمومتك.
الأم: وهذه علامة جنون أخرى.
شريف: أرجوك أن تقولي أنك لست بأمي.
الأم: ما الفرق؟
شريف: لم أصبحتم هكذا؟ لم؟
الأم: ماذا كنت تنتظر أن نكون عندما غبت هذه الغيبة الطويلة جداً؟ بيت بلا رجل، بلا جدران، امرأتان في ليل لا ينتهي، موحش، كئيب. في مطبخنا يختبئ الجوع، في غرفة زفافك البيضاء جليد لا يقاوم، زوجة تحترق كلّّ لحظة.. ماذا كنت تنتظر؟
شريف: كان عليكما أن تنتظراني.
الأم: انتظرناك، بعنا كلّّ أثاث البيت، لم يسلم سوى سرير واحد استخدمناه فيما بعد في عملنا، حتى ملابسك لم تسلم من البيع، انتظرناك، لكنك تأخرت، تأخرت كثيراً أيها الرجل.
شريف: لننس ما مضى ولنبدأ من جديد، ها أنذا عدت.
الأم: ليتك لم تعد يا صغيري.
شريف: تغيرت كثيراً.
الأم: انظر إلى نفسك.
شريف: الحرب والغياب هما من غيرا شكلي، أما أنت...
الأم: الحرب وغيابك والجوع والعوز وتعاسة الشرف.. هذا ما غيّرنا.
شريف: أنا شريف بحاجة إليك يا أمي.
الأم: أما أنا يا شريف فلست بحاجة إليك.
شريف: رباه.. من هذه؟
الأم: صليت كثيراً ودعوت الله من أجل أن تعود، دعوته حتى ملت دعواتي مني: (اللهم أعده لي سالماً، عزيزاً، اللهم وحيدي ليس لي سواه، إذا كان يرضيك أن تأخذه مني فخذني معه، إلهي.....) (تتوقف، تبكي، تصيح) وها أنت تعود إلى أمك جثة متفسخة.
شريف: لا تسخري مني.
الأم: لا تحتاج إلى سخرية.
شريف: شكلك لا يذكرني بأمي.
الأم: وشكلك لا يذكرني بابني.
شريف: أنت أم بلا ذاكرة.
الأم: غيابك من شطب على تلك الذكريات الجميلة، كانت جميلة.
شريف: خارج إرادتي.
الأم: ماذا أفعل إذا كنت بلا إرادة؟
شريف: أحتاج إلى الصراخ، أن أبكي أو أصيح.. لا أدري، المهم أن تخرج هذي النار من صدري...
عفاف: (تظهر في المكان) لم يصرخ هذا المربع؟
الأم: سلي زوجك الحبيب.
عفاف: (بتهكم) زوجي، اسم الله على زوجي، علامَ كنتما تتفقان؟
الأم: مثلي لا تتفق مع مثله، يمكن أن تستفسري من زوجك الباسل سر هذا اللقاء الثنائي الحميم (تنصرف إلى غرفتها)
عفاف: ضدي؟ أما تستحي؟ لو جئت بساقين ماذا كنت ستفعل؟ أشم رائحة مؤامرة فاشلة.
شريف: يجب أن ننفصل!
عفاف: (تضحك بصوت عال) عن من؟
شريف: تنفصلين عني.
شريفة: ألم ننفصل بعد؟
شريف: أنت زوجتي كما هو معروف.
عفاف: وإذا انفصلنا ماذا يحدث؟
شريف: تغادرين البيت.
عفاف: تصور أنا أقترح أن ننفصل، ولكن أن تغادر أنت.
شريف: هذا بيتي.
عفاف: أخيراً تذكرت أن لك بيتاً، أخيراً.. يا لوعتك.
شريف: لم أكن ألعب.
شريفة: كيف يكون اللعب إذاً؟ أن تترك زوجتك في أول شهر زفافها وتغيب، وتغيب أيها العريس (تصرخ به) اسكت، لا تتكلم.
شريف: أرجوك أن تغادري، أيناسبك هذا الرجاء؟
عفاف: تحلم كثيراً أيها المربع.
شريف: (يحاول الصراخ) لا تقولي مربع، أتوسل إليك، اخرجي، اخرجي، اخرجي أيتها الحبيبة، التي كانت حبيبة.
عفاف: حبيبة! إلى أين أخرج؟
شريف: لا أدري.. المهم أنني لا أريد أن أراك.
عفاف: أكلتم غذاءكم على مائدة شقائي، وها أنذا أطرد كعجوز أصابت التجاعيد وجهها.
شريف: أنت العار الذي صبغ وجه هذا البيت.
عفاف: عليك أن تحافظ على أدبك في هذا المكان، أو يحافظونه لك.. وعليك أن تراجع حساباتك، من هو العار يا شريف، بيتنا كان نهراً جميلاً يغتسل به الجميع من الوساخات، لقد كنت سبباً في تفجير طهارة هذا البيت إلى فتافيت شرف، من هو العار أيها الشريف جداً؟ من؟ (تصرخ به) من يا مربع؟
شريف: (يرد صراخها) لا تقولي مربع.. سأضربك... (يحاول النهوض من كرسيه لكي يضربها لكنه لا يتمكن...)
عفاف: هيا اضرب، اضرب.. يا لبؤسك، انظر ما فعلوه بك.. حتى أمام زوجتك تبدو أضعف من نملة.
شريف: كنت لا تستطيعين رفع رأسك أمامي خجلاً، احتراماً، طيبة...
عفاف: توهمت برجولتك، لقد بتروا يديك أيضاً، حاول أن تتقدم لصفعي (تأخذ يده، تصفع وجهها بها، يسحب يده منها)
شريف: أنا أرفضك أيتها المرأة.
عفاف: ترفض؟ يمكنك أن ترفضني إذا كنت رجلاً، يا للعجب.. كيف ترفض وأنت أشلاء مبعثرة لذكرى رجل؟
شريف: أيتها الحاقدة...
عفاف: قسوة الأعوام التي مضت جعلتنا بلا قلوب.
شريف: وعشقنا؟ كنا أجمل حبيبين، أتتذكرين ليالي الحب؟ كنت تحبينني بجنون وأنا كذلك، القمر كان شاهداً لا يكذب، سليه عن صدق عواطفنا.. أحبك، أحبك، أحبك. من أجل حبنا القديم أدعوك أن تغادري البيت.
عفاف: عندما غبت وجدت حبنا حلماً سخيفاً.. أكاذيب، كلمات تافهة.
شريف: لغتك صارت سكيناً معداً لذبح العصافير.
عفاف: العصافير عادت مذبوحة. العواطف يا زوجي القديم لا تتلاءم وحياتنا الآن، عندما يحل الجوع يختفي الحب.
شريف: امرأة تقف أمامي أم حجر؟
عفاف: (بحزم) اخرج، اخرج من حياتنا، عملنا لا يتناسب مع وجود رجل.
شريف: ستطردك أمي.
عفاف: وتموتان جوعاً.
شريف: وكيف يكون الموت؟
عفاف: كلمات.. لا شيء عندك سوى الكلمات، كلمات لا تؤكل ولا تشرب، إنك لا تفهم ماذا فعل الجوع بنا، الجوع أرضه أكلت عيوننا.
شريف: لنصل إلى نتيجة.
عفاف: أنا مصدر القوت؟ أمك مهمتها استقبال الزبائن، أما أنت فطارئ على مكاننا، لحظة ميتة، زمن مدفون...
شريف: أنا رجل البيت.
عفاف: (تضحك) أخفتني يا عمود البيت. أنت الآن حشرة، بعوضة، ذبابة لا تعرف سوى الطنين.. طن، طن، طن... (تنصرف إلى غرفتها)
شريف: (وحده) طن، طن، طن... من أين لي بقوة تستطيع أن تغير كلّّ شيء، القوة فقط من تنظف هذا البيت، بيتي، أنا مربع، نصف رجل، بقايا، كومة العظام...
(توقف...)
((الزوج بكامل قواه الجسدية، يقف بقوة، يختفي الكرسي، يحمل بيده سكيناً))
عفاف: (خائفة، متذللة) أتوسل إليك.
الأم: (أكثر خوفاً) أرجوك يا بني.
عفاف: كلنا معرضون للأخطاء.
الأم: كنا ننتظر قدومك بلهفة، لم نبع ملابسك، يا لسعادتك، إعلم أن الفرحة لا تسعك الآن وأنت تعود إلى بيتك وأمك.
عفاف: أقبل يدك.. نرجوك أن تتفهم وضعنا.
الأم: لم نكن نملك أمر أنفسنا.
شريف: أعذاركن دائماً لا تتناسب وأعماركن أيتها النساء.
عفاف: أنت زوجي وحبيبي، أتتذكر حبنا؟ أحبك، أحبك، أحبك، الليالي الجميلة، ليالي الحب، كم أحبك، القمر كان شاهداً لا يكذب، سله عن لحظات عشقنا التي لا تنتهي.
الأم: ابني الحبيب، عندما غبت عادت لنا ابتسامتنا.
شريف: اختارا ميتة تليق بكما.
الأم: أتقتل أمك؟ بإمكاننا أن ننسى كلّّ شيء ونعود كما كنا.. أطهر بيت.
عفاف: أنا عفاف زوجتك الحبيبة، أنسيتني؟ كيف أحبك بجنون.
شريف: أنتما العار الذي يلزم أن يمحى من ذاكرة الجميع.
الأم: بني.. كن عاقلاً.
عفاف: سأكون خادمة تحت قدميك، لن أرفض لك طلباً، فقط اتركني أعيش.
شريف: لا فائدة.
الأم: نطلب منك المغفرة.
شريف: لست بإله.
عفاف: البيت بيتك، أنت رجل البيت...
الأم: أنت مخلصنا، منقذنا.. انتظرناك طويلاً.
عفاف: لا تقتلنا أرجوك.
الأم: لنطرد هذه المرأة من بيتنا ونعيش سوية يا شريف، ما رأيك أن تقتلها؟
عفاف: اطرد أمك أو اقتلها.. فهي من أرغمتني على فعل لا أرضاه لنفسي.
الأم: لا تصدقها.. لا يعقل أن تطرد أمك وتدع امرأة غريبة في بيتك.
عفاف: لست بغريبة.. أنا عفاف.. زوجته.
الأم: اخرجي من بيت ابني.. هيا بسرعة.
عفاف: لن أخرج.
الأم: بل تخرجين.
(تتشاجران، تتضاربان...)
شريف: يكفي.. سأقرر مصيركما الآن.
الأم: ستطردها...
عفاف: أمك من ستطرد.. أليس كذلك؟
الأم: طلقها وابدأ حياتك من جديد، سأزوجك أجمل امرأة على الإطلاق.. طلقها.
عفاف: عقلك الكبير الناضج.. أكبر من أن يرضخ لمثل هذه التفاهات.
الأم: ها.. ماذا قلت؟
عفاف: قرر يا حبيبي، قرر كما تشاء يا زوجي.
الأم: (تحاول الاقتراب منه) دعني أعانقك يا صغيري.
شريف: (يبتعد عنها) ابتعدي.. سأقتلكما معاً.
((يحاول طعنهما، لا يستطيع، تتوقف يده، تسقط السكين، يظل يردد.. لا أستطيع))
الأم: (تخرج من غرفتها) ما بك يا مربع؟ أفزعتنا، لم لا تستطيع؟
شريف: (يستدرك) ها.. لا شيء، لا شيء...
عفاف: (تخرج من غرفتها مسرعة) ما بك؟ تتحدث مع نفسك؟
الأم: أصابته الحمى إصابة بليغة، خذيه إلى الغرفة ريثما ننظر بأمره.
(عفاف تدفع بكرسي شريف وتدخله إلى الغرفة)
الأم: (وحدها) لا وقت للأمومة الآن، تلوث هذا القلب وما عدت أتذكر أنني كنت أمَّاً يوماً ما، أأنا أم؟ ماذا تعني الأمومة؟ لا أعرف، نسيتها، أنا أم بلا ذاكرة...
عفاف: (تأتي مسرعة) ابنك أصبح خطراً على حياتنا!
الأم: ماذا نفعل؟
عفاف: نتخلص منه.
الأم: ماذا تقصدين؟
عفاف: نقتله...
الأم: (بخوف) نقتله؟ لا، لا.. لا أريد شيئاً كهذا يحدث في بيتي.
عفاف: لماذا؟
الأم: كلّّ الزبائن ستهرب حالما تسمع بجريمة القتل.
عفاف: ستجري العملية في غاية السرية.
الأم: كيف يا عفاف؟
عفاف: أحد الزبائن يقوم بذلك مقابل ليلة حمراء وبعض النقود.
الأم: لا.. سأرسله إلى مصحة المجانين.
عفاف: إصراره على البقاء مصدر خوف لي، أخاف غدره.
الأم: لا تخافي.. ألا ترين؟ لقد فقد القدرة حتى على الوقوف.
عفاف: يتمنى التخلص منا بأية طريقة.
الأم: أرادني أن أطردك.
عفاف: ملامح وجهه الطيبة تغيرت تماماً.
الأم: دماً جديداً وضعوا في شرايينه.
عفاف: كان حلو المعشر، جميل الوجه، شوهوا له كلّّ شيء.
الأم: صنعوا منه شيئاً آخر.
عفاف: لم يفعلون ذلك بهم؟
الأم: الآخرون هم دائماً يقرّرون مصير الجبناء.
عفاف: وابنك؟
الأم: أحدهم.
عفاف: كنت أعتقده بطلاً.
الأم: صفة البطولة أطلقت بكثرة في تلك الأيام على أولئك الذين يفسرون البطولة أن تكون قاتلاً.
عفاف: وكنت أراه يستطيع أن يقتل عشرة رجال دفعة واحدة.
الأم: عضلات الرجال يا عزيزتي زخارف لأجسادهم ليس إلا.
عفاف: لنرسله إلى المصحة إذاً.
(تذهل الأم مسرعة وعندما تعود نرى في يدها كيس كبير أسود مخصص للقمامة).
عفاف: ماذا ستفعلين؟
الأم: (تشير إلى الكيس) ثوب زفاف جديد لابني!
(تنصرفان إلى الغرفة التي فيها الزوج، نسمع: صراخ، صياح، أصوات. تخرجان منها تدفعان بالكرسي، شريف داخل كيس القمامة، وهو يقاوم بلا فائدة...)
شريف: (من داخل الكيس) عدت.. عدت أخيراً يا أمي، أنت أيتها الزوجة الحبيبة، يا عفاف.. هل تسمعاني؟ هذا البيت الذي ملأني دفئاً.. هل غزاه البرد هو الآخر؟
(يصيح)
أمي.. أما يكفي أكياساً؟ ولدت في كيس وعشت في دائرة من الأكياس وها أنتما تضعاني في كيس. أما عاد هذا البيت يستوعب رجولتي، هل يمكن يا زوجتي أن تستقبلي زوجاً لطخته وساخات الحروب؟ أتخافين على فراشك أن يجتاحه بياض قديم، أيتها الطاهرة.. كنت شيئاً صغيراً جداً لا يعرف سوى الحب، الحب، كلماتك.. وما أقلها: أيها الزوج الحبيب، يا شريفي، يا حبيبي، يا روحي. هل قُتل حبك بخنجر الانتظار؟
(يصرخ)
زوجتي.. التفتي إلى الوراء علّك تتذكرين زوجك المصنوع من ذكريات وأحلام وجنون، لم أعد سوى شظية تائهة تبحث عن جسد أبيض تستقر فيه. أمي.. كنت أماً لشارعنا الكبير، يختبئ في حضنك الصغار الفارين من سطوة الإباء، أيتها الطاهرة، أي حزن كبير هذا الذي جعلك تغادرين أمومتك إلى شيء آخر تماماً، أين ولّى خجلك
(يصرخ بهما)
أخرجاني من الكيس...
عفاف: لا تخف.
الأم: لن نؤذيك، فقط، سنرميك بعيداً عن حياتنا.
شريف: أين أمي؟
عفاف: بالقرب منك.
شريف: لا.. لا يمكن أن تكوني أمي.. لا.. لا...
الأم: ماذا أفعل؟ يجب أن تستمر هذي اللعبة، ابتعد يا بني...
شريف: أين عفاف، زوجتي...
الأم: خذ الأمور برأسك، لا مجال للعواطف، القلب تبدل بقطعة من خشب.
عفاف: هذا ضياع للوقت.
شريف: انتظرا.. هذه جريمة.
الأم: الجرائم لا تنتهي يا بني، ما الجديد؟ منذ زمن بعيد أصبحت الجريمة جزءاً من ممارستنا اليومية.. كما الأكل والشرب والنوم والضحك والبكاء...
شريف: عالمكما غريب.. لم يكن كذلك أبداً، أكاد أختنق داخل الكيس، أخرجاني.
الأم: عالمنا.. عالم النساء فقط.
شريف: رائحة الكيس كريهة.
الأم: كنا سابقاً نضع فيه القمامة ونقذفها بعيداً، الآن نفعل الشيء نفسه، ما الفرق.
عفاف: لا طائل من هذه الثرثرة.
الأم: عليك أن تذهب إلى أخوتك في المصحة.
شريف: أنا بكامل قواي العقلية.
الأم: ما فائدة العقل إذا لم يكن فاعلاً.
شريف: أنا أفكر كثيراً.
الأم: أن تفكر.. هذا سبيلك إلى الجنون.
شريف: اعترف لكم بضعفي.. هذا لا يعني أنني لا أستحق أن أعيش.
الأم: تستحق، ولكن ليس على أكتافنا.
عفاف: أتستطيع أن تظل هنا وتشاهد ما يجري في بيتك؟ أتستطيع؟
شريف: لا أتشبث بالحياة بل أحاول أن أعيش ما بقي من العمر تحت أي شعار كان.
الأم: ما أتفه ذلك وأنت رجل.
شريف: كفي عن نعتي برجل، غادرتني الرجولة منذ زمن.
الأم: قناعاتنا يا شريف لا تلتقي بما تخزنه ذاكرتك الرقيقة من ذكريات بيت طاهر.
شريف: بترت ذاكرتي مع ما بتر.
عفاف: يؤسفني أنك ترتدي ثياباً لا تليق بك.
شريف: لا شيء بقي يؤسف عليه.. لا شيء.
الأم: في بيتنا رائحة لا يطيقها فمك.
شريف: تعودت على رائحة الجثث.
عفاف: لن تظل هنا تنثر تراب ذكرياتك في عيوننا.
شريف: تنازلت عن كرسي رجولتي يا عفاف.
الأم: كيف لنا أن نرضخ لأمر وجودك هنا.
شريف: لا أريد الخروج حتى لا يقال أعلن رفضه كما الرجال، لا.. علي أن أدرك أمر نفسي.
الأم: إذا لم يجتمع العقل مع الرجولة.. توقف العقل وضاعت الرجولة.
شريف: أتصدقين يا أمي كانوا يقولون عني.. رجل الرجال، بطل، قوي، الشجاع...
الأم: كانوا يضحكون عليك.
شريف: لم أسمعهم.
الأم: وهذه هي الكارثة.
عفاف: حان الوقت.
الأم: عليك أن تكون متفهماً لوضعنا.
شريف: توقفا أرجوكما.
عفاف: إنك تتوسل من أجل أن تبقى.
الأم: وجودك هنا يحتم عليك أن تكون أعمى وأصم ووو...
شريف: أشعر بخذلان شديد، يمكنني أن أعمل هنا أي شيء، أنظف، أطهو، أتسول. فقط اتركاني في البيت.
عفاف: تعمل...؟
الأم: كيف تعمل وأنت مقعد؟
شريف: لا أدري.
عفاف: رطوبة البيت لا تناسبك.
شريف: أخدمكما معاً.. أرجوكما.
الأم: يا للعاطفة الميتة، المجدبة، لا أستطيع أن أكون له أماً، لا بأس، سأجرب، لن أخسر شيئاً!
عفاف: ماذا يعمل؟
الأم: عندنا عمل شاغر يتناسب ومؤهلاتك.
شريف: الآن فقط أشعر بأنني أسمع صوت أمي.
عفاف: ماذا يعمل يا عمتي؟
الأم: عمل يليق به.
شريف: ما هو؟
الأم: ستجلس عند الباب، تمسك كيساً صغيراً، عملك فقط استقبال الزبائن وهم بدورهم قبل أن يدخلوا يضعون النقود في كيسك الصغير، سنعلمك كيف وماذا تنادي، ها.. ما أريك؟
شريف: خلصاني من الكيس.. أنا موافق، موافق (يصيح) موافق، موافق، موافق...
الأم: (لعفاف) خلّصيه من الكيس.
(عفاف تخلصه من كيس القمامة)
شريف: أين الكيس الصغير.. اجلبيه يا أمي...
الأم: حالاً....................
(تجلب الأم كيساً صغيراً، يأخذه منها، يدفع كرسيه باتجاه الباب الرئيس، فيما كانت الأم والزوجة تزغردان بقوة...)
(انتهت)
قُمامه
الشخصيات
ـ الأمُ
ـ الزوجة (عفاف)
ـ الزوج (شريف)
ـ مجموعة من الزبائن
المكان
لا يتعدى أن يكون صالة بيت واسعة، هناك أكثر من غرفة تتوزع على امتداد حجم الفسحة، نرى بعض الأرائك العتيقة القاتمة اللون والتي تشترك الستائر معها باللون نفسه، باب رئيس يتوسط المكان.. يؤدي إلى خارج البيت.
ـ نرى الكثير من الرجال ـ الزبائن ـ يدخلون ويخرجون، هناك حركة مستمرة لهذا الفعل، نلاحظ بوضوح أن أغلب هؤلاء الرجال يعانون من إعاقة في أطرافهم.
ـ نسمع بعض الصياح لمجموعة من الرجال خارج البيت... سرعان ما يظهر (زبون) في الصالة ومعه مجموعة من الرجال الذين يحاولون منعه من الدخول إلى إحدى الغرف.
ـ تخرج (الأم) من غرفتها إثر الصياح.
الأم: ماذا يحدث؟ أين عفاف؟ (تنظر إلى زبون) من هذا؟
(للزبون) ماذا تريد؟
زبون: أنا، أنا، أنا...
الأم: (بحزم) لا وقت لدينا.. أخرجوه من هنا..!
زبون: ما يحق لغيري يحق لي.
الأم: أتريد أن تخترق قانون هذا المكان برجولة متأخرة أيها الأنا؟
زبون: أنا أحد الأبطال الذين كانوا يتمتعون برجولة خارقة.
الأم: عليك أن تتوب وتعلن براءتك من رجولتك القديمة، أو تغادر بصمت. هذا المكان لا يستقبل سوى بقايا الرجال!
زبون: وأنا من تلك البقايا.
الأم: الآن يمكن أن تكون أحد بقايا هذا البيت، أيها الرجال اكتبوا اسمه في القائمة... (تضحك بسخرية وتنصرف إلى إحدى الغرف، وينصرف بعدها الرجال بعشوائية)
(يدخل مباشرة (شريف) على كرسي معوقين، يبدو بلا ساقين، يتفحص أجزاء البيت جيداً، ينظر باستغراب واضح إلى كلّّ التفاصيل...)
عفاف: (تخرج من غرفتها،) شريف جديد...!
الأم: (تخرج من غرفتها) شريف آخر.
عفاف: زبون كما يبدو يريد أن يضاف إلى القائمة...
الأم: فضلات لم نعهدها هنا من قبل!
عفاف: أخطاء يا عمتي. يعتقد الرجال أن هذا البيت هو جمعية الرفق بالموتى.
الأم: (تصيح) من قذف بهذه الوساخة داخل البيت؟
عفاف: حتى أنصاف الرجال يبحثون عن نصفهم المفقود في هذا المأوى، أخطاء...
(شريف يتحرك بكرسيه باتجاهات مختلفة.. يبدو في حالة قلق)
عفاف: رضينا برجال بلا ذراع، وآخرين بساق واحدة، وقبلنا برجل قطع لسانه، وآخر مشلول.. لكن أن نرضى بنصف رجل، نصف.. هذا في منتهى الرخص يا عمتي.
شريف: (ينظر إليهن وكأنه يراهن لأول مرة)
الأم: اجلبي المكنسة
عفاف: عندما تكثر الوساخات يا عمتي نقوم عادة بحرقها.
الأم: لم اخترت حفرتنا من بين جميع الحفر المنتشرة في شارعنا؟
شريف: (لا يرد........)
عفاف: أزمة زبائن.. لا أخفيك سراً أيها الـ...، عملنا بدأ يتراجع إلى الحضيض، فماذا يعني، مثلاً، مثلاً.. أن نضطر، انظر، نضطر لأن نستقبل بقايا مثلك.
الأم: شكلك يبدو مضحكاً، غريباً، بائساً.. ما اسمك؟
شريف: (يبتسم لها...)
عفاف: لم الأسماء يا عمتي؟ ينادونه: يا نصف رجل، أو أنت أيها المقعد، أو يا صاحب الكرسي، يا بقايا، يا كومة العظام.. كمٌّ هائل من الألقاب...
الأم: (تضحك بسخرية) أو أيها المربع، أو المستطيل (بحزم) يمكنك أن تأتي...
عفاف: (تقاطعها) أن تأتي يوم غد، انصرف الآن، لدينا من المواعيد ما يكفي لثلاثين ساعة في اليوم الواحد، هيا انصرف يا مربع. (تهمان بالانصراف)
شريف: ................. إلى أين؟
(تتوقفان)
عفاف: عمتي.. يتكلم!
الأم: لاحظت ذلك (تجيبه) إلى برميل آخر، فالبراميل متوفرة في شارعنا بكثرة.
عفاف: حسبته مجرد أربعة أضلاع لا يتكلّم.
الأم: انظري.. (تشير إلى جسده) إنه هنا يشكل زاوية قائمة.
عفاف: شكل هندسي بديع (تضحكان)
الأم: (تزجره) هيا اخرج بكرامتك.. أفضل من أن تخرج زاحفاً.
شريف: لي هنا ذكريات جميلة.
عفاف: ها.. حدست ذلك، مجنون، إنه مجنون..
الأم: (تصيح به) اخرج.. يمكنك أن تذهب إلى أقرب مصحة من هنا.
شريف: كنت أتصوركما عندما تشاهداني ستحملاني على كتفيكما، لكنكما كما يبدو لا تحملان الجثث.
عفاف: لم نرك هنا سابقاً
شريفك حكاية قديمة
الأم: ومن دفع بحكايتك إلى هنا؟
شريف: أعرف الطريق جيداً.
عفاف: منذ متى؟
شريف: العمر بأكمله.. كنت أجوب هذا البيت في طفولتي ركضاً، أنتقل من غرفة إلى أخرى، أمرح، ألعب، أضحك.. وعندما كبرت...
الأم: العب بعيداًَ من هنا أيها الصغير.
شريف: لا أعرف مكاناً سواه.
عفاف: لقد أخرتنا، لدينا عمل، هيا اخرج.
الأم: سندفعك.. نرميك خارجاً.
شريف: ألم تعرفاني؟
عفاف: نعرفك؟!
الأم: من أنت؟
شريف: (يصيح فرحاً) أنا شريف.. شريف..
الأم: شريف؟ اسم لا أتذكر ماذا يعني.
عفاف: إياك أن تعيد هذه الكلمة هنا.. إياك، سيقتلونك، إنَّها من الكلمات المحظورة والتي يمكن أن تتسبب في هلاك هذا البيت والبيوت المجاورة، والبيوت التي تجاور البيوت الأخرى، والأخرى التي تجاور الأخرى والـ.........!!
شريف: يقتلونني؟ أنا شريف (للأم) ابنك، شريف يا أمي!
الأم: شريف؟!
شريف: (للأم) نسيتني؟
الأم: وحيدي فقط منذ سنين طويلة في حكاية تحكيها الأمهات لأولادهن كلّّ ليلة، حكاية اسمها الحرب
شريف: أنا هو، شريف.. يا لسعادتي وأنا أراكما مرة أخرى، زوجتي الحبيبة.. يا عفاف.
عفاف: شريف.. أين كنت.؟
شريف: قصة طويلة.. لقد بتر اللغم ساقيّ.. وعندما أفقت من غيبوبتي، وجدت نفسي أسير حرب لا أعرف لماذا وضعت في داخلها.
الأم: تغيرت كثيراً.. وجهك، جسدك، شعرك...
شريف: فقدت دماً كثيراً.
عفاف: (بتهكم) مبارك لك أيتها الزوجة الغالية، هاهو زوجك البطل يعود ميتاً، يا لفرحتي بك.
الأم: (تنادي بهستيريا) يا رجال.. عاد ابني، عاد بعد غيبة، دعونا أيها الرجال نحتفل الليلة بعودته (تصيح).. يبووووي، عادت جنازة ابني...
شريف: فرحة بعودتي، أعرف ذلك، ما أسعدني بكما، كم هو رائع أن يجد أحدنا صدراً دافئاً يختبئ فيه من مرارة الغياب (بغباء) كيف حالكما؟
الأم: (بصلابة) لم عدت هكذا يا شريف؟ كان عليك أن تعود كما خرجت آخر مرة من البيت.
شريف: لم أكن أملك أمر نفسي.
الأم: أعذاركم دائماً لا تتناسب وأعماركم أيها الرجال!
عفاف: (تنظر إلى ساقيه) أين ساقاك؟
شريف: نسيتهما في أرض الحرام.
الأم: كان عليك أن لا تعود
شريف: (ببلادة أكثر) عدت من أجلك يا أمي، هيا تقدمي وعانقي ابنك الوحيد.. بسرعة (يتقدم نحوها، تبتعد عنه).
الأم: (صارخة به) ابتعد...!
شريف: (محرجاً) كيف؟ كيف أبتعد وقد عدت من أجل عينيك؟ أنت يا زوجتي.. ما هذا البرود؟ حبيبك عاد أخيراً، تعالي يا عفاف، أيتها الحبيبة.. لقد عدت من أجل بيتنا، طفولتي، أصدقائي، ذكرياتي، أهل شارعنا الطيبين، عدت من أجل أن أعوض برؤيتكما ما سلبوه مني.
عفاف: الذي أخذوه منك أهون بكثير مما سلبوه منا!
شريف: كلّّ شيء سيعود كما كان وأفضل.. ها أنذا عدت.
الأم: تضحك على من؟
شريف: وأنا في طريقي إليكما، قلت: سأستغني عن هذا الكرسي اللعين، أنتما ساقاي.
الأم: الأفضل أن تستغني عنا.
شريف: لا أحد يترك أمه.
الأم: كنت أمك، أنا الآن امرأة أخرى.
شريف: لا بأس يا أمي، لا بأس.. أعلم أنك لم تصدقي أنني عدت، سعادتك جعلتك لا تعرفين حتى كيف تتكلمين، يقال في اللحظات المفاجئة يقع الكلام صريعاً، أنا مفاجأة، مفاجأة سارة، لقد عدت إليك يا أمي، ابنك وحبيبك، الله، الله.. كنت لا تنامين ليلك من أجل أن أكون رجلاً، ما أسعدني بك، كم أنا فخور بك يا أمي وأنت كذلك يا زوجتي.
عفاف: (بسخرية) نعم.. مثلك عليه أن يفخر كثيراً، مثلك عليه أن يشرب ويأكل فخراً، وينام على فراش من الفخر...
شريف: (يقاطعها) لقد صنعت مني رجلاً يا أمي.
الأم: رجل؟ لمن؟ أين هي رجولتك (تصرخ به) في أي قبر أضعت شبابك؟
شريف: الحرب، حروبهم ، لا شأن لي.
عفاف: غادر.. الأفضل لك أن تغادر من هنا.
شريف: أغادر؟ إلى أين؟
عفاف: إلى الذين انتزعوا منك بيتك ووهبوك كرسياً كهدية ثمينة مقابل أن تعود إليه شبه رجل، عد وسلهم عن عنوان بيتك القديم.
شريف: هذا هو بيتي، أنا على يقين...
عفاف: (تقاطعه) لا باب لبيتك، لهذا الصرح الذي شيدته من ورق.
شريف: اطمئني يا حبيبتي، سأشتري باباً قوياً، لن أدع الريح تمس ثوبك.. لا تقلقي
الأم: دعنا وشأننا أيها الشخص.
شريف: شخص؟! (يصرخ بها) أمي، أنا شريف، أيمكن أن تكون أمومتك قَدْ تعطلت عن العمل؟
الأم: لا أعرفك، شريف الذي أعرفه خرج من البيت بساقين.
شريف: قلت لك..
الأم: لا أعرف.
عفاف: قلنا لك لا نعرف
الأم: انصرف الآن بعيداً، المكان لا يستوعب وساخات أكثر.
شريف: لمن ألجأ بعد أن أقذف من هنا؟
عفاف: إبحث لك عن مأوى يؤوي ما بقي منك، لا تحتاج إلى مساحة واسعة، أعتقد أن متراً في متر يكفي لمربعك.
شريف: قسوتكما لم أعهدها من قبل.
عفاف: من قبل متى، هه متى؟ تكلم، متى...؟
شريف: لا أدري.. ماذا حدث لكما؟
عفاف: ما حدث لنساء شارعنا الجميلات، الرائعات، النقيات.. أتتذكرهن؟ اللواتي كن كما الملائكة لا يعرفن طريقاً آخر، أتدري لقد سلكن ألف طريق.
الأم: ما حدث لأمهات شارعنا الطيبات، اللواتي لم تفارق أكتافهن العباءات، أتتذكرهن؟ أصبحن بلا عباءات ولا ثياب ولا...
شريف: لا أفهم سر الغموض هنا.
عفاف: ألم تشاهد ما حصل لشارعنا؟
شريف: شاهدت، نعم، أبواب البيوت مشرعة، ما تفسير ذلك؟ أحدهم ذو شارب طويل وكث ينادي بكلمات لم أفهمها، إحداهن، رباه، أعرفها خرجت بنصف ثياب، إنَّها زوجة شريفة كنا نضرب بشرفها الأمثال، زوجة جارنا خرجت هي الأخرى إلى الشارع ولكن بربع ثياب.. وجوه غريبة لم يثرها وجودي، قلت ربما تحول شارعنا إلى سوق.
عفاف: سوق من نوع خاص.
الأم: زبائن كثيرون...
شريف: رجال يدخلون ويخرجون من بيتي، لا أعرفهم، من هؤلاء؟
الأم: أمثالك يا شريف، وجدوا ضالتهم في هذا السوق بعدما ملت الأرصفة من نومهم الثقيل وزعيق شخيرهم.
شريف: سوق، سوق، أي سوق؟
الأم: سوق للأجساد الطرية الناعمة.
شريف: في شارعنا؟
عفاف: في شارعنا، وفي بيتك...!
شريف: في في في في في بيتي؟! هنا؟!
الأم: هنا في هذه الغرف (تشير إلى الغرف)
شريف: بيتي، غرفتي، هنا؟ كيف لي أن أقف على قدميّ وقد أكلني الصمت (يصرخ) من أكون؟ من من من من من من من؟
(توقف...)
(شريف وحده)
شريف: هل أنا هو؟ وإذا كنت هو؟ فمن تلك وتلك وهؤلاء؟ وهذا البيت هل هو هو؟ كنت كما أعتقد رجل هذا المكان، كنت بطلاً هنا، شجاعاً.. أتذكر ذلك جيداً. ماذا حدث؟ ياه.. أشعر بأنني لا أفهم شيئاً (بجنون) هل أنا هو؟ هو فعلاً؟ أم أنا لست بـ... هو فعلاً (يتحرك بكرسيه بجنون...)
الأم: (تظهر...) ما بك؟
شريف: أفكر...
الأم: تستطيع؟ لا بأس، بم؟
شريف: لنتخلص من زوجتي يا أمي، نطردها، نرميها خارجاً.
الأم: عفاف؟
شريف: لم تعد بعفاف.
الأم: تتآمر معي ضدها؟
شريف: لا يمكن أن تستمر معي.
الأم: (تضحك) لا يمكنك أنت أن تستمر معها.
شريف: أنا ابنك.. كيف تصبحين ضدي؟
الأم: دعنا من مفردات حروبك، زوجتك مصدر قوتنا، نأكل من تعبها، أتستطيع أن توفر بديلاً لهذا المصدر؟!
شريف: كما ترين..
الأم: مقعد.. لا تقوى على الحركة، ميت، إذاً دعنا نعش كما نريد.
شريف: أنا أرغب في أن أعيش أيضاً.
الأم: الموتى هم الموتى.. كيف يعيشون؟
شريف: أتمنى لو أملك قليلاً من القوة.
الأم: لو كنت تملك قليلاً قليلاً من القوة لما حدث هذا مطلقاً.
شريف: هذا بيتي وعليكما مغادرته حالاً.
الأم: دعك من هذه الكلمات الجاهزة.. لن تنفعك.
شريف: لقد سقطتما في الرذيلة.
الأم: (تزجره) أرجوك.. سمها الديمومة، عندما تكون الرذيلة سبباً في ديمومة الإنسان تسمى الفضيلة.
شريف: الرذيلة.. هي الحد الفاصل بين أن تكون فرداً جميلاً أو أقبح مخلوق.
الأم: الرذيلة.. أن يكون الفرد سبباً في دمار فرد آخر.. نسمي عند ذاك ما تسميه رذيلة.. نحن هنا نمارس شرفنا بطريقتنا المشرفة.
شريف: أكاد لا أعرفك.. لا أعرفك يا أمي.
الأم: ليست هناك مشكلة.
شريف: لنعش أنا وأنت ونطرد هذه المرأة الساقطة، ننظف البيت من نتانة علقت به واستفحلت.
الأم: ونموت جوعاً، هذه هي حلولك، ما أروعك، ما رأيك أن نجوب الطرقات أنا وأنت، أدفعك.. ولكن أنت من عليه أن يشحذ من الناس.
شريف: لنتطهر مما نحن فيه.. أرجوك.
الأم: توهموا فقطعوا رأسك بدلاً من ساقيك.
شريف: لست بمجنون
الأم: كيف يكون الجنون إذاً؟
شريف: لا يمكن أن تكوني أم شريف.
الأم: يلزم أن أرسلك إلى المصحة، تبدو حالتك سيئة، سيعتنون بك هناك، أصدقاؤك ستجدهم بانتظارك، فرصة طيبة أن تلتقي بأصدقائك القدامى، المحاربون القدامى، تعرفهم جيداً، منهم من بترت ذراعه،
أو ساقه، ومنهم من جاء بلا رجولة وآخرون اكتشفوا أنهم بلا رؤوس...
شريف: أفعلوا ذلك بهم حقاً؟
الأم: ستراهم بنفسك.
شريف: عقلي لم يصب بأذى
الأم: من قال لك ذلك؟
شريف: أشك بأمومتك.
الأم: وهذه علامة جنون أخرى.
شريف: أرجوك أن تقولي أنك لست بأمي.
الأم: ما الفرق؟
شريف: لم أصبحتم هكذا؟ لم؟
الأم: ماذا كنت تنتظر أن نكون عندما غبت هذه الغيبة الطويلة جداً؟ بيت بلا رجل، بلا جدران، امرأتان في ليل لا ينتهي، موحش، كئيب. في مطبخنا يختبئ الجوع، في غرفة زفافك البيضاء جليد لا يقاوم، زوجة تحترق كلّّ لحظة.. ماذا كنت تنتظر؟
شريف: كان عليكما أن تنتظراني.
الأم: انتظرناك، بعنا كلّّ أثاث البيت، لم يسلم سوى سرير واحد استخدمناه فيما بعد في عملنا، حتى ملابسك لم تسلم من البيع، انتظرناك، لكنك تأخرت، تأخرت كثيراً أيها الرجل.
شريف: لننس ما مضى ولنبدأ من جديد، ها أنذا عدت.
الأم: ليتك لم تعد يا صغيري.
شريف: تغيرت كثيراً.
الأم: انظر إلى نفسك.
شريف: الحرب والغياب هما من غيرا شكلي، أما أنت...
الأم: الحرب وغيابك والجوع والعوز وتعاسة الشرف.. هذا ما غيّرنا.
شريف: أنا شريف بحاجة إليك يا أمي.
الأم: أما أنا يا شريف فلست بحاجة إليك.
شريف: رباه.. من هذه؟
الأم: صليت كثيراً ودعوت الله من أجل أن تعود، دعوته حتى ملت دعواتي مني: (اللهم أعده لي سالماً، عزيزاً، اللهم وحيدي ليس لي سواه، إذا كان يرضيك أن تأخذه مني فخذني معه، إلهي.....) (تتوقف، تبكي، تصيح) وها أنت تعود إلى أمك جثة متفسخة.
شريف: لا تسخري مني.
الأم: لا تحتاج إلى سخرية.
شريف: شكلك لا يذكرني بأمي.
الأم: وشكلك لا يذكرني بابني.
شريف: أنت أم بلا ذاكرة.
الأم: غيابك من شطب على تلك الذكريات الجميلة، كانت جميلة.
شريف: خارج إرادتي.
الأم: ماذا أفعل إذا كنت بلا إرادة؟
شريف: أحتاج إلى الصراخ، أن أبكي أو أصيح.. لا أدري، المهم أن تخرج هذي النار من صدري...
عفاف: (تظهر في المكان) لم يصرخ هذا المربع؟
الأم: سلي زوجك الحبيب.
عفاف: (بتهكم) زوجي، اسم الله على زوجي، علامَ كنتما تتفقان؟
الأم: مثلي لا تتفق مع مثله، يمكن أن تستفسري من زوجك الباسل سر هذا اللقاء الثنائي الحميم (تنصرف إلى غرفتها)
عفاف: ضدي؟ أما تستحي؟ لو جئت بساقين ماذا كنت ستفعل؟ أشم رائحة مؤامرة فاشلة.
شريف: يجب أن ننفصل!
عفاف: (تضحك بصوت عال) عن من؟
شريف: تنفصلين عني.
شريفة: ألم ننفصل بعد؟
شريف: أنت زوجتي كما هو معروف.
عفاف: وإذا انفصلنا ماذا يحدث؟
شريف: تغادرين البيت.
عفاف: تصور أنا أقترح أن ننفصل، ولكن أن تغادر أنت.
شريف: هذا بيتي.
عفاف: أخيراً تذكرت أن لك بيتاً، أخيراً.. يا لوعتك.
شريف: لم أكن ألعب.
شريفة: كيف يكون اللعب إذاً؟ أن تترك زوجتك في أول شهر زفافها وتغيب، وتغيب أيها العريس (تصرخ به) اسكت، لا تتكلم.
شريف: أرجوك أن تغادري، أيناسبك هذا الرجاء؟
عفاف: تحلم كثيراً أيها المربع.
شريف: (يحاول الصراخ) لا تقولي مربع، أتوسل إليك، اخرجي، اخرجي، اخرجي أيتها الحبيبة، التي كانت حبيبة.
عفاف: حبيبة! إلى أين أخرج؟
شريف: لا أدري.. المهم أنني لا أريد أن أراك.
عفاف: أكلتم غذاءكم على مائدة شقائي، وها أنذا أطرد كعجوز أصابت التجاعيد وجهها.
شريف: أنت العار الذي صبغ وجه هذا البيت.
عفاف: عليك أن تحافظ على أدبك في هذا المكان، أو يحافظونه لك.. وعليك أن تراجع حساباتك، من هو العار يا شريف، بيتنا كان نهراً جميلاً يغتسل به الجميع من الوساخات، لقد كنت سبباً في تفجير طهارة هذا البيت إلى فتافيت شرف، من هو العار أيها الشريف جداً؟ من؟ (تصرخ به) من يا مربع؟
شريف: (يرد صراخها) لا تقولي مربع.. سأضربك... (يحاول النهوض من كرسيه لكي يضربها لكنه لا يتمكن...)
عفاف: هيا اضرب، اضرب.. يا لبؤسك، انظر ما فعلوه بك.. حتى أمام زوجتك تبدو أضعف من نملة.
شريف: كنت لا تستطيعين رفع رأسك أمامي خجلاً، احتراماً، طيبة...
عفاف: توهمت برجولتك، لقد بتروا يديك أيضاً، حاول أن تتقدم لصفعي (تأخذ يده، تصفع وجهها بها، يسحب يده منها)
شريف: أنا أرفضك أيتها المرأة.
عفاف: ترفض؟ يمكنك أن ترفضني إذا كنت رجلاً، يا للعجب.. كيف ترفض وأنت أشلاء مبعثرة لذكرى رجل؟
شريف: أيتها الحاقدة...
عفاف: قسوة الأعوام التي مضت جعلتنا بلا قلوب.
شريف: وعشقنا؟ كنا أجمل حبيبين، أتتذكرين ليالي الحب؟ كنت تحبينني بجنون وأنا كذلك، القمر كان شاهداً لا يكذب، سليه عن صدق عواطفنا.. أحبك، أحبك، أحبك. من أجل حبنا القديم أدعوك أن تغادري البيت.
عفاف: عندما غبت وجدت حبنا حلماً سخيفاً.. أكاذيب، كلمات تافهة.
شريف: لغتك صارت سكيناً معداً لذبح العصافير.
عفاف: العصافير عادت مذبوحة. العواطف يا زوجي القديم لا تتلاءم وحياتنا الآن، عندما يحل الجوع يختفي الحب.
شريف: امرأة تقف أمامي أم حجر؟
عفاف: (بحزم) اخرج، اخرج من حياتنا، عملنا لا يتناسب مع وجود رجل.
شريف: ستطردك أمي.
عفاف: وتموتان جوعاً.
شريف: وكيف يكون الموت؟
عفاف: كلمات.. لا شيء عندك سوى الكلمات، كلمات لا تؤكل ولا تشرب، إنك لا تفهم ماذا فعل الجوع بنا، الجوع أرضه أكلت عيوننا.
شريف: لنصل إلى نتيجة.
عفاف: أنا مصدر القوت؟ أمك مهمتها استقبال الزبائن، أما أنت فطارئ على مكاننا، لحظة ميتة، زمن مدفون...
شريف: أنا رجل البيت.
عفاف: (تضحك) أخفتني يا عمود البيت. أنت الآن حشرة، بعوضة، ذبابة لا تعرف سوى الطنين.. طن، طن، طن... (تنصرف إلى غرفتها)
شريف: (وحده) طن، طن، طن... من أين لي بقوة تستطيع أن تغير كلّّ شيء، القوة فقط من تنظف هذا البيت، بيتي، أنا مربع، نصف رجل، بقايا، كومة العظام...
(توقف...)
((الزوج بكامل قواه الجسدية، يقف بقوة، يختفي الكرسي، يحمل بيده سكيناً))
عفاف: (خائفة، متذللة) أتوسل إليك.
الأم: (أكثر خوفاً) أرجوك يا بني.
عفاف: كلنا معرضون للأخطاء.
الأم: كنا ننتظر قدومك بلهفة، لم نبع ملابسك، يا لسعادتك، إعلم أن الفرحة لا تسعك الآن وأنت تعود إلى بيتك وأمك.
عفاف: أقبل يدك.. نرجوك أن تتفهم وضعنا.
الأم: لم نكن نملك أمر أنفسنا.
شريف: أعذاركن دائماً لا تتناسب وأعماركن أيتها النساء.
عفاف: أنت زوجي وحبيبي، أتتذكر حبنا؟ أحبك، أحبك، أحبك، الليالي الجميلة، ليالي الحب، كم أحبك، القمر كان شاهداً لا يكذب، سله عن لحظات عشقنا التي لا تنتهي.
الأم: ابني الحبيب، عندما غبت عادت لنا ابتسامتنا.
شريف: اختارا ميتة تليق بكما.
الأم: أتقتل أمك؟ بإمكاننا أن ننسى كلّّ شيء ونعود كما كنا.. أطهر بيت.
عفاف: أنا عفاف زوجتك الحبيبة، أنسيتني؟ كيف أحبك بجنون.
شريف: أنتما العار الذي يلزم أن يمحى من ذاكرة الجميع.
الأم: بني.. كن عاقلاً.
عفاف: سأكون خادمة تحت قدميك، لن أرفض لك طلباً، فقط اتركني أعيش.
شريف: لا فائدة.
الأم: نطلب منك المغفرة.
شريف: لست بإله.
عفاف: البيت بيتك، أنت رجل البيت...
الأم: أنت مخلصنا، منقذنا.. انتظرناك طويلاً.
عفاف: لا تقتلنا أرجوك.
الأم: لنطرد هذه المرأة من بيتنا ونعيش سوية يا شريف، ما رأيك أن تقتلها؟
عفاف: اطرد أمك أو اقتلها.. فهي من أرغمتني على فعل لا أرضاه لنفسي.
الأم: لا تصدقها.. لا يعقل أن تطرد أمك وتدع امرأة غريبة في بيتك.
عفاف: لست بغريبة.. أنا عفاف.. زوجته.
الأم: اخرجي من بيت ابني.. هيا بسرعة.
عفاف: لن أخرج.
الأم: بل تخرجين.
(تتشاجران، تتضاربان...)
شريف: يكفي.. سأقرر مصيركما الآن.
الأم: ستطردها...
عفاف: أمك من ستطرد.. أليس كذلك؟
الأم: طلقها وابدأ حياتك من جديد، سأزوجك أجمل امرأة على الإطلاق.. طلقها.
عفاف: عقلك الكبير الناضج.. أكبر من أن يرضخ لمثل هذه التفاهات.
الأم: ها.. ماذا قلت؟
عفاف: قرر يا حبيبي، قرر كما تشاء يا زوجي.
الأم: (تحاول الاقتراب منه) دعني أعانقك يا صغيري.
شريف: (يبتعد عنها) ابتعدي.. سأقتلكما معاً.
((يحاول طعنهما، لا يستطيع، تتوقف يده، تسقط السكين، يظل يردد.. لا أستطيع))
الأم: (تخرج من غرفتها) ما بك يا مربع؟ أفزعتنا، لم لا تستطيع؟
شريف: (يستدرك) ها.. لا شيء، لا شيء...
عفاف: (تخرج من غرفتها مسرعة) ما بك؟ تتحدث مع نفسك؟
الأم: أصابته الحمى إصابة بليغة، خذيه إلى الغرفة ريثما ننظر بأمره.
(عفاف تدفع بكرسي شريف وتدخله إلى الغرفة)
الأم: (وحدها) لا وقت للأمومة الآن، تلوث هذا القلب وما عدت أتذكر أنني كنت أمَّاً يوماً ما، أأنا أم؟ ماذا تعني الأمومة؟ لا أعرف، نسيتها، أنا أم بلا ذاكرة...
عفاف: (تأتي مسرعة) ابنك أصبح خطراً على حياتنا!
الأم: ماذا نفعل؟
عفاف: نتخلص منه.
الأم: ماذا تقصدين؟
عفاف: نقتله...
الأم: (بخوف) نقتله؟ لا، لا.. لا أريد شيئاً كهذا يحدث في بيتي.
عفاف: لماذا؟
الأم: كلّّ الزبائن ستهرب حالما تسمع بجريمة القتل.
عفاف: ستجري العملية في غاية السرية.
الأم: كيف يا عفاف؟
عفاف: أحد الزبائن يقوم بذلك مقابل ليلة حمراء وبعض النقود.
الأم: لا.. سأرسله إلى مصحة المجانين.
عفاف: إصراره على البقاء مصدر خوف لي، أخاف غدره.
الأم: لا تخافي.. ألا ترين؟ لقد فقد القدرة حتى على الوقوف.
عفاف: يتمنى التخلص منا بأية طريقة.
الأم: أرادني أن أطردك.
عفاف: ملامح وجهه الطيبة تغيرت تماماً.
الأم: دماً جديداً وضعوا في شرايينه.
عفاف: كان حلو المعشر، جميل الوجه، شوهوا له كلّّ شيء.
الأم: صنعوا منه شيئاً آخر.
عفاف: لم يفعلون ذلك بهم؟
الأم: الآخرون هم دائماً يقرّرون مصير الجبناء.
عفاف: وابنك؟
الأم: أحدهم.
عفاف: كنت أعتقده بطلاً.
الأم: صفة البطولة أطلقت بكثرة في تلك الأيام على أولئك الذين يفسرون البطولة أن تكون قاتلاً.
عفاف: وكنت أراه يستطيع أن يقتل عشرة رجال دفعة واحدة.
الأم: عضلات الرجال يا عزيزتي زخارف لأجسادهم ليس إلا.
عفاف: لنرسله إلى المصحة إذاً.
(تذهل الأم مسرعة وعندما تعود نرى في يدها كيس كبير أسود مخصص للقمامة).
عفاف: ماذا ستفعلين؟
الأم: (تشير إلى الكيس) ثوب زفاف جديد لابني!
(تنصرفان إلى الغرفة التي فيها الزوج، نسمع: صراخ، صياح، أصوات. تخرجان منها تدفعان بالكرسي، شريف داخل كيس القمامة، وهو يقاوم بلا فائدة...)
شريف: (من داخل الكيس) عدت.. عدت أخيراً يا أمي، أنت أيتها الزوجة الحبيبة، يا عفاف.. هل تسمعاني؟ هذا البيت الذي ملأني دفئاً.. هل غزاه البرد هو الآخر؟
(يصيح)
أمي.. أما يكفي أكياساً؟ ولدت في كيس وعشت في دائرة من الأكياس وها أنتما تضعاني في كيس. أما عاد هذا البيت يستوعب رجولتي، هل يمكن يا زوجتي أن تستقبلي زوجاً لطخته وساخات الحروب؟ أتخافين على فراشك أن يجتاحه بياض قديم، أيتها الطاهرة.. كنت شيئاً صغيراً جداً لا يعرف سوى الحب، الحب، كلماتك.. وما أقلها: أيها الزوج الحبيب، يا شريفي، يا حبيبي، يا روحي. هل قُتل حبك بخنجر الانتظار؟
(يصرخ)
زوجتي.. التفتي إلى الوراء علّك تتذكرين زوجك المصنوع من ذكريات وأحلام وجنون، لم أعد سوى شظية تائهة تبحث عن جسد أبيض تستقر فيه. أمي.. كنت أماً لشارعنا الكبير، يختبئ في حضنك الصغار الفارين من سطوة الإباء، أيتها الطاهرة، أي حزن كبير هذا الذي جعلك تغادرين أمومتك إلى شيء آخر تماماً، أين ولّى خجلك
(يصرخ بهما)
أخرجاني من الكيس...
عفاف: لا تخف.
الأم: لن نؤذيك، فقط، سنرميك بعيداً عن حياتنا.
شريف: أين أمي؟
عفاف: بالقرب منك.
شريف: لا.. لا يمكن أن تكوني أمي.. لا.. لا...
الأم: ماذا أفعل؟ يجب أن تستمر هذي اللعبة، ابتعد يا بني...
شريف: أين عفاف، زوجتي...
الأم: خذ الأمور برأسك، لا مجال للعواطف، القلب تبدل بقطعة من خشب.
عفاف: هذا ضياع للوقت.
شريف: انتظرا.. هذه جريمة.
الأم: الجرائم لا تنتهي يا بني، ما الجديد؟ منذ زمن بعيد أصبحت الجريمة جزءاً من ممارستنا اليومية.. كما الأكل والشرب والنوم والضحك والبكاء...
شريف: عالمكما غريب.. لم يكن كذلك أبداً، أكاد أختنق داخل الكيس، أخرجاني.
الأم: عالمنا.. عالم النساء فقط.
شريف: رائحة الكيس كريهة.
الأم: كنا سابقاً نضع فيه القمامة ونقذفها بعيداً، الآن نفعل الشيء نفسه، ما الفرق.
عفاف: لا طائل من هذه الثرثرة.
الأم: عليك أن تذهب إلى أخوتك في المصحة.
شريف: أنا بكامل قواي العقلية.
الأم: ما فائدة العقل إذا لم يكن فاعلاً.
شريف: أنا أفكر كثيراً.
الأم: أن تفكر.. هذا سبيلك إلى الجنون.
شريف: اعترف لكم بضعفي.. هذا لا يعني أنني لا أستحق أن أعيش.
الأم: تستحق، ولكن ليس على أكتافنا.
عفاف: أتستطيع أن تظل هنا وتشاهد ما يجري في بيتك؟ أتستطيع؟
شريف: لا أتشبث بالحياة بل أحاول أن أعيش ما بقي من العمر تحت أي شعار كان.
الأم: ما أتفه ذلك وأنت رجل.
شريف: كفي عن نعتي برجل، غادرتني الرجولة منذ زمن.
الأم: قناعاتنا يا شريف لا تلتقي بما تخزنه ذاكرتك الرقيقة من ذكريات بيت طاهر.
شريف: بترت ذاكرتي مع ما بتر.
عفاف: يؤسفني أنك ترتدي ثياباً لا تليق بك.
شريف: لا شيء بقي يؤسف عليه.. لا شيء.
الأم: في بيتنا رائحة لا يطيقها فمك.
شريف: تعودت على رائحة الجثث.
عفاف: لن تظل هنا تنثر تراب ذكرياتك في عيوننا.
شريف: تنازلت عن كرسي رجولتي يا عفاف.
الأم: كيف لنا أن نرضخ لأمر وجودك هنا.
شريف: لا أريد الخروج حتى لا يقال أعلن رفضه كما الرجال، لا.. علي أن أدرك أمر نفسي.
الأم: إذا لم يجتمع العقل مع الرجولة.. توقف العقل وضاعت الرجولة.
شريف: أتصدقين يا أمي كانوا يقولون عني.. رجل الرجال، بطل، قوي، الشجاع...
الأم: كانوا يضحكون عليك.
شريف: لم أسمعهم.
الأم: وهذه هي الكارثة.
عفاف: حان الوقت.
الأم: عليك أن تكون متفهماً لوضعنا.
شريف: توقفا أرجوكما.
عفاف: إنك تتوسل من أجل أن تبقى.
الأم: وجودك هنا يحتم عليك أن تكون أعمى وأصم ووو...
شريف: أشعر بخذلان شديد، يمكنني أن أعمل هنا أي شيء، أنظف، أطهو، أتسول. فقط اتركاني في البيت.
عفاف: تعمل...؟
الأم: كيف تعمل وأنت مقعد؟
شريف: لا أدري.
عفاف: رطوبة البيت لا تناسبك.
شريف: أخدمكما معاً.. أرجوكما.
الأم: يا للعاطفة الميتة، المجدبة، لا أستطيع أن أكون له أماً، لا بأس، سأجرب، لن أخسر شيئاً!
عفاف: ماذا يعمل؟
الأم: عندنا عمل شاغر يتناسب ومؤهلاتك.
شريف: الآن فقط أشعر بأنني أسمع صوت أمي.
عفاف: ماذا يعمل يا عمتي؟
الأم: عمل يليق به.
شريف: ما هو؟
الأم: ستجلس عند الباب، تمسك كيساً صغيراً، عملك فقط استقبال الزبائن وهم بدورهم قبل أن يدخلوا يضعون النقود في كيسك الصغير، سنعلمك كيف وماذا تنادي، ها.. ما أريك؟
شريف: خلصاني من الكيس.. أنا موافق، موافق (يصيح) موافق، موافق، موافق...
الأم: (لعفاف) خلّصيه من الكيس.
(عفاف تخلصه من كيس القمامة)
شريف: أين الكيس الصغير.. اجلبيه يا أمي...
الأم: حالاً....................
(تجلب الأم كيساً صغيراً، يأخذه منها، يدفع كرسيه باتجاه الباب الرئيس، فيما كانت الأم والزوجة تزغردان بقوة...)
(انتهت)
الإثنين أبريل 01, 2013 8:40 am من طرف غزوان قهوجي
» غزوان قهوجي
الإثنين أبريل 01, 2013 8:36 am من طرف غزوان قهوجي
» مختبر فضا المسرحي
الأربعاء فبراير 13, 2013 8:44 am من طرف غزوان قهوجي
» مهرجان لمسرح الشباب العربي في بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:07 am من طرف غزوان قهوجي
» مهيمنات ( السلطة ) وتنويعاتها الإسلوبية في بعض عروض مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:02 am من طرف غزوان قهوجي
» مقالة جميلة عن مولانا
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:50 am من طرف غزوان قهوجي
» خبر عن مشاركة الفرقة في مهرجان بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:39 am من طرف غزوان قهوجي
» أم سامي
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:10 pm من طرف همسة حب
» حدث في سوريا : دعوى قضائية شد الله !!!!!
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:06 pm من طرف همسة حب
» حكايا طريفة
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:01 pm من طرف همسة حب
» السر بشهر العسل
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:56 pm من طرف همسة حب
» عندما يتفلسف الحمار
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:53 pm من طرف همسة حب
» حكمة : كن نذلا تعيش ملكاً ........!!!
الثلاثاء نوفمبر 06, 2012 2:44 am من طرف همسة حب
» فــوائـد الـزوجــة الـنـكـديــة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:21 am من طرف همسة حب
» شو كان لازم يعمل ؟
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:18 am من طرف همسة حب