http://tishreen.info/images/su01-09-11/cu007.jpgيطرح الكاتب رياض عصمت في مقدمة كتابه (حداثة وأصالة) سؤالاً إشكالياً، حول ماهية العلاقة بين الحداثة والأصالة، ويرى أن كلا المصطلحين نسبيان من جهة، ولا يتناقضان بالضرورة من جهة ثانية، فالحداثة تحظى بسمة الخلود عندما يتمتع الكاتب بسمة الأصالة. كذلك فإن الأصالة تتميز عن التقليد عندما تتسم بسمة الحداثة. لذلك لا يمكن القول بأن هناك تعارضاً بين الحداثة والأصالة، وإنما ثمة توازن، أو تكامل. وإذا أدى عامل الزمن، واستمرارية التجديد، إلى أفول الحداثة، فإن عنصر الأصالة يبقى متوهجاً. وإذا اضمحلت الأصالة بفعل التشابه في الإبداعات، فإن الحداثة تظل العامل المميز لنتاج الأديب أو الفنان. أما عندما تجتمع الحداثة والأصالة، فإن الحصاد هو إبداع خالد. ومن هذه النتيجة التي انتهى إليها المؤلف نتابع معه عبر صفحات الكتاب سلسلة من الدراسات النقدية شملت العديد من الكتاب العرب، والسوريين على وجه الخصوص، تناول فيها إشكالية الحداثة والأصالة في إبداعهم الأدبي. حداثة في أصالة يرى أن نجيب محفوظ مرَّ عبر مراحل إبداعه المختلفة بمعظم تيارات الرواية، متطوراً مع كل جيل، مختصراً في رحلته الروائية تاريخ الرواية من والتر سكوت، إلى لورنس دوريل، إلى ناتالي ساروت. في كل نمط من الأنماط سواء كان تاريخياً، أم نفسياً، أم فلسفياً، أم أسطورياً، أم سياسياً. أما من الناحية الفكرية فإن نجيب محفوظ لم يكن ثابت الأفكار، أو صاحب نظرية، لأنه كان يرصد الواقع كالضمير منطلقاً من دوافع وطنية صرفة، حيث تأثر في شبابه بسعد زغلول وحركة حزب (الوفد)، وكانت له ملاحظات على فترة الناصرية، كما أنه لم يبد مؤيداً لمرحلة السادات مع أنه شاركه رؤيته بشأن السلام. ولايمكن إغفال دراسة نجيب محفوظ للفلسفة، ونظرته إلى الحياة والحارة القاهرية بكل إرهاصاتها، وانعكاسات السياسة الجدلي عليها، جعلته يمتلك بصيرة فلسفية ترى الأسود والأبيض معاً، وجعلها تكتسب لمعظم شخصياته بالظلال الرمادية مصداقيتها وخلودها ونبضها الإنساني. ولم يكن زكريا تامر في تقنيته القصصية والأسلوبية أكثر واقعية من نجيب محفوظ في قصصه سواء تلك التي استمدها من الأدب الغربي المعاصر، أم من التراث الحكائي الشعبي العربي، فإنه ظل مخلصاً لذاته ولبيئته حيث أخذت النزعة الإنسانية/العالمية تتضاءل في قصصه على حساب نمو النزعة المحلية. وقد اتسمت قصصه بالبساطة في التعبير، والاقتصاد في الكلام، حيث تكون أشبه بإشارات برقية، لكنها شاعرية وموحية ومكثفة، حيث يصعب حذف كلمة منها. ويشير عصمت أن تطور زكريا القصصي نحا بكتاباته نحو رؤى في غاية السوريالية، تماثل اللوحة والقصيدة واللحن. فبعض قصصه تبدأ من الواقع المعيش، ثم سرعان ما ينسج حول شخصيات أبطالها عالماً تخيلياً ما وراء واقعي. فالواقع يصبح لا معقولاً في قصصه، لأنه لا يقاربه لذاته، بل كوسيلة للتعبير عن مقولة فلسفية ما، أو هاجس نفسي. كما كرس تامر بعض قصصه لإحياء شخصيات التاريخ والتراث في ظروف راهنة لامعقولة، نجده يكرس بعض قصصه لتكريم مدن مثل دمشق وبيروت، وذلك عبر أسطرة واقع نعرفه ليصبح مجازياً، ولم يكن ليضع المتلقي في حسابه كثيراً، بقدر ما كان يعبر عن ذاته، وهذا ما كان في بداياته، وفي مرحلة متأخرة صار يعنى بالمتلقي، ويسعى لإيصال الفكرة أو الإحساس إليه بأقصر السبل. أما عبد السلام العجيلي فيراه أحد القلائل في الأدب السوري الحديث ممن ورثوا فن شهرزاد في (ألف ليلة وليلة). وأحد أقطاب الواقعية الفوتوغرافية كما أنه أحد أكثر أدباء سورية تعرضاً لإساءة الفهم. ويشير عصمت إلى رأي الناقد جورج طرابيشي وبعض النقاد الآخرين في أن العجيلي كرس في أوائل قصصه (الغيبيات) على حساب العلم. كما أسيء موقفه من قبل بعض البيروقراطيين المصريين والانتهازيين السوريين أيام الوحدة، ليصبح موقفاً من الوحدة ذاتها، الأمر الذي لم يتناوله العجيلي مباشرة، لكن واقعية العجيلي وسعيه إلى التقاط تفاصيل ممارسات الحياة اليومية، جعلاه يبدو معادياً لفكرة الوحدة، مع أنه في العمق الفلسفي والقومي المطلق ليس ضد مبادئها. كما في روايته (الساس والجوهر)، و(قلوب على الأسلاك )، ويشير عصمت إلى رأي النقاد في العجيلي حيث ألصقوا بكتاباته صفة (الأدب السياحي)، كما أن إساءة فهم أخرى جرت تجاه شغف العجيلي بقصص الحب والغرام، خاصة في روايته (باسمة بين الدموع)، و(رصيف العذراء السوداء). هذه النقاط عكست واقعية العجيلي من خلال رؤيته الواضحة لما يجري على أرض الواقع العربي، وخاصة، في فلسطين. الذاكرة الدمشقية سجل الناقد رياض عصمت للذاكرة الدمشقية في كتابه بالإشارة إلى ثلاث كاتبات دمشقيات (غادة السمان) في روايتها (فسيفساء دمشقية) وألفة الإدلبي في روايتها (دمشق يا بسمة الحزن) وسلمى الحفار الكزبري، فيرى غادة السمان وقد جمعت في روايتها بين المخيلة الأنثوية، وبين مضارعة أدب الرجال مشيراً في البداية إلى تجربتها التي بدأت على استحياء في رواية قصيرة بعنوان (بيروت75)، و(كوابيس بيروت)، و(ليلة المليار) وبعد سنوات من الغياب تطلق روايتها (فسيفساء دمشقية) لتفاجئ القراء بأن دمشق متجذرة ومتفرعة في ذاكرتها. فبدت دمشق في روايتها هي الماضي، لكنها- في حقيقة الأمر- هي الحلم، ولابد أنها ستعود. ويشير عصمت إلى أن الشمولية في الرؤيا هي ما يميز أدب غادة السمان، فهي أديبة تسمو على أي تعصب أو تحزب، وتسجل بأمانة وإخلاص رؤيتها الشخصية كشاهد على التاريخ، بل كضمير بريء حي. والأكثر من ذلك، أن غادة السمان - بأصول عائلتها المختلطة جغرافياً وطبقياً- تنال فرصة نادرة لرؤية موضوعية شاملة ليس لدمشق الماضي فحسب، بل لسورية ككل. وأولى ميزات أسلوبها في روايتها المشار إليها هي «شامية» التعبيرات، المغرقة في بيئتها. أما الميزة الثانية للرواية، فهو علاقة غادة («زين» في الرواية) بأبيها، تلك العلاقة الناضجة بين جيلين. أما ألفة الإدلبي التي تملك دلالات كبيرة في جوهر عملها الأدبي، فقصصها القصيرة تندرج في ثلاث تيارات، من حيث الموضوع، القصص الوصفية ذات الطابع الفوتوغرافي وثانيهما، القصص الوطنية الخالصة، التي تزخر بقيم النضال ببطولة من أجل التحرر، والتضحية بشهامة من أجل الوطن. أما ثالثها، فهو تيار القصص الأخلاقية، ذات الطابع الرومانسي والتربوي. لكن ألفة الإدلبي انتمت إلى مدرسة الفن الواقعي الفوتوغرافي، وربما إلى تيار الفن للفن أحياناً، إلا أن كثيراً من قصصها لا يعوزه الالتزام، إن لم نقل يثقله الوعظ والتوجيه التعليمي المباشر. نجدها تكتب من أجل الفكرة المغلفة بالفن، فهي ترى أن الفكرة من دون فن القص البارع لا تنال إعجاب القارئ، وقد لاتصل إليه. كما كتبت ألفة الإدلبي قصصاً شامية عن الثورة السورية، بواقعية تنأى عن الحداثة أو التجديد، وتنتمي بجدارة إلى التيار التقليدي في القص ويشير إلى أن أفضل قصصها تلك التي تصور فيها البيئة المحلية برهافة ودقة وحنين، كما في (حمام النسوان)، و(يا نايم وحد الدايم). وفي روايتها (دمشق يا بسمة الحزن) تتناول برهافة فائقة قصة امرأة دمشقية شابة تكافح من أجل كرامتها واستقلالها، وتنتهي بالانتحار بعد أن يدمرها الحب. والرواية أروع من أن تلخص، أجواءها، بيئتها، جمالية بنائها، شخصياتها، درامية صراع بطلتها مع الأخ والحبيب، وأسلوبها السلس المتين جعلها واحدة من أروع الروايات العربية، كتبتها بأقصى ما امتلكته من رهافة في الحس، وعين ثاقبة الملاحظة، وأسلوب يمزج بين الواقعية والشاعرية، بحيث حظي عملها الروائي بإعجاب غطى على شهرتها بوصفها رائدة في مجال القصة القصيرة. شعراء عاشقون.... غاضبون يشير الدكتور عصمت إلى عدد من الشعراء العرب وصل تأثيرهم إلى العالمية، عن طريق الجماهيرية الشعبية ولعل محمود درويش ونزار قباني أهم اثنين وصلا إلى الجماهيرية العريضة من المحيط إلى الخليج. لكن مسيرة كل من الشاعرين مختلفة، بينما ظل نزار قباني حتى آخر حياته يتحرى البساطة والجماهيرية في الحب والسياسة، جهد محمود درويش ليطور فن الشعر باتجاه مزيد من الحداثة والغموض، متنازلاً عن الجماهيرية، ليترك قراءه يحاولون الارتفاع إلى عمق شعره، رافضاً أن ينزل بشعره إليهم. وأن تجربته الغنية والمتطورة لم تأت من خلال التأثر بمصادر أجنبية، بل نمت عبر موهبة فريدة ونقية قوامها التمرد والقلق وعدم الاستقرار سواء في تنقله في بلاد الغربة أم في عواطفه أم في إبداعه الشعري. فإبداع درويش الشعري يتضمن طقوساً، تنتقل منه هو نفسه لتصبح موحية للآخرين. ورغم صعوبة قصائد المرحلة الأخيرة، فإن موسيقاها الخفية تخاطب الوجدان لتخلق متعة غامضة، كما لو كان المرء يتأمل لوحة سوريالية. أما أشعار نزار قباني فقد فتحت طريقاً جديدة في الشعر العربي فحداثته أصيلة، مع أنها مرهونة بزمانها، وتمَّ تجاوزها شعرياً وفكرياً إلى أقانيم أعمق عند غيره من الشعراء، ولكن لم يجر أبداً تجاوزها، ولا حتى مقاربتها، مسرحيون وفي حديثه عن المسرح العربي، والسوري على وجه التحديد، يتحدث عن تجارب مسرحية كانت الأهم في تأسيس المسرح الحديث في سورية ومصر، ومنها تجربة رفيق الصبان، وسعد الله ونوس، وسعد أردش وألفريد فرج، ويضيف إليهم منصور الرحباني كأحد رواد المسرح الغنائي. كما أشار إلى العديد من الأسماء العربية التي سطعت في مجال الفكر والإعلام كالدكتور محمود أمين العالم، والدكتور عبد الكريم اليافي، ورجاء النقاش وغيرهم. - الكتاب: أصالة وحداثة - تأليف: رياض عصمت - الناشر: دار الفكر – دمشق – 2010 - عدد الصفحات: 208 صفحة
دخول
بحـث
المواضيع الأخيرة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
غزوان قهوجي - 439 | ||||
Rasha - 322 | ||||
ابراهيم الحداد - 160 | ||||
احمد الحرفي - 158 | ||||
Rawane araishy - 86 | ||||
وسام قهوجي - 53 | ||||
مازن الديراني - 27 | ||||
ضياء الخليل - 21 | ||||
همسة حب - 20 | ||||
مصعب خلف - 18 |
« حداثة وأصالة » بلا تناقض لــ رياض عصمت
غزوان قهوجي- Admin
- عدد المساهمات : 439
نقاط : 11739
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 03/04/2010
العمر : 44
- مساهمة رقم 1
الإثنين أبريل 01, 2013 8:40 am من طرف غزوان قهوجي
» غزوان قهوجي
الإثنين أبريل 01, 2013 8:36 am من طرف غزوان قهوجي
» مختبر فضا المسرحي
الأربعاء فبراير 13, 2013 8:44 am من طرف غزوان قهوجي
» مهرجان لمسرح الشباب العربي في بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:07 am من طرف غزوان قهوجي
» مهيمنات ( السلطة ) وتنويعاتها الإسلوبية في بعض عروض مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:02 am من طرف غزوان قهوجي
» مقالة جميلة عن مولانا
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:50 am من طرف غزوان قهوجي
» خبر عن مشاركة الفرقة في مهرجان بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:39 am من طرف غزوان قهوجي
» أم سامي
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:10 pm من طرف همسة حب
» حدث في سوريا : دعوى قضائية شد الله !!!!!
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:06 pm من طرف همسة حب
» حكايا طريفة
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:01 pm من طرف همسة حب
» السر بشهر العسل
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:56 pm من طرف همسة حب
» عندما يتفلسف الحمار
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:53 pm من طرف همسة حب
» حكمة : كن نذلا تعيش ملكاً ........!!!
الثلاثاء نوفمبر 06, 2012 2:44 am من طرف همسة حب
» فــوائـد الـزوجــة الـنـكـديــة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:21 am من طرف همسة حب
» شو كان لازم يعمل ؟
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:18 am من طرف همسة حب