الأدب كلّ لايتجزأ، والنصّ المسرحي جزء من الأدب شئناً أم أبينا، فالشعراء بعامة والنقاد والدارسون بخاصة كانوا يذهبون في أوائل هذه القرن إلى أن المسرحية والرواية أدنى من الأدب ولكنّ بعض المسرحيين اليوم يذهب إلى أن المسرحية الجنس الأغنى والأكمل والأنضج، وهي فوق الأدب بعامة والشعر بخاصة، ولهم في ذلك حججهم، ولكنّ الحقيقة التي لاتحتاج إلى براهين أن الطرفين مغاليان، لأن المفاضلة بين الأجناس الأدبية خطأ من أساسه، والنص المسرحي كغيره من النصوص، يرتفع إلى المستوى الأدبي إذا كان هذا النص ذا مستوى أدبي مقبول، وهو مثل الشعر والرواية والأجناس الأدبية الأخرى، وهو دون الأدب إذا لم يرتفع بشكله وتقاناته وأسلوبه ومضمونه إلى درجة مقبولة، وهو لايزيد على أن يكون تهريجاً أو شعارات أو ما شابه ذلك في كثير من الأعمال.
والأدب جزء من الواقع، وهو يتقدّم بتقدّم الزمن ويساير الحياة الاجتماعية حتى إذا كان هذا الأدب سريالياً، ومن هنا علينا أن نذكر بالتحولات الاجتماعية الخطيرة التي حدثت في الستينات ومابعدها لنضع أيدينا على التحولات التي طرأت على النص الأدبي (شعر -رواية -قصة) بعامة، والنص المسرحي بخاصة.....
إن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي حدثت في هذه المرحلة هي التي أدّت إلى مواجهة الأدب للسلطة، فقد مرّ عهد على البلاد كانت فيه سورية بعيدة عن العالم سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً كسواها من الأقطار العربية، ثم بدأت التشكّلات الحزبية في سورية، وانتشرت أولاً في المدن، فكانت المدينة مركزاً للتظاهرات يؤمّها المثقفون الريفيون للمشاركة فيها، وأخذت هذه الأحزاب تتنافس وتتقارب وتتباعد ويتضارب بعضها مع بعض أو بعضها مع السلطة أو ضدّها، وكان هناك غير اتجاه (ماركسي -قومي سوري -قومي عربي -ديني...إلخ).
ثم حدثت تحوّلات اجتماعية خطيرة وهجرات خارجية وداخلية ومد قومي متفائل إلى أن كانت الصدمة التاريخية في حزيران، فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وهنا بدأ الشرخ الكبير بين الأدب والسلطة، ولايقتصر هذا الشرخ على المسرحية، وإنما نجده في الأجناس الأدبية كلّها، وهو ظاهرة عامة لاتقتصر على الأدب في سورية، وإنما نجدها في معظم الأقطار العربية، ولاسيما المتاخمة منها للكيان الصهيوني (مصر -لبنان -سورية ا لأردن)، لظروف لامجال للتوسّع فيها هنا من جهة، ولأن مصر وسورية والأردن هي الأقطار العربية التي وقعت عليها النكسة مباشرة من جهة ثانية.
والمسرحية السورية المعاصرة وليدة الستينات، وهي متأثرة بغيرها من المسرحيات العربية، وبخاصة في مصر ولبنان، وهذا المجال يحتاج إلى دراسة خاصة، وقد بدأ الكتّاب السوريون يجرّبون كتابة النص المسرحي في الخمسينيات وينشرونه في المجلات الأدبية، وبخاصة في "الأداب"، ولكنّ معظم المؤلفين كانوا أدباء قبل أن يكونوا مسرحيين، وهم يشتغلون بالأجناس الأدبية الأخرى قبل أن يشتغلوا بالمسرحية، ومع ذلك لايمكننا أن ننكر أدوارهم، ويمكننا أن نستعرض هنا أهمّ الأعلام"1" وأهم أعمالهم النثرية المكتوبة بالفصحى:
1- وليد إخلاصي:
- العالم من قبل ومن بعد -دمشق- 1964
-الصراط -اتحاد الكتاب العرب -1976
- سبعة أصوات خشنة -وزارة الثقافة 1979
- سهرة ديمقراطية على الخشبة -دمشق 1979
-هذا النهر المجنون -دمشق1980
-أوديب -ليبيا- 1981
-أغنيات للممثل الوحيد -وزارة الثقافة1984
-من يقتل الأرملة -وزارة الثقافة 1986
-مسرحيتان للفرجة -وزارة الثقافة 1988..
2- خالد محيي الدين البرادعي:
له مسرحيات شعرية كثيرة، وأهم مسرحياته النثرية:
-أبو حيّان التوحيدي -دمشق- 1983
-الوحش -دمشق -اتحاد الكتاب العرب 1976
-الطريق إلى العصر الحجري
-الجراد -ليبيا -1978
-الشيخ بهلول وأفراد عائلته
3- فرحان بلبل:
-الحفلة دارت في الحارة -وزارة الثقافة 1973
-الممثلون يتراشقون الحجارة -وزارة الثقافة 1975
-العشاق لايفشلون -وزارة الثقافة 1977
-لاتنظر من ثقب الباب -اتحاد الكتاب العرب -1978
-الجدران القرمزية -وزارة الثقافة 1980
-العيون ذات الاتساع الضيق -اتحاد الكتاب العرب 1980
-القرى تصعد إلى القمر -دار الكلمة -بيروت 1980
-ثلاث مسرحيات غير محايدة -دار الحقائق -بيروت1982
-ياحاضر يازمان -وزارة الثقافة 1982
-لاترهب حدّ السيف -اتحاد الكتاب العرب 1984.
4- غسان ماهر الجزائري:
-عالم واسع الأرجاء -دمشق 1983.
5- مصطفى الحلاج:
القتل والندم -مجلة الآداب -عددك2 1957
-احتفال ليلي خاص لدريسدن -وزارة الثقافة 1970
-الدراويش يبحثون عن الحقيقة -1970
-أيها الإسرائيلي حان وقت الاستسلام -مجلة المعرفة -ع144- 1974
6- أحمد يوسف داود:
-الخطا التي تنحدر -دمشق1972
-مالكو يخترق تدمر -دمشق1980
7-فيصل الراشد:
المخرج والطباخ
زوج متين من الجوارب
امرأة حافية
8- الأب إلياس زحلاوي:
-المدينة المصلوبة -دمشق 1973
-الطريق إلى كوجو -دمشق 1976
-وجبة الأباطرة -دمشق1981
9- مرادي السباعي
الحكاية ذاتها -وزارة الثقافة 1967
10- نجم الدين سمان:
-حكاية تل الحنطة- 1986
-درب الأحلام 1989
11- عبد المعطي سويد:
القمر والشياطين -دمشق 1979
12- مصطفى صمودي:
الوان وضباب.
أغنية البحر.
المتوازيان.
مارا.
13- ممدوح عدوان:
-محاكمة الرجل الذي لم يحارب بغداد 1970
-ليل العبيد -دمشق 1977
-هملت يستيقظ متأخراً -دمشق 1977
-حكايات الملوك -اتحاد الكتاب العرب 1989
-كيف تركت السيف -دمشق1989
- الوحوش لاتغني - اللمبة - دمشق 1989
14- علي عقلة عرسان:
-ثلاث مسرحيات (زوار الليل -الشيخ والطريق -الفلسطينيات) -وزارة الثقافة -1971
-السجين رقم 95 -اتحاد الكتاب العرب 1974.
-الغرباء -وزارة الثقافة 1974.
-رضا قيصر -وزارة الثقافة 1975.
- عراضة الخصوم -اتحاد الكتاب العرب 1976.
-الأقنعة -اتحاد الكتاب العرب 1987
15- رياض عصمت:
-نجوم في ليل طويل -دمشق1979
-طائر الخرافة ومسرحيات أخرى دمشق 1974
-الحداد يليق بأنتيغون -بيروت 1978
- لعبة الحب والثورة - بيروت 1978
- هل كان العشاء دسماً أيتها الأخت الطيبة ؟ - دمشق - 1978
-السندباد -دمشق -1982.
16- نذير العظمة:
-سيزيف الأندلسي -دمشق.
-طائر السمرمر -بيروت 1982.
-أوروك تبحث عن جلجامش -اتحاد الكتاب العرب 1986
-دروع امرئ القيس -دمشق1992
-المرايا -دمشق- 1992
17- زكي قنصل
-تحت سماء الأندلس -وزارة الثقافة والإرشاد والقومي -1965
18- وليد فاضل:
-جلجامش -وزارة الثقافة 1981
-حلم في محطة قطار -وزارة الثقافة 1981
-العشاء المقدس -وزارة الثقافة 1983
- ايفا - وزارة الثقافة 1983
-السمفونية الهادئة -وزارة الثقافة 1985
-أوروبة أميرة صور -وزارة الثقافة 1986
-لميس والقطط -وزارة الثقافة 1986
-سوناتا الخريف والدمية -اتحاد الكتاب العرب 1992
19- محمد الماغوط:
-العصفور الأحدب -بيروت 1967
-المهرج -بيروت 1974
20- وليد مدفعي:
-وعلى الأرض السلام -دمشق 1961
-البيت الصاخب دمشق 1965
- وبعدين؟ -دمشق 1970
-أجراس بلارنين -دمشق اتحاد الكتاب 1982
21- يوسف مقدسي:
دخان الأقبية -دمشق 1973
22- حمدي موصلي:
الجرذان -1983
أحداث الليلة الثالثة عشرة 1986
الفرواتي مات مرتين- 1990
23- عبد الكريم ناصيف:
-المستشار الأعظم -اتحاد الكتاب العرب -1994.
24- عمر النص:
شهريار -بيروت 1966
25- سعد الله ونوس:
-حكايا جوقة التماثيل -دمشق 1965
-حفلة سمر من أجل 5 حزيران -بيروت.
-الملك هو الملك -بيروت -دار الآداب
-الفيل ياملك الزمان ومغامرة رأس المملوك جابر
-سهرة مع أبي خليل القباني
-مأساة بائع الدبس الفقير
-رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة1990
-الاغتصاب -1990
-يوم من زماننا وأحلام شقية -بيروت 1995
***
لايعني هذا العرض لأهم المسرحيات السورية المعاصرة (1965- 1996) أنه كامل، فالأرشفة ليست وظيفتنا من جهة، ثم هي تكون عملاً مستقلاً من جهة أخرى، ولايعني أيضاً أن كلّ هذه المسرحيات النثرية ذات سوية واحدة حتى عند المؤلف الواحد، ففي بعضها شعارات ومباشرة أكثر مما فيها من فنّ في توصيل الفكرة التي يريد المؤلف توصيلها ويهتمّ بعضها بالأناقة اللفظية وشعرية اللغة، كما فعل الدكتور عمر النص في مسرحيته "شهريار"، وظلّ بعضها في مجال الحدث المستلهم ولم يستطع توظيفه للتعبير عن تجربة معاصرة، نجد ذلك في مسرحية "تحت سماء الأندلس" لزكي قنصل، وكثير من هذه المسرحيات يلقى قبولاً جماهيرياً لما فيه من عزف مباشر على وتر حسّاس، كالعزف على صلة المواطن بالسلطة أو النظام أو ماشابه ذلك، وهذا عزف جديد في العالم العربي انتشر بعد النكسة، وإن كان هذا العزف أحياناً على حساب أدبية المسرحية وتقاناتها ورموزها ، وكثيراً ما يظل الرمز يومئ إلى مناسبة محددة كما فعل سعد الله ونوس في مسرحيته "حفلة سمر من أجل 5 حزيران""2"، فهي مسرحية سخّر فيها الكاتب رموزه وشخصياته ليعبّر عن حدث واقعي، وقد نجح في هذه المسرحية في الدلالة على واقع مرّ، وكانت إحدى مسرحياته التي سبّبت له الشهرة والذيوع، ولفتت الأنظار إلى المسرح السوري المعاصر، ولكننا نستطيع أن نقول إن الرموز والشخصيات في هذه المسرحية وأمثالها تظلّ تومئ إلى مرحلة محددة ومناسبة معروفة، وهي بنت هذه المناسبة منذ العنوان، ويحقّ لنا أن نتساءل: ماذا يبقى بعد مرور قرن على مثل هذه المسرحيات؟ فغنى هذه المسرحية وأمثالها يكمن في حدثها والمناسبة التي يشير إليها ذلك الحدث، وهي لا تحتوي على شخصيات مسرحية خالدة كأوديب سوفولكيس وهملت شكسبير وفقير موليير. ونحن أخيراً لا نتوخى من هذا العرض للمسرحية النثرية المعاصرة في سورية الدراسة الكاملة وملاءمة معظمها للمسرح، ولأن بعضها لم يُمثل، وربما لا يتاح له ذلك، ولذلك فإننا سنتوقف عند أهم الموضوعات التي عالجتها هذه المسرحيات.
الموضوعات في المسرحية السورية المعاصرة:
إنّ الاتجاهات الفكرية التي احتضنت المسرحية المعاصرة في سورية وحّركتها كثيرة، لكن أهمها ثلاثة اتجاهات:
1- الاتجاه القومي، ويمثله علي عقلة عرسان.
2- الاتجاه الوجودي، ويمثّله وليد إخلاصي.
3- الاتجاه الماركسي، ويمثّله سعد الله ونوس وفرحان بلبل.
إن هذه الاتجاهات جعلت المسرحية المعاصرة تقترب من الالتزام بقضايا الشعب، وتحقّق مقاربتها من المشكلات اليومية الحسّاسة بموضوعاتها المختلفة من جهة، وتتطور المسرحية المعاصرة في سورية من جهة أخرى.
وموضوعات المسرحية المعاصرة كثيرة، منها ماهو اجتماعي، ومنها ماهو ثقافي، ومنها ما هو سياسي، والفصل بين الاجتماعي والثقافي والسياسي في أي عمل أدبي عمل تعسّفي، وهو ضرب من العبث، فإننا نجد الاجتماعي في الثقافي، والثقافي في السياسي، والسياسي في الاجتماعي والثقافي، ولكن لابدّ في أيّ عمل أدبي من أن يبرز جانب على حساب الآخر، وأن يهيمن موضوع على حساب الموضوعات الأخرى، ونحن في هذه المرحلة المصيرية الحرجة في الوطن العربي بعامة وفي سورية بخاصة، نهتمّ، ولاسيما بعد حزيران، بالجانب السياسي وتحليلاته المتفاوتة بين مؤلف وآخر حسب المنظور الذي ينطلق منه والاتجاه الذي يلازمه، ولذلك كثرت المسرحيات السورية المعاصرة التي تتناول الجوانب السياسية والاجتماعية وأهم موضوعات المسرحية السورية المعاصرة:
1- هزيمة حزيران: كانت الصدمة التاريخية في حزيران كبيرة، استطاعت أن تكون نقطة تحوّل في الأدب العربي بعامة والمسرحية بخاصة، ومن أهم الأعمال التي تناولت هذا الموضوع مباشرة مسرحية "حفلة سمر من أجل 5 حزيران" لسعد الله ونوس، وقد حاول فيها المؤلف أن يعرّي الأنظمة الفاسدة المسؤولة عن الهزيمة، فهي في واد والشعب في واد آخر، والأنظمة تحاول دائماً طمس الحقائق وتغييب الشعب عن مسرح الحياة، وإبعاده عن مشكلاته وتسخيره لمصلحة النظام،وتهميشه، وإلغاء دوره، إضافة إلى تجزئة الوطن الواحد ولذلك كانت هزيمة حزيران متوقعة، وهي نتيجة للخرافات والعطالة والفساد وتزييف الواقع والجري خلف الشعارات البرّاقة، ولذلك نجحت هذه المسرحية نجاحاً باهراً، وكان نجاحها في جرأة المؤلف وطرحه لموضوعات يومية يحسّها الشعب، وقد كانت من قبل مهملة، فوضع ونوس يده على الجرح كما يقول المثل الشعبي.
2- حرب تشرين: وهي مسرحيات سريعة تقوم على الانتصار والابتهاج به وتحجيم دور العدو الصهيوني، وأهمّ المسرحيات التي تناولت هذا الموضوع مسرحية " يوم اسقطنا طائر الوهم" لوليد إخلاصي ، ومسرحية "أيها الإسرائيلي حان وقت الاستسلام"، لمصطفى الحلاج، وهما مسرحيتان فيهما الكثير من المباشرة والتسجيلية، وبخاصة في المسرحية الثانية.
3- القضية الفلسطينية: وهي تتجلّى في أعمال علي عقلة عرسان، ففي "الفلسطينيات" يتحدث عن القضية الفلسطينية منذ هجرة اليهود إلى فلسطين إلى حرب1948 ونزوح الفلسطينيين عن وطنهم، ثم ظهور العمل الفدائي، وفي "الغرباء" يصّور عرسان الصراع العربي الإسرائيلي من خلال الصراع بين جماعة أبي داود وأهل القرية، ثم إن موضوعات هزيمة حزيران وحرب تشرين وسواهما لاتخلو من الإشارة إلى القضية الفلسطينية مباشرة أو لامباشرة.
4- السلطة والقمع: هو الموضوع المحبّب في المسرحية والمسرح العربيين المعاصرين، فالعلاقة بين المواطن والسلطة علاقة مرضية، فلا تقوم السلطة إلاّ على القمع والبطش، وأجهزة القمع جاهزة دائماً لكبح جماح المواطن وسلب حريته وإرادته وتسخيره لمصالحها دون النظر إلى مصالحه وحياته، ويمكننا ان نضرب على ذلك مثلاً بمسرحية "المهرّج" لمحمد الماغوط، ففيها إدانات سطحية وشعارات زائفة تُردّدها بعض الشخصيات، وفيها كذلك تمثيل لرموز من التاريخ العربي، فصقر قريش مؤسس الدولة الأموية في الأندلس لايحارب شارلمان لانه يدافع عن الحدود، لكنه يحاربه لأنه حرمه من الجارية كهرمان"3"، ولذلك فإن شارلمان متآمر حقير، وهو مستعد للتخلي عن مملكته، ولكنه لايتخلى عن قلامة ظفر من أظافرها"4"، والمؤلف يريد من خلال هذا الإسقاط التاريخي بيان الحالة التي وصلت إليها العلاقة بين السلطة والوطن من جهة وبين السلطة والشعب من جهة أخرى.
وهو يبيّن في هذه المسرحية أن السلطة حوّلت الإنسان العربي إلى أرنب أو صرصور، وأن السلطة طوّرت نفسها للدفاع عن مصالحها ، وأن الانسان العربي لايستطيع أن يحارب العدو الصهيوني إذا ظل يعيش في ظلّ الإرهاب، وأن السلطة بهذا الشكل قادرة على إلغاء دور أيّ مواطن شريف، بل هي قادرة على اتهامه وتحويله إلى خائن وعميل"5".
ويستند الماغوط في توصيل هذه الأفكار إلى شخصيات يعبّر من خلالها، وأهّمها شخصية المهّرج الذي يتقلّب بأدوار عدة، ويتحول من شخصية إلى أخرى، وقارع الطبل الجاهل الذي يردّد مايقوله الآخرون، ولاهدف له سوى تزييف الواقع، ومدرّس اللغة العربية العجوز النكد الذي يرى نفسه قمة التعلّم والعلم، ولكنه لايهتم بالواقع المريض بقدر مايهتم بأن تكون عبارات الممثلين سليمة نحوياً"6"، وهو لايدين الشخصيات التقليدية وحسب وإنما لاتسلم شخصية من شخصيات العمل من إدانته، وهذا مافعله مع قارع الطبل والزبون والممثلين والرسام ومدير الفرقة المسرحية"7" والمسرحية بحقّ ضد الشعارات التي ترفعها الجماهير المتخلّفة من جهة، وهي تفضح العلاقة بين السلطة والمواطن من جهة.
إنّ هذا الموضوع وأمثاله من الموضوعات الحّساسة والجادّة والجديدة على الساحة العربية يتطلّب من المؤلف جرأة في طرحه وعمقاً في تحليله، وهو من الموضوعات الأثيرة اليوم في الأجناس الأدبية، وبخاصة في الشعر والرواية والمسرحية، وهو يشير أيضاً إلى المساحة التي بدأت تمنحها السلطات للأعمال الفنية من حرية القول، سواء أكان ذلك عن طريق الرمز أم كان ذلك مباشرة والرمز في كلّ الأحوال شفّاف لايتطلّب من القارئ أو المتفرج كبير تركيز لحلّ شيفراته ورموزه، ولاسيّما في الأعمال المسرحية.
وإذا كان محمد الماغوط قد بدأ في مثل هذه الموضوعات في شعره ومسرحياته، فإن بعض المؤلفين قد تابعه في هذا المنهج، ومنهم ممدوح عدوان في بعض مسرحياته، ومنها "القبض على طريف الحاوي" و"محاكمة الرجل الذي لم يحارب" و"الوحوش لاتغنّي" وسواها.
5- السلطة والمثقّف: صلة السلطة بالمثقف هي من صلة المواطن بالسلطة، ولكن بعض المسرحيات خصت المثقف بصفته مصدراً من مصادر الاشعاع والتنوير إذا كان دوره إيجابياً ، ولكنه إذا كان متقلباً انتهازياًصار مصدراً من مصادر التضليل ويصبح أكثر خطورة في سلبيته، لأنه يستطيع أن يخفي انتهازيته ومصالحه الشخصية بشكل لايستطيع الآخرون أن يفعلوا مثل فعله، وهو يستغّل مواهبه للوصول إلى مآربه الشخصية، ولذلك هو يقف إلى جانب أعداء طبقته، ويصبح هو والسلطة في جانب والجماهير في جانب آخر، وتعدّ مسرحية "رضا قيصر" لعلي عقلة عرسان مثالاً على هذا الموضوع في المسرح السوري المعاصر.
تتألف المسرحية من ثلاثة فصول، يقدّم بلاوتوس في الفصل الأول مسرحية ليكسب بها رضا قيصر، ولكن قيصر يغضب منه لأنه يقدّم لجمهور روما سموماً يونانية على حدّ تعبير قيصر.. ثم يبدأ يفكر في مسرحية من حياة روما نفسها.
ويحاول بلاوتوس في الفصل الثاني أن يقدّم عملاً يرضي قيصر حتى لو خسر الجمهور، ولكن قيصر يغضب منه غضبة عارمة بعد تقديم مسرحيته ويتهمه بأنه غبي أو أنه يحاول أن يسخر من روما وشعبها وقانونها ومنه رسمياً وشخصياً، ثم يُساق المؤلف المسرحي بلاوتوس إلى مقالع الرخام لينال جزاءه.
ونرى الممثلين الطفيلي وباكخيس في الفصل الثالث ينجحان في الوصول إلى البلاط.
ويمثلان أمام قيصر، ويعرضان عليه خدماتهما، وتستطيع باكخيس برقتها وظرفها وجمالها أن تستميل قلب قيصر، وتتداخل المشاهد من خلال التعتيم والإضاءة بين القصر ومقالع الرخام لنرى معاناة بلاوتوس، وتسعى باكخيس والطفيلي لبلاوتوس عند قيصر الذي يرضى عنه ويعيّنه في وظيفة المسؤول الثقافي للقصر، بشرط أن يكتبَ له ويوقّع هو ليفوز برضا قيصر، ويطلق عليه لقب نبيل، وهكذا يستسلم بلاوتوس المثقف للسلطة، ويصبح أحد أبواقها، وينفذ مايرضيها.
الشخصيات في "رضا قيصر" قليلة، وأهمها ثلاث: بلاوتوس وباكخيس والطفيلي، وهي محكمة البناء، واحدة، وإن كانت مصالحها متعارضة، فهي شخصيات انتهازية وإن كانت همومها مختلفة، فبلاوتوس يبحث منذ بداية المسرحية عن رضا قيصر، وتبحث باكخيس عن رضا عشّاقها، ويبحث الطفيلي عمن يُطْعِمُهُ.
وبلاوتوس شاعر مسرحي من العبيد أعتقه سيده، ولكنه هو يحتقر طبقته منذ البداية، ويتجلّى ذلك باحتقاره لعبديه الممثلين: الطفيلي وباكخيس، بل هو يحتقر جنس النساء، وهمّه أن ينال رضا قيصر، وهو مستعدّ دائماً لخيانة الشعب أو طبقته إذا تعرّضت مصالحه للخسارة، فهو يوصي باكخيس قائلاً: باكخيس.. لاتنسي أن تهتمي بقيصر.. نريد رضا قيصر"8"، وهو لا يهتم بالجمهور إذا نال رضا قيصر:
باكخيس: ياسيّدي بلاوتوس.. إن الجمهور لايتفاعل الآن مع الموضوع.
بلاوتوس: ماذا يهمني الآن من الجمهور. لقد كسبتُ قيصر"9"
ويقول أيضاً في حوار مع باكخيس:
إن مايعنيني هو قيصر... إذا كسبت قيصر لايهمني أن أخسر الجمهور"10"
ويفوز بلاوتوس في النهاية برضا قيصر، ولكنه يخسر نفسه، وهو كاتب، ولكنه يُكتب له ويُملى عليه:
بلاوتوس (يركض ويركع عند قدمي قيصر) مولاي قيصر.. اسمح لي بأن ألثم عتبتك (ينشج بالبكاء)
قيصر: حسناً يابلاوتوس.. انهض.. لقد منحتك رضاي على شرط (ينهض بلاوتوس).
بلاوتوس: إنني ملك مولاي.
قيصر: يكتبون لك.. وتوقع باسمك. وتحرّك لسانك بذكر أفضال وأمجاد وأعمال قيصر.. لاغير .. لاغير.
بلاوتوس (ينتحي جانباً) آه.. الآن بدأت أدرك كيف خرج نايفيوس من السجن. لابّد أنّ يداً كريمة امتدت إليه لتخرجه من سجنه وتصنع منه عظيماً على هذا الشرط. إنني أفوز الآن برضا قيصر الذي طلبته طوال عمري. ولكنني أخسر نفسي."11"
6- الفساد العام والموات: في مسرحيات سعد الله ونوس الأخيرة سواد يهيمن على المجتمع والواقع، ورجاء مفقود من إعادة التوازن إلى عالم ينهار أو انهار بانهيار القيم والمثل التي كنّا نتغنّى بها، ومسرحيته "يوم من زماننا""12" شاهدٌ جيّد على هذا الموضوع، فالشخصيات فيها قد وصلت إلى أقصى مايصل إليه الفساد والانحلال، ففي المشهد الأول يبيّن معلم الرياضيات فاروق الرجل المثالي الوحيد في المسرحية أنّ الدعارة وصلت إلى المدرسة التي يعلّم فيها، ويشرح ذلك لمدير المدرسة عبد العزيز الذي لايهتم بما يقصّه عليه فاروق، وهو يرى أنّ الفساد في الكتابات السياسية التي انتشرت على جدران المراحيض، وأن واجب المدير أن يحمي المدرسة من جرثومة السياسة، ولكن فاروق ويصرخ في وجه المدير إن بيت الستّ فدوى يمدّ أروقته داخل المدرسة، ويهدمنا من الداخل.
ويقابل فاروق في المشهد الثاني الشيخ متولي في المسجد الذي يؤكد لفاروق أن الفساد في العلوم التي يدرسها الطلاب في المدارس، وأن الستّ فدوى امرأة فاضلة تتبّرع لبناء أماكن العبادة والمشاريع الخيرية الأخرى.
ونجد الأستاذ فاروق في مكتب مدير المنطقة عدنان القاضي والد الطالبة ميسون، وهي تعمل قوّادة للستّ فدوى في المدرسة سراً، ويفاجأ الأستاذ حين يبيّن له عدنان القاضي أن ابنته ميسون صديقة لزوجته نجوى التي تزور بيت الستّ فدوى.
ثم نرى الأستاذ فاروق في المشهد الرابع في منزل الستّ فدوى التي تحاول استرضاءه ثم تقصّ عليه حكايتها مع زوجها الذي استغلّ ليلة الزفاف حين وجدها ليست عذ راء ليبتزّ أموال والدها التاجر، ولذلك قامت فدوى لتنتقم من هذا المجتمع الفاسد بتدميره، ثمّ تروي له أن زوجته تزور بيتها لأنها تحبّه وتساعده على متاعب الحياة.
ويقع الأستاذ فاروق في المشهد الأخير فريسة لعالم يديره الشيخ متولي والستّ فدوى وعدنان القاضي وثريا الموجّهة في مدرسة مديرها عبد العزيز، ويتبادل مع زوجته في المطبخ عبارات فيها الكثير من الحبّ والودّ وتذكار الزمن الماضي، ثم يقرران معاً الرحيل عن هذا العالم، فيغلق النافذة، يقفل باب المطبخ، ثم يقطع الأنبوب الذي يصل جرّة الغاز بالبوتوغاز، ويفتح الجرّة الاحتياطية، يتمدّد إلى جوار زوجته نجاة عاريين ليرحلا عن هذا العالم الموبوء.
إنّ هذه المسرحية بأحداثها وشخصياتها المختلفة وعباراتها تشير إلى أنه لامستقبل للفرد أو للمجتمع في عالم خربٍ عشش فيه الفساد، وتسلّل إلى أصقاعه الموات، وتلوّن فيه الناس بألف لون، وتقنّعوا بألف قناع، وطلوا وجوههم بالمساحيق وهي مسرحية النذير لاالمبشر، ولذلك تنغلق على رؤاها وتهدّم كل الجسور مع العالم.
7- السلطة والنظام: إن صلة السلطة بالمثقف أو بالمواطن من الموضوعات التي كثر تداولها في الأدب بعامة وفي المسرح بخاصة، ولكن صلة السلطة بالنظام من الموضوعات الشديدة الحساسية، وإن كانت قد ظهرت في بعض مسرحيات الرحابنة الغنائية، ولكنها تظّل دائرة مهملة من جهة لوعورة مسالكها أو لخطورة الخوض فيها، ونتوقف هنا وقفة سريعة لنحلّل مسرحية "الملك هو الملك" لسعد الله ونوس، وهي أنجح مسرحية تعرضت لهذا الموضوع.
قراءة مسرحية "الملك هو الملك" لسعد الله ونوس"13"
في المسرحية مدخل وأربعة فواصل وخمسة مشاهد وخاتمة، وقد جاءت علىالترتيب التالي: مدخل (5-13) -المشهد الأول (14-22) -فاصل أ (23-28) -المشهد الثاني (29-49) -فاصل 2(50- 55) -المشهد الثالث (56- 60) فاصل 3(61- 62) المشهد الرابع (63- 66) المشهد الرابع 2(67- 69) -المشهد الخامس 1(70- 75) -المشهد الخامس 2(76- 79) -المشهد الخامس 3(80- 87) -فاصل 4(88- 90) -المشهد الخامس 4(91- 107) -الخاتمة (108-111)
مصدر الحكاية المسرحية:
استمدّ ونوس حكاية المسرحية من إحدى قصص "ألف ليلة وليلة" وهي حكاية "النائم واليقظان، وقد يكون استمدها من مسرحية "أبو الحسن المغفّل""14" لمارون النقاش مباشرة.
حكاية المسرحية:
هي حكاية بسيطة ممتعة، ينقسم الشخوص في اللعبة المسرحية في المدخل إلى قسمين: مجموعة من الفقراء تحلم أحلاماً بعيدة، ومجموعة أصحاب المصالح الاقتصادية، ويمثّلهم شهبندر التجار الذي يدافع عنه الملك ووزيره وحاشيته والشيخ طه إمام الجامع، وكل فرد يحلم ويتحدث عن حلمه، وحلم أبي عزّة أن يصبح ملكاً ليومين ليقتص من أعدائه...
نرى في المشهد الأول الملك ضجراً يريد لعبة يسخر بهامن أحد أفراد شعبه، لكن البلاد تشكو من اضطراب داخلي، والوزير يدرك خطر هذه اللعبة،ولكن الملك يتنكّر ووزيره في لباس رجلين عاديين، مع أنّ عبيد وزاهد يعملان سراً لزعزعة الاستقرار الملكي ومقاومة الفساد والنظام، وهما يُمعنان في التنكر كما أنّ السلطة تمعن في الإرهاب، وهما يدبّران مؤامرة على العرش ويستغلانّ ذكر يوم التتويج لذلك.
يتقرّب عرقوب من عزّة وهي تردّه بعنف،ويحاول استغلال ديونه على الأب للزواج منها، ويظلّ أبو عزة الأهبل غارقاً في أحلامه وانتقامه من الشيخ الخؤون وشهبندر التجار، ويحضر إلى المنزل الحاج مصطفى (الملك) والحاج محمود (الوزير)، وتتمنى أم عزّة أمام الضيفين أن تقابل الملك لتشرح له حال البلاد السيئة، ويعدها الحاج مصطفى بذلك ليبقى الأحدب (عبيد المتنكر) في بيت عزّة.
وينُقل أبو عزة بعد تخديره إلى البلاط، وتدخل اللعبة ذروتها حين يستيقظ أبو عزّة في المشهد الرابع ملكاً، ويمسك العرش بقوة وحزم، ويطبقّ الإرهاب الذي تحتاجه الدولة على خير وجه، والأهم من ذلك كلّه أن أحداً لم يعرف أن شخص الملك قد تغّير بعد أن ارتدى أبو عزّة ثياب الملك الأصلي وحمل صولجانه ونام في فراشه، حتى زوجة الملك لاتهتمّ بذلك، والمهمّ أيضاً أن أبا عزة الملك الجديد لايعرف زوجته وابنته حين تمثلان امامه، فيحكم على زوج امرأته بالتجريس وعلى ابنته عزة بأن تصبح جارية للوزير، والأهمّ من ذلك أنه يقف إلى جانب شهبندر التجار والشيخ طه إمام الجامع ويدافع عنهما، مع أنه كان يحلم بالملك لينتقم منهما. وينتهي الملك الحقيقي إلى الجنون من لعبته هذه بعد أن أنكرته زوجته وأذهلته لعبة المغفل أبي عزّة، وهكذ يتبادل الرجلان الأدوار.
المحتوى والعمق:
إن قراءة هذه المسرحية تشير إلى أنّ أيّ إنسان يصل إلى السلطة تثيره شهوة الحكم، فيحاول أن يحافظ على عرشه بأيّ وسيلة كانت،وهذا ماتكشفهُ المسرحية، وتقول: إن تغيير الأفراد لايغيّر الحكم، فالملك هو الملك، والرداء هو الوزير، "أعطني رداءً وتاجاً، أعطك ملكاً"ص88، ويذهب الكاتب إلى أن ليس للملك سحنة أو وجه، وإنما للملك ثياب ملكية، فالملابس أهمّ من الرجل، ولذلك فإن استبدال شخص بشخص لايغيّر النظام، ولابدّ من ثورة تغير كل شيء.
الشخصيات:
ظّلت الشخصيات رهينة الحكاية الشعبية والحدث المسرحي، فلم تكن غنية في ذاتها، لكنها كانت غنية بالأفكار التي تؤديها، ولذلك انقسمت الشخصيات إلى مجموعتين لتقول كل منهما فكرة محددة. وأهمّ هذه الشخصيات:
أبو عزّة: كان من زمرة التجار ثم افتقر بعد المنافسة وجُنّ، ولكنه في جنونه ظّل يمارس حياة التاجر، وأحلامه مرتبطة بالعودة إلى ماكان فيه من عزّ وجاه، وظلّ أبو عزة ينظر إلى الفقراء على أنهم من الرعاع، فلما عاد إلى طبقته شفي من جنونه وتعلّم منه، فكان أشدّ إرهاباً ودراية ومعرفة بأسرار الملك من الملك الحقيقي. وقد وردت تعريفات لهذه الشخصية على لسان زوجته أم عزّة (ص9) كما وردت أحلامه وطموحاته على لسانه في مونولوغ طويل(8-9) إلخ...)
شخصية الملك: رمز السلطة، ولكنه لاهٍ عن القضايا المصيرية،متفرّغ لمباذله وملاهيه: وهو شخصية نرجسية، فيصرّح غير مرّة لوزيره بعبارات مثل :"كم عرفت هذه البلاد ملكاً مثلي؟" (ص16) و"كثيراً ماأشعر أن هذه البلاد لاتستحقني"(ص17)، وهو رجل سادي لاهمّ له سوى أن يتمتّع بآلام الشعب. وله أيضاً شخصية "الحاج مصطفى"
عرقوب: خادم أبي عزّة، فقير من طبقة الخدم،ولكنّه انتهازي خبيث، ماكر، متمّلق، يسخر من سيّده ويستغلّ افتقاره للحصول على ابنته التي لاتحبّه، وهذا مايعرفه القارئ من المونولوغ الطويل (ص11- 12).
الوزير: مداهن للملك، لايهتم إلاّ بإرضاء سيّده ويدفعه إلى النرجسية (16- 17)، وهو يتنكر في ثياب (الحاج محمود).
أم عزّة: امرأة واقعية تبحث عن لقمة العيش الشريفة، وتقول للملك المتخفي بثياب (الحاج مصطفى) إنها ستقول للملك حين تقابله: "ياملك الزمان العيارون واللصوص يحكمون البلاد، وينهبون أرزاق العباد. والعدل نائم، وليس هناك من يفتّش أو يحاسب. الغشّ رائج، والتعدّي سائد. لاسلامة ولاكرامة، ولاشريعة.." (ص46).
زاهد: من عامة الشعب، وهو مطلوب من رجال الأمن، يتنكّر في زيّ حماّل، ويعمل للثورة.
عبيد: يتنكّر في زي متسول ويعمل للثورة، يحبّ عزّة التي تأويه وتكتشف أنّ حدبته مصطنعة وأنه رجل متخف.
مايؤخذ على هذه المسرحية: تناول الكثير من الدارسين هذه المسرحية فور صدورها منجّمة على صفحات ملحق الثورة الثقافي، وكانت صفحات الملحق مجالاً لدراستها"15"، ولكن الدكتور أحمد حمو عدّ المسرحية تعريباً لمسرحية "الرجل هو الرجل" لبريخت"16"، وردّ عليه ونوس بعنف راداً عليه اتهاماته ومعنّفاً لأرائه"17".
والحقيقة أنّ هذه المسرحية أقرب إلى مسرحية "أبو الحسن المغّفل" لمارون النقاش، فالمصدر واحد. والحكاية واحدة، ولكن ونوس أضاف إليها أشياء كثيرة وعصرنّ هذه المسرحية لتقول مايريد أن يقوله، وابتعد بها عن مسرحية "أبو الحسن المغفل"، وبخاصة أنّ زمن كتابة كل من المسرحيتين مختلف، والظروف مختلفة هي الآخرى، ومع ذلك تظلّ بينهما بعض وجوه الاتفاق، وتبعد بينهما بعض وجوه الأختلاف من أهم وجوه الاتفاق بين المسرحيتين أن مصدر الحكاية واحد، وأنّ الشخصية المحورية (أبو الحسن -أو عزة) واحدة، وأن تغيّر اللباس يعني تغيّر الشخصية من الداخل فأحلام المغفّل أبو حسن في مسرحية النقاش تتلاشى وينساها حين يصبح ملكاً في الفصل الثاني، وينسى حبّه لدعد، كما ينسى قصاص طه إمام الجامع، وهذا مايحدث تماماً لأبي عزة المغفل في "الملك هو الملك"، فينسى الرجل، حين يصبح ملكاً، كل شيء، وينسى زوجته وابنته، وينسى حقده على شهبندر التجار وطه إمام الجامع ويتعاون معهما، وهذا مايدل على أنّ المظاهر الخارجية تؤثر في الإحساسات والأحلام والسلوك.
ومن أهمّ وجوه الاختلاف بين المسرحيتين أن الملك في مسرحية ونّوس غير محدّد بمكان أو زمان، ولكنه محدّد بشخصية هارون الرشيد وبالعصر العباسي زمانياً وببغداد مكانياً في مسرحية النقاش، ولذلك أخرج ونوس مسرحيته من الحّيز الزمني والمكاني، في حين ظلّ القارئ أو المتفرج في مسرحية النقاش متطلّعاً إلى ذلك العصر وذلك والمكان وتلك الشخصية، ولهذا كانت مسرحية ونوس إيحائية رمزية تصّح على كل الحالات المماثلة.
ومن وجوه الاختلاف أن التغيير الهام الذي أضافه ونّوس إلى بنية مسرحيته أنه جعل شخصية أبي عزّة يمتلك الفاعلية حين يصبح خليفة ، فتغيرت شخصيته تغيراً كلياً بعد أن كان قليل الهمة ، عديم الحيلة ، غارقاً في أوهامه . (ص 9 ) حتى أن رجال البلاط لايميزون بينه وبين الملك الحقيقي ، ولذلك كان اللباس هو المهم ، ولكن النقاش لم يجعل من صاحبه أبي الحسن يمتلك مثل هذه الفاعلية بل ظلّ صاحبه أضحوكة في البلاط نفسه، حتى من الجواري والقيان، ولهذا ظلت مسرحية مارون النقاش ضمن الكوميديا الاجتماعية، ولكن مسرحية ونوس انتقلت من الكوميديا إلى المسرحية السياسية الجادة الهادفة .
ويمكن أن يؤخذ على هذه المسرحية مايلي:
-الثورة التي يهيّئ لها الشعب هشَّة في النص، وتقسيم الشخصيات إلى مجموعتين غير متكافئتين لم يكن موفقاً، فقد كانت طبقة الحكم هي الراجحة، ولم يستطع زاهد وعبيد أن يفعلا شيئاً، بل ظّلت الثورة بلافاعلية.
-الشخوص في المسرحية تُحّرك كالدمى، فالحدث هو المهم عند ونوس، وشخصياته مسطّحة، فلا تقع على شخصية متحركة الرغبات والميول، متصارعة الأهواء والرغبات، -إراز الجانب السلبي للسلطة دون الجانب الإيجابي، فأيّ سلطة لابدّ من أن يكون لها جانب سليي وجانب إيجابي، حتى إن الجانب الإيجابي يكمن في الجانب السلبي، فللاستبداد جانبان سلبي (القمع) وإيجابي (الردع والأمن)، وونوس لم يبرز سوى الجانب الأول منهما.
تقانات المسرحية السورية المعاصرة:
لاحاجة بنا إلى أن نذكّر هنا أنّ المقصود بالتقانات هو التقانات داخل النص، ولاصلة لها من قريب أو بعيد بتقانات العرضِ، هي تقانات كتابية تصّح على المسرحية العربية المعاصرة بعامة، والمسرحية السورية المعاصرة بخاصة، وأهمها:
1- استلهمام التراث:
حاول المؤلفون، بعد أن تنادوا لتأصيل المسرح العربي، الالتفات إلى التراث العربي واستلهامه وتوظيفه في قضايا معاصرة وتجارب واقعية، واستلهام التراث سمة من سمات الأدب العربي الحديث، ولاسيما في الشعر والرواية، فكانت الالتفاتة إلى التاريخ العربي كما فعل زكي قنصل في "تحت سماء الأندلس" ومحمد الماغوط في "المهرّج"، فقد استطاع الأخير منهما أن يُعيد صقر قريش إلى زماننا ليبرهن للمتفرج أو القارئ أن الفساد قادر على ترويض البطولات والابطال، وأنّ زمننا وصل إلى درجة لا تحتمل من النفاق والزيف والدناءة والعمالة، وقد يلتفت بعض الأدباء إلى التاريخ الغربي لتوظيفه في تجربة معاصرة، كما فعل علي عقلة عرسان في مسرحيته الشهيرة "رضا قيصر" التي استطاع من خلالها أن يفضح زيف المثقف الانتهازي، وأن يصوّر تذبذب مواقفه بين الشعب وبين القيصر حين يبيع مبادئه كلها ليقف صراحة إلى جانب قيصر، بل يصبح عوناً له وعيناً على الثقافة العامة.
أما الالتفات إلى التراث الشعبي فهو الاعمّ والأغلب، فقد ذهب عمر النص إلى (شهريار) في "ألف ليلة وليلة"، وذهب سعد الله ونوس إلى حكاية "النائم واليقظان"، أو ذهب إلى الحكايات الشعبية في "الفيل ياملك الزمان".
ولايعدم المرء أن يجد التفاتاً إلى الأساطير العربية لاستلهمامها وتوظيفها، كما فعل نذير العظمة في مسرحية "أوروك تبحث عن جلجاش" او مسرحيته الأخرى "دروع امرئ القيس".
2- الإبعاد الزماني والمكاني:
إن استخدام التراث والرموز سبّبته تقانة الإبعاد، وتقوم هذه التقانة على خلق واقع فني بديل للواقع، يبتعد عنه زمانياً ومكانياً، لكنه غير بعيد عنه دلالياً، كأن يستخدم المؤلف واقعاً تاريخياً أو تراثياً أو حكاية شعبية أو أسطورة، وهذا مايتلاقى مع مفهوم البديل الموضوعي.
ويقوم الإبعاد على عملية المشابهة بين الواقعين: الفنّي والمعيش، والماضي والحاضر، فيكون الحدث التاريخي أو الحكائي الوهمي خلفيّة يستعيرها المؤلف لأحداث اليوم، ليعرض من خلالها قضية معاصرة، وهذا كثير في مسرحنا المعاصر، وهو مافعله علي عقلة عرسان في مسرحيته "رضا قيصر"، وهو مافعله أيضاً ونوس في "منمنمات تاريخية" و"الملك هو الملك" وسواهما، والإبعاد وسيلة يعالج من خلالها الكاتب أفكاره بعيداً عن المباشرة والسطحية، وهذا مايترك المجال مفتوحاً للمتلقي إزاء تأويلات عدّة، فيثري الكاتب عمله، وتتفتّح آفاق المتفرج أو القارئ وذهنيته على فضاءات نصيّة لامحدودة، ودلالات غنية.
3- استخدام المونولوغ:
وهو من أهم التقانات المسرحية لمعرفة داخلية الشخصية المسرحية من جهة، ومعرفة ماتتحلّى به من صفات، كما يؤدي إلى معرفة ماضيها من خلال الاسترجاع الداخلي، ومعرفة حاضرها ومستقبلها من خلال الاستباق، وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى معرفة ماسوف يحدث. أو معرفة أجزاء من ذلك، وهذا مانجده في أحلام أبي عزّة في "الملك هو الملك" منذ بداية المسرحية، ولعل مسرحية "أغنيات للمثل الوحيد" لوليد إخلاصي مثل جيّد على غنى المونولوغ الدرامي في بنية المسرحية.
4- المسرح داخل المسرح:
وهذا أيضاً تقانة معاصرة انتشرت في المسرحية المعاصرة السورية، فاستخدمها سعد الله ونوس في مسرحيته "سهرة مع أبي خليل القباني" واستخدمها علي عقلة عرسان في "رضا قيصر"، فعرض مسرحية في الفصل الأول أغضبت قيصر، وفعل ذلك الفعل في الفصل الثاني، وهذا ماأدى به إلى أن يساق إلى العمل الشاق في مقالع الرخام.
5- التغريب وكسر الإيهام:
هما مصطلحان انتشرا في بعض مسرحيات ونوس، وقد تسلّلا إليه من المسرح الملحمي البريختي الماركسي، فقد كان المسرح الأرسطي يقوم على إيهام الجمهور بان مايجري على المسرح حقيقة، ولكن يريخت الماركسي ذهب إلى ان المسرح معلّم ، وهو يتوجه إلى عقل المتفرج،ولذلك يتدخل الممثلون بين الفترة والفترة ليذكروا المتفرجين بأن مايجري أمامهم ليس سوى لعبة مسرحية"18".
إن كسر الإيهام المسرحي عند ونوس يتجلّى في مسرحيته "الفيل ياملك الزمان" في النهاية، إذ يلجأ المؤلف إلى فضح اللعبة المسرحية، فيصطفّ الممثلون ويردّد كل منهم بأن الحكاية التي مثلوها هي لعبة:
الجميع: هذه حكاية
ممثل5: ونحن ممثلون
ممثل3: مثلناها لكم لكي نتعلم معكم عبرتها.
ممثل7: هل عرفتم الآن لماذا توجد الفيلة؟
ممثل3: هل عرفتم الآن لماذا تتكاثر الفيلة
ممثل5: لكن حكايتنا ليست إلاَّ البداية.
ممثل4: عندما تتكاثر الفيلة تبدأ حكاية أخرى.
الجميع: حكاية دموية عنيفة.
وفي سهرة أخرى سنمثّل جميعاً تلك الحكاية.
(ثم ينسحب الجميع)"19"
ولكن سعد الله ونوس يبالغ في مسرحيته "الملك هو الملك" بالإعلان عن أن مسرحيّته لعبة في غير مكان، ففي المدخل يقف جيمع الممثلين ليعلنوا عن ذلك:
عبيد: (منادياً وسط الضوضاء) هي لعبة
أبو عزة: هي لعبة.
الملك: نحن نلعب(ص5)
ويذكّرنا ونوس في فاصل (3) بذلك:
السيّاف: في الحيطة السلامة، ومن الحيطة أن نذكر.
عرقوب: كيلا يغفل المرء، ويسرح الفكر،. نتوقف لحظة ونذكر.
السياف: المملكة خيالية.
عرقوب: والحكاية وهمية.
ونحن نحلم...
السياف: والأحلام كلها فردية.
عرقوب (قافزاً) وهم، وخيالات، وحلم.
عبيد: مامن ملك يتخلى عن عرشه إلاّ اقتلاعاً.
زاهد: مامن ملك يعير، أو يؤجر تاجه ولو مزاحا..
عرقوب: نحن نلعب.
السياف: واللعبة تمضي حتى الآن ببراءة.
عرقوب: هذا النهار، سيعتلي معلمي العرش، ويحكم.. وهو واحد منا. من حيّنا وعامتنا فماذا سيعطينا؟
السياف: بل هو من نخبتنا، فماذا سيعطينا؟....(ص61)
ثم يتوقف الممثلون في نهاية المسرحية (الخاتمة) ليؤكدوا أيضاً أن ماقاموا به هو لعبة مسرحية: مصطفى: قولوا.. كانت لعبة... والملك.... أنا هو.هو أنا .(109)
وعلينا ان، نشير هنا إلى أن تقانة التغريب قد عرفت في المسرحية العربية قبل ونوس في المسرحين الفصيح والعامّي، ففي مسرحية "بيّاع الخواتم" للرحابنة تستهل فيروز العرض المسرحي بـ "رح نحكي قصة، لاالقصة صحيحة، ولا الضيعة موجودة"، ثم تعود في نهاية العرض لتؤكد ذلك.
ويتشكّل التغريب أيضاً من االلافتات التي تؤكد كسر الإيهام وتذكّر بأن المسرحية لعبة، وتكثر اللافتات في مسرحية "الملك.هو الملك " لتشكل أيضاً مضمون المسرحية ، ففي المدخل لفتة " الملك هو الملك " لعبة تشخيصية لتحليل بنية السلطة في أنظمة التنكر الملكية"(ص5)، وفي المشهد الأول لافتة "عندما يضجر الملك يتذكر أن الرعية مسلية، وغنية بالطاقات الترفيهية"(ص14)، وفي فاصل (1) لافتة: "محكوم على الرعية أن تعيش الآن متنكرة"(ص23) وفي المشهد الثاني لافتة: "الواقع والوهم يتعاركان في بيت مواطن اسمه أبو عزة"(ص29)، وهكذا إلى نهاية المشاهد والفواصل والخاتمة.
6- المسرح الملحمي:
أي امتزاج السرد الملحمي بالحوار الدرامي، أو التحول من هذا إلى ذاك، وهذا كثير في المسرحية السورية، ففي "الملك هو الملك" تتخلّل البنية الحوارية مقاطع من السرد الروائي (ص53- 54 وص87 وص111)،ولكنّ هذا السرد يهيمن على بنية مسرحية "يوم من زماننا"، وكثيراً مايتجاوز مساحة الصفحة الواحدة، وهو على لسان المؤلف، ومنه ماجاء في المشهد الخامس:
(في المطبخ، فاروق يجلس وحيداً على كرسّي خشبي، ويمسك بيده سكين مطبخ. وعيناه زائغتان ووجهه شديد الشحوب.
هبط الليل، وبدأ يمتصّ المدينة. وفي صدره كان يتدافع ليل أشدّ ظلمة من ليل المدينة. حين دخل البيت أدرك أنها تعلم، فانزوى في المطبخ، واحتسى زجاجة من الماء، ظلّ فمه جافاً. نزع ربطة العنق والقميص، وبدأ يمزقهما. حين تعبت يداه، تناول السكين وقطع البقايا حتى صارت نسالة، غطّت أرض المطبخ، ثمّ أشعل سيجارة، وجلس. كان متعباً وخاوياً، وكان يفتّش عن الغضب فلا يجد إلاّ مواء خائراً وشاحباً، والآن ماذا يفعل؟ جرّ إبهام يده على النصل العريض، وتحسّس الحدّ المرهف حذراً. في ذلك اليوم حين حمل السلكين إلى البيت تأملتها ضاحكة وقالت: "هل اشتريها من القّصاب؟" فأجاب: "نعم من القصّاب اشتريتها. ولاتقولي بعد اليوم اشتريت لي سكّيناً لاتقشّر خيارة". فعقبت "لا. هذه يكفي أن تراها الخيارة حتى تتقشّر من الخوف".وكان يحلو له أن يجلس في المطبخ ويراقبها، وهي تفرم وتقشّر وتقطع. أصابعها الناعمة تلتفّ على المقبض الخشبي. كان يحسّ هذا الالتفاف لدناً ومثيراً . لادع الصور .. دع الذكريات وتأمل عارك بعينين مفتوحتين الليل يتقدّم، واللحظات تتوتر، ثم تمضي مثقلة بالخجل. فعلام تماطل أو تتمهّل. هذا الجرح لايشفيه إلاّ الدم. دم. دم... وجاشت معدته. حين كان طفلاً رأى دماً يسيل على فخذ أمه، فلجمه الرعب، ودخل في اللغز. فيما بعد فهم وتعلّم، ولكنه لم يبرأ من الرعب. ولم يخرج أبداً من قلق اللغز. مازال الدم يروّعه، ومازال هذا اللغز يحيره. الألغاز تتكاثر. في الجامع ألغاز. وفي المدرسة ألغاز. وفي المديرية آلغاز. وفي المدينة ألغاز. وهناك هناك في ذلك البيت تلتقي الألغاز والغوايات معاً. تلك المرايا، تلك الفتنة التي تسيل من الصوت والحركة، من الجسد والأثاث. هي الفوضى تكتسح الدنيا. فوضى مرعبة، تغرقه وتبلعه في دوامتها المظلمة. والآن.. ماذا يفعل؟ إنه وحيد وضائع. لم يعد له زمان، ولم يعد له مكان. وقواه خائرة. ليته يغفو قليلاً. أو ليته ينكبّ على مسألة رياضيات. حين تستغرقه مسألة رياضيات ينسى العالم ونفسه، ويشعر أنه يسبح في فضاء بلّوري نقي. ولكن الرياضيات بعض وساوس الشيطان، وأخوه كان يسخرمنه دائماً ويقول: "إن الرياضيات كالشعر، لاتعلّمك شيئاً عن الحياة" حقاً ماذا يعرف هو عن الحياة؟ ماذا يعرف عن العالم الذي يديره الشيخ متولي، والستّ فدوى وعدنان القاضي، وثرّيا، ومدير المدرسة، وذلك الشاب المشورب والمبرقع، وامرأته؟ وامرأته... كن رجلاً. لا.. لاالمكان مكاني ولاالزمان زماني. رأسي عجين رخو من الصور والبذاءات والكلمات. لو أغيب . (يدار مقبض الباب بارتباك، وتدخل نجاة)"20".
هكذا نتوصّل أخيراً إلى النتائج التالية حول المسرحية السورية المعاصرة:
1) تتجه المسرحية المعاصرة في سورية نحو المضمون السياسي التحريضي متخلّية في كثير من ظروفها عن الاتجاهات الأخرى، وهي كثيرة في العالم: الاتجاه الاجتماعي. الاتجاه العبثي- الفلسفي... إلخ والمسرح السياسي تسجيلي، تعليمي وتحريضي.
2) تلقى هذه المسرحيات انتشاراً واسعاً لتداخلها بالحياة اليومية، ولكنّ بعضها ينتابه الضعف الفنّي، والمسرح السياسي لايزدهر إلاّ في ظلّ الأزمات الاقتصادية والسياسية، فالمسرح الحزيراني -مثلاً- لايعيش إلاّ في ظلّ الصدمات التاريخية المماثلة، فإذا انقطع عنه الحدث المماثل لم يبق له وجود على نقيض مسرحيات الحكيم الذهنية، فهي صالحة لكّلّ زمان ومكان.
3)- بعض هذه المسرحيات لايُمثل على الخشبة، أو لم يُتح له ذلك، وقد أصبحت المسرحية للقراءة،وهذا مايسيء إلى الحركة المسرحية أولاً وأخيراً.
4)- المسرحية السورية المعاصرة، مسرحية حدث قبل أن تكون مسرحية شخصيات، وهي لاتحوي على شخصيات درامية غنيّة.
5) يتجه المسرح السوري بنصوصه المسرحية نحو مسرح بريخت التعليمي الملحمي التغريبي ، وبخاصة في أعمال سعد الله ونوس ، وهذا الاتجاه يغني المسرحية السورية إذا كان تنويعاً لمسرحيات اخرى تنهج غير هذا النهج، ولكنه يكون سبباً لافتقار المسرح السوري إلى التعّدد والتنوّع إذا اقتصرنا عليه وظلّ وحيداً على الساحة المسرحية، وبخاصة إذا اقتصرنا عليه وظلّ وحيداً على الساحة المسرحية، وبخاصة عند المؤلفين المبدعين، وهم قلّة في بداية النهضة المسرحية الحالية، وفي ظلّ غياب بناء مسرحي ملائم وممثل ومخرج قديرين
والأدب جزء من الواقع، وهو يتقدّم بتقدّم الزمن ويساير الحياة الاجتماعية حتى إذا كان هذا الأدب سريالياً، ومن هنا علينا أن نذكر بالتحولات الاجتماعية الخطيرة التي حدثت في الستينات ومابعدها لنضع أيدينا على التحولات التي طرأت على النص الأدبي (شعر -رواية -قصة) بعامة، والنص المسرحي بخاصة.....
إن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي حدثت في هذه المرحلة هي التي أدّت إلى مواجهة الأدب للسلطة، فقد مرّ عهد على البلاد كانت فيه سورية بعيدة عن العالم سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً كسواها من الأقطار العربية، ثم بدأت التشكّلات الحزبية في سورية، وانتشرت أولاً في المدن، فكانت المدينة مركزاً للتظاهرات يؤمّها المثقفون الريفيون للمشاركة فيها، وأخذت هذه الأحزاب تتنافس وتتقارب وتتباعد ويتضارب بعضها مع بعض أو بعضها مع السلطة أو ضدّها، وكان هناك غير اتجاه (ماركسي -قومي سوري -قومي عربي -ديني...إلخ).
ثم حدثت تحوّلات اجتماعية خطيرة وهجرات خارجية وداخلية ومد قومي متفائل إلى أن كانت الصدمة التاريخية في حزيران، فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وهنا بدأ الشرخ الكبير بين الأدب والسلطة، ولايقتصر هذا الشرخ على المسرحية، وإنما نجده في الأجناس الأدبية كلّها، وهو ظاهرة عامة لاتقتصر على الأدب في سورية، وإنما نجدها في معظم الأقطار العربية، ولاسيما المتاخمة منها للكيان الصهيوني (مصر -لبنان -سورية ا لأردن)، لظروف لامجال للتوسّع فيها هنا من جهة، ولأن مصر وسورية والأردن هي الأقطار العربية التي وقعت عليها النكسة مباشرة من جهة ثانية.
والمسرحية السورية المعاصرة وليدة الستينات، وهي متأثرة بغيرها من المسرحيات العربية، وبخاصة في مصر ولبنان، وهذا المجال يحتاج إلى دراسة خاصة، وقد بدأ الكتّاب السوريون يجرّبون كتابة النص المسرحي في الخمسينيات وينشرونه في المجلات الأدبية، وبخاصة في "الأداب"، ولكنّ معظم المؤلفين كانوا أدباء قبل أن يكونوا مسرحيين، وهم يشتغلون بالأجناس الأدبية الأخرى قبل أن يشتغلوا بالمسرحية، ومع ذلك لايمكننا أن ننكر أدوارهم، ويمكننا أن نستعرض هنا أهمّ الأعلام"1" وأهم أعمالهم النثرية المكتوبة بالفصحى:
1- وليد إخلاصي:
- العالم من قبل ومن بعد -دمشق- 1964
-الصراط -اتحاد الكتاب العرب -1976
- سبعة أصوات خشنة -وزارة الثقافة 1979
- سهرة ديمقراطية على الخشبة -دمشق 1979
-هذا النهر المجنون -دمشق1980
-أوديب -ليبيا- 1981
-أغنيات للممثل الوحيد -وزارة الثقافة1984
-من يقتل الأرملة -وزارة الثقافة 1986
-مسرحيتان للفرجة -وزارة الثقافة 1988..
2- خالد محيي الدين البرادعي:
له مسرحيات شعرية كثيرة، وأهم مسرحياته النثرية:
-أبو حيّان التوحيدي -دمشق- 1983
-الوحش -دمشق -اتحاد الكتاب العرب 1976
-الطريق إلى العصر الحجري
-الجراد -ليبيا -1978
-الشيخ بهلول وأفراد عائلته
3- فرحان بلبل:
-الحفلة دارت في الحارة -وزارة الثقافة 1973
-الممثلون يتراشقون الحجارة -وزارة الثقافة 1975
-العشاق لايفشلون -وزارة الثقافة 1977
-لاتنظر من ثقب الباب -اتحاد الكتاب العرب -1978
-الجدران القرمزية -وزارة الثقافة 1980
-العيون ذات الاتساع الضيق -اتحاد الكتاب العرب 1980
-القرى تصعد إلى القمر -دار الكلمة -بيروت 1980
-ثلاث مسرحيات غير محايدة -دار الحقائق -بيروت1982
-ياحاضر يازمان -وزارة الثقافة 1982
-لاترهب حدّ السيف -اتحاد الكتاب العرب 1984.
4- غسان ماهر الجزائري:
-عالم واسع الأرجاء -دمشق 1983.
5- مصطفى الحلاج:
القتل والندم -مجلة الآداب -عددك2 1957
-احتفال ليلي خاص لدريسدن -وزارة الثقافة 1970
-الدراويش يبحثون عن الحقيقة -1970
-أيها الإسرائيلي حان وقت الاستسلام -مجلة المعرفة -ع144- 1974
6- أحمد يوسف داود:
-الخطا التي تنحدر -دمشق1972
-مالكو يخترق تدمر -دمشق1980
7-فيصل الراشد:
المخرج والطباخ
زوج متين من الجوارب
امرأة حافية
8- الأب إلياس زحلاوي:
-المدينة المصلوبة -دمشق 1973
-الطريق إلى كوجو -دمشق 1976
-وجبة الأباطرة -دمشق1981
9- مرادي السباعي
الحكاية ذاتها -وزارة الثقافة 1967
10- نجم الدين سمان:
-حكاية تل الحنطة- 1986
-درب الأحلام 1989
11- عبد المعطي سويد:
القمر والشياطين -دمشق 1979
12- مصطفى صمودي:
الوان وضباب.
أغنية البحر.
المتوازيان.
مارا.
13- ممدوح عدوان:
-محاكمة الرجل الذي لم يحارب بغداد 1970
-ليل العبيد -دمشق 1977
-هملت يستيقظ متأخراً -دمشق 1977
-حكايات الملوك -اتحاد الكتاب العرب 1989
-كيف تركت السيف -دمشق1989
- الوحوش لاتغني - اللمبة - دمشق 1989
14- علي عقلة عرسان:
-ثلاث مسرحيات (زوار الليل -الشيخ والطريق -الفلسطينيات) -وزارة الثقافة -1971
-السجين رقم 95 -اتحاد الكتاب العرب 1974.
-الغرباء -وزارة الثقافة 1974.
-رضا قيصر -وزارة الثقافة 1975.
- عراضة الخصوم -اتحاد الكتاب العرب 1976.
-الأقنعة -اتحاد الكتاب العرب 1987
15- رياض عصمت:
-نجوم في ليل طويل -دمشق1979
-طائر الخرافة ومسرحيات أخرى دمشق 1974
-الحداد يليق بأنتيغون -بيروت 1978
- لعبة الحب والثورة - بيروت 1978
- هل كان العشاء دسماً أيتها الأخت الطيبة ؟ - دمشق - 1978
-السندباد -دمشق -1982.
16- نذير العظمة:
-سيزيف الأندلسي -دمشق.
-طائر السمرمر -بيروت 1982.
-أوروك تبحث عن جلجامش -اتحاد الكتاب العرب 1986
-دروع امرئ القيس -دمشق1992
-المرايا -دمشق- 1992
17- زكي قنصل
-تحت سماء الأندلس -وزارة الثقافة والإرشاد والقومي -1965
18- وليد فاضل:
-جلجامش -وزارة الثقافة 1981
-حلم في محطة قطار -وزارة الثقافة 1981
-العشاء المقدس -وزارة الثقافة 1983
- ايفا - وزارة الثقافة 1983
-السمفونية الهادئة -وزارة الثقافة 1985
-أوروبة أميرة صور -وزارة الثقافة 1986
-لميس والقطط -وزارة الثقافة 1986
-سوناتا الخريف والدمية -اتحاد الكتاب العرب 1992
19- محمد الماغوط:
-العصفور الأحدب -بيروت 1967
-المهرج -بيروت 1974
20- وليد مدفعي:
-وعلى الأرض السلام -دمشق 1961
-البيت الصاخب دمشق 1965
- وبعدين؟ -دمشق 1970
-أجراس بلارنين -دمشق اتحاد الكتاب 1982
21- يوسف مقدسي:
دخان الأقبية -دمشق 1973
22- حمدي موصلي:
الجرذان -1983
أحداث الليلة الثالثة عشرة 1986
الفرواتي مات مرتين- 1990
23- عبد الكريم ناصيف:
-المستشار الأعظم -اتحاد الكتاب العرب -1994.
24- عمر النص:
شهريار -بيروت 1966
25- سعد الله ونوس:
-حكايا جوقة التماثيل -دمشق 1965
-حفلة سمر من أجل 5 حزيران -بيروت.
-الملك هو الملك -بيروت -دار الآداب
-الفيل ياملك الزمان ومغامرة رأس المملوك جابر
-سهرة مع أبي خليل القباني
-مأساة بائع الدبس الفقير
-رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة1990
-الاغتصاب -1990
-يوم من زماننا وأحلام شقية -بيروت 1995
***
لايعني هذا العرض لأهم المسرحيات السورية المعاصرة (1965- 1996) أنه كامل، فالأرشفة ليست وظيفتنا من جهة، ثم هي تكون عملاً مستقلاً من جهة أخرى، ولايعني أيضاً أن كلّ هذه المسرحيات النثرية ذات سوية واحدة حتى عند المؤلف الواحد، ففي بعضها شعارات ومباشرة أكثر مما فيها من فنّ في توصيل الفكرة التي يريد المؤلف توصيلها ويهتمّ بعضها بالأناقة اللفظية وشعرية اللغة، كما فعل الدكتور عمر النص في مسرحيته "شهريار"، وظلّ بعضها في مجال الحدث المستلهم ولم يستطع توظيفه للتعبير عن تجربة معاصرة، نجد ذلك في مسرحية "تحت سماء الأندلس" لزكي قنصل، وكثير من هذه المسرحيات يلقى قبولاً جماهيرياً لما فيه من عزف مباشر على وتر حسّاس، كالعزف على صلة المواطن بالسلطة أو النظام أو ماشابه ذلك، وهذا عزف جديد في العالم العربي انتشر بعد النكسة، وإن كان هذا العزف أحياناً على حساب أدبية المسرحية وتقاناتها ورموزها ، وكثيراً ما يظل الرمز يومئ إلى مناسبة محددة كما فعل سعد الله ونوس في مسرحيته "حفلة سمر من أجل 5 حزيران""2"، فهي مسرحية سخّر فيها الكاتب رموزه وشخصياته ليعبّر عن حدث واقعي، وقد نجح في هذه المسرحية في الدلالة على واقع مرّ، وكانت إحدى مسرحياته التي سبّبت له الشهرة والذيوع، ولفتت الأنظار إلى المسرح السوري المعاصر، ولكننا نستطيع أن نقول إن الرموز والشخصيات في هذه المسرحية وأمثالها تظلّ تومئ إلى مرحلة محددة ومناسبة معروفة، وهي بنت هذه المناسبة منذ العنوان، ويحقّ لنا أن نتساءل: ماذا يبقى بعد مرور قرن على مثل هذه المسرحيات؟ فغنى هذه المسرحية وأمثالها يكمن في حدثها والمناسبة التي يشير إليها ذلك الحدث، وهي لا تحتوي على شخصيات مسرحية خالدة كأوديب سوفولكيس وهملت شكسبير وفقير موليير. ونحن أخيراً لا نتوخى من هذا العرض للمسرحية النثرية المعاصرة في سورية الدراسة الكاملة وملاءمة معظمها للمسرح، ولأن بعضها لم يُمثل، وربما لا يتاح له ذلك، ولذلك فإننا سنتوقف عند أهم الموضوعات التي عالجتها هذه المسرحيات.
الموضوعات في المسرحية السورية المعاصرة:
إنّ الاتجاهات الفكرية التي احتضنت المسرحية المعاصرة في سورية وحّركتها كثيرة، لكن أهمها ثلاثة اتجاهات:
1- الاتجاه القومي، ويمثله علي عقلة عرسان.
2- الاتجاه الوجودي، ويمثّله وليد إخلاصي.
3- الاتجاه الماركسي، ويمثّله سعد الله ونوس وفرحان بلبل.
إن هذه الاتجاهات جعلت المسرحية المعاصرة تقترب من الالتزام بقضايا الشعب، وتحقّق مقاربتها من المشكلات اليومية الحسّاسة بموضوعاتها المختلفة من جهة، وتتطور المسرحية المعاصرة في سورية من جهة أخرى.
وموضوعات المسرحية المعاصرة كثيرة، منها ماهو اجتماعي، ومنها ماهو ثقافي، ومنها ما هو سياسي، والفصل بين الاجتماعي والثقافي والسياسي في أي عمل أدبي عمل تعسّفي، وهو ضرب من العبث، فإننا نجد الاجتماعي في الثقافي، والثقافي في السياسي، والسياسي في الاجتماعي والثقافي، ولكن لابدّ في أيّ عمل أدبي من أن يبرز جانب على حساب الآخر، وأن يهيمن موضوع على حساب الموضوعات الأخرى، ونحن في هذه المرحلة المصيرية الحرجة في الوطن العربي بعامة وفي سورية بخاصة، نهتمّ، ولاسيما بعد حزيران، بالجانب السياسي وتحليلاته المتفاوتة بين مؤلف وآخر حسب المنظور الذي ينطلق منه والاتجاه الذي يلازمه، ولذلك كثرت المسرحيات السورية المعاصرة التي تتناول الجوانب السياسية والاجتماعية وأهم موضوعات المسرحية السورية المعاصرة:
1- هزيمة حزيران: كانت الصدمة التاريخية في حزيران كبيرة، استطاعت أن تكون نقطة تحوّل في الأدب العربي بعامة والمسرحية بخاصة، ومن أهم الأعمال التي تناولت هذا الموضوع مباشرة مسرحية "حفلة سمر من أجل 5 حزيران" لسعد الله ونوس، وقد حاول فيها المؤلف أن يعرّي الأنظمة الفاسدة المسؤولة عن الهزيمة، فهي في واد والشعب في واد آخر، والأنظمة تحاول دائماً طمس الحقائق وتغييب الشعب عن مسرح الحياة، وإبعاده عن مشكلاته وتسخيره لمصلحة النظام،وتهميشه، وإلغاء دوره، إضافة إلى تجزئة الوطن الواحد ولذلك كانت هزيمة حزيران متوقعة، وهي نتيجة للخرافات والعطالة والفساد وتزييف الواقع والجري خلف الشعارات البرّاقة، ولذلك نجحت هذه المسرحية نجاحاً باهراً، وكان نجاحها في جرأة المؤلف وطرحه لموضوعات يومية يحسّها الشعب، وقد كانت من قبل مهملة، فوضع ونوس يده على الجرح كما يقول المثل الشعبي.
2- حرب تشرين: وهي مسرحيات سريعة تقوم على الانتصار والابتهاج به وتحجيم دور العدو الصهيوني، وأهمّ المسرحيات التي تناولت هذا الموضوع مسرحية " يوم اسقطنا طائر الوهم" لوليد إخلاصي ، ومسرحية "أيها الإسرائيلي حان وقت الاستسلام"، لمصطفى الحلاج، وهما مسرحيتان فيهما الكثير من المباشرة والتسجيلية، وبخاصة في المسرحية الثانية.
3- القضية الفلسطينية: وهي تتجلّى في أعمال علي عقلة عرسان، ففي "الفلسطينيات" يتحدث عن القضية الفلسطينية منذ هجرة اليهود إلى فلسطين إلى حرب1948 ونزوح الفلسطينيين عن وطنهم، ثم ظهور العمل الفدائي، وفي "الغرباء" يصّور عرسان الصراع العربي الإسرائيلي من خلال الصراع بين جماعة أبي داود وأهل القرية، ثم إن موضوعات هزيمة حزيران وحرب تشرين وسواهما لاتخلو من الإشارة إلى القضية الفلسطينية مباشرة أو لامباشرة.
4- السلطة والقمع: هو الموضوع المحبّب في المسرحية والمسرح العربيين المعاصرين، فالعلاقة بين المواطن والسلطة علاقة مرضية، فلا تقوم السلطة إلاّ على القمع والبطش، وأجهزة القمع جاهزة دائماً لكبح جماح المواطن وسلب حريته وإرادته وتسخيره لمصالحها دون النظر إلى مصالحه وحياته، ويمكننا ان نضرب على ذلك مثلاً بمسرحية "المهرّج" لمحمد الماغوط، ففيها إدانات سطحية وشعارات زائفة تُردّدها بعض الشخصيات، وفيها كذلك تمثيل لرموز من التاريخ العربي، فصقر قريش مؤسس الدولة الأموية في الأندلس لايحارب شارلمان لانه يدافع عن الحدود، لكنه يحاربه لأنه حرمه من الجارية كهرمان"3"، ولذلك فإن شارلمان متآمر حقير، وهو مستعد للتخلي عن مملكته، ولكنه لايتخلى عن قلامة ظفر من أظافرها"4"، والمؤلف يريد من خلال هذا الإسقاط التاريخي بيان الحالة التي وصلت إليها العلاقة بين السلطة والوطن من جهة وبين السلطة والشعب من جهة أخرى.
وهو يبيّن في هذه المسرحية أن السلطة حوّلت الإنسان العربي إلى أرنب أو صرصور، وأن السلطة طوّرت نفسها للدفاع عن مصالحها ، وأن الانسان العربي لايستطيع أن يحارب العدو الصهيوني إذا ظل يعيش في ظلّ الإرهاب، وأن السلطة بهذا الشكل قادرة على إلغاء دور أيّ مواطن شريف، بل هي قادرة على اتهامه وتحويله إلى خائن وعميل"5".
ويستند الماغوط في توصيل هذه الأفكار إلى شخصيات يعبّر من خلالها، وأهّمها شخصية المهّرج الذي يتقلّب بأدوار عدة، ويتحول من شخصية إلى أخرى، وقارع الطبل الجاهل الذي يردّد مايقوله الآخرون، ولاهدف له سوى تزييف الواقع، ومدرّس اللغة العربية العجوز النكد الذي يرى نفسه قمة التعلّم والعلم، ولكنه لايهتم بالواقع المريض بقدر مايهتم بأن تكون عبارات الممثلين سليمة نحوياً"6"، وهو لايدين الشخصيات التقليدية وحسب وإنما لاتسلم شخصية من شخصيات العمل من إدانته، وهذا مافعله مع قارع الطبل والزبون والممثلين والرسام ومدير الفرقة المسرحية"7" والمسرحية بحقّ ضد الشعارات التي ترفعها الجماهير المتخلّفة من جهة، وهي تفضح العلاقة بين السلطة والمواطن من جهة.
إنّ هذا الموضوع وأمثاله من الموضوعات الحّساسة والجادّة والجديدة على الساحة العربية يتطلّب من المؤلف جرأة في طرحه وعمقاً في تحليله، وهو من الموضوعات الأثيرة اليوم في الأجناس الأدبية، وبخاصة في الشعر والرواية والمسرحية، وهو يشير أيضاً إلى المساحة التي بدأت تمنحها السلطات للأعمال الفنية من حرية القول، سواء أكان ذلك عن طريق الرمز أم كان ذلك مباشرة والرمز في كلّ الأحوال شفّاف لايتطلّب من القارئ أو المتفرج كبير تركيز لحلّ شيفراته ورموزه، ولاسيّما في الأعمال المسرحية.
وإذا كان محمد الماغوط قد بدأ في مثل هذه الموضوعات في شعره ومسرحياته، فإن بعض المؤلفين قد تابعه في هذا المنهج، ومنهم ممدوح عدوان في بعض مسرحياته، ومنها "القبض على طريف الحاوي" و"محاكمة الرجل الذي لم يحارب" و"الوحوش لاتغنّي" وسواها.
5- السلطة والمثقّف: صلة السلطة بالمثقف هي من صلة المواطن بالسلطة، ولكن بعض المسرحيات خصت المثقف بصفته مصدراً من مصادر الاشعاع والتنوير إذا كان دوره إيجابياً ، ولكنه إذا كان متقلباً انتهازياًصار مصدراً من مصادر التضليل ويصبح أكثر خطورة في سلبيته، لأنه يستطيع أن يخفي انتهازيته ومصالحه الشخصية بشكل لايستطيع الآخرون أن يفعلوا مثل فعله، وهو يستغّل مواهبه للوصول إلى مآربه الشخصية، ولذلك هو يقف إلى جانب أعداء طبقته، ويصبح هو والسلطة في جانب والجماهير في جانب آخر، وتعدّ مسرحية "رضا قيصر" لعلي عقلة عرسان مثالاً على هذا الموضوع في المسرح السوري المعاصر.
تتألف المسرحية من ثلاثة فصول، يقدّم بلاوتوس في الفصل الأول مسرحية ليكسب بها رضا قيصر، ولكن قيصر يغضب منه لأنه يقدّم لجمهور روما سموماً يونانية على حدّ تعبير قيصر.. ثم يبدأ يفكر في مسرحية من حياة روما نفسها.
ويحاول بلاوتوس في الفصل الثاني أن يقدّم عملاً يرضي قيصر حتى لو خسر الجمهور، ولكن قيصر يغضب منه غضبة عارمة بعد تقديم مسرحيته ويتهمه بأنه غبي أو أنه يحاول أن يسخر من روما وشعبها وقانونها ومنه رسمياً وشخصياً، ثم يُساق المؤلف المسرحي بلاوتوس إلى مقالع الرخام لينال جزاءه.
ونرى الممثلين الطفيلي وباكخيس في الفصل الثالث ينجحان في الوصول إلى البلاط.
ويمثلان أمام قيصر، ويعرضان عليه خدماتهما، وتستطيع باكخيس برقتها وظرفها وجمالها أن تستميل قلب قيصر، وتتداخل المشاهد من خلال التعتيم والإضاءة بين القصر ومقالع الرخام لنرى معاناة بلاوتوس، وتسعى باكخيس والطفيلي لبلاوتوس عند قيصر الذي يرضى عنه ويعيّنه في وظيفة المسؤول الثقافي للقصر، بشرط أن يكتبَ له ويوقّع هو ليفوز برضا قيصر، ويطلق عليه لقب نبيل، وهكذا يستسلم بلاوتوس المثقف للسلطة، ويصبح أحد أبواقها، وينفذ مايرضيها.
الشخصيات في "رضا قيصر" قليلة، وأهمها ثلاث: بلاوتوس وباكخيس والطفيلي، وهي محكمة البناء، واحدة، وإن كانت مصالحها متعارضة، فهي شخصيات انتهازية وإن كانت همومها مختلفة، فبلاوتوس يبحث منذ بداية المسرحية عن رضا قيصر، وتبحث باكخيس عن رضا عشّاقها، ويبحث الطفيلي عمن يُطْعِمُهُ.
وبلاوتوس شاعر مسرحي من العبيد أعتقه سيده، ولكنه هو يحتقر طبقته منذ البداية، ويتجلّى ذلك باحتقاره لعبديه الممثلين: الطفيلي وباكخيس، بل هو يحتقر جنس النساء، وهمّه أن ينال رضا قيصر، وهو مستعدّ دائماً لخيانة الشعب أو طبقته إذا تعرّضت مصالحه للخسارة، فهو يوصي باكخيس قائلاً: باكخيس.. لاتنسي أن تهتمي بقيصر.. نريد رضا قيصر"8"، وهو لا يهتم بالجمهور إذا نال رضا قيصر:
باكخيس: ياسيّدي بلاوتوس.. إن الجمهور لايتفاعل الآن مع الموضوع.
بلاوتوس: ماذا يهمني الآن من الجمهور. لقد كسبتُ قيصر"9"
ويقول أيضاً في حوار مع باكخيس:
إن مايعنيني هو قيصر... إذا كسبت قيصر لايهمني أن أخسر الجمهور"10"
ويفوز بلاوتوس في النهاية برضا قيصر، ولكنه يخسر نفسه، وهو كاتب، ولكنه يُكتب له ويُملى عليه:
بلاوتوس (يركض ويركع عند قدمي قيصر) مولاي قيصر.. اسمح لي بأن ألثم عتبتك (ينشج بالبكاء)
قيصر: حسناً يابلاوتوس.. انهض.. لقد منحتك رضاي على شرط (ينهض بلاوتوس).
بلاوتوس: إنني ملك مولاي.
قيصر: يكتبون لك.. وتوقع باسمك. وتحرّك لسانك بذكر أفضال وأمجاد وأعمال قيصر.. لاغير .. لاغير.
بلاوتوس (ينتحي جانباً) آه.. الآن بدأت أدرك كيف خرج نايفيوس من السجن. لابّد أنّ يداً كريمة امتدت إليه لتخرجه من سجنه وتصنع منه عظيماً على هذا الشرط. إنني أفوز الآن برضا قيصر الذي طلبته طوال عمري. ولكنني أخسر نفسي."11"
6- الفساد العام والموات: في مسرحيات سعد الله ونوس الأخيرة سواد يهيمن على المجتمع والواقع، ورجاء مفقود من إعادة التوازن إلى عالم ينهار أو انهار بانهيار القيم والمثل التي كنّا نتغنّى بها، ومسرحيته "يوم من زماننا""12" شاهدٌ جيّد على هذا الموضوع، فالشخصيات فيها قد وصلت إلى أقصى مايصل إليه الفساد والانحلال، ففي المشهد الأول يبيّن معلم الرياضيات فاروق الرجل المثالي الوحيد في المسرحية أنّ الدعارة وصلت إلى المدرسة التي يعلّم فيها، ويشرح ذلك لمدير المدرسة عبد العزيز الذي لايهتم بما يقصّه عليه فاروق، وهو يرى أنّ الفساد في الكتابات السياسية التي انتشرت على جدران المراحيض، وأن واجب المدير أن يحمي المدرسة من جرثومة السياسة، ولكن فاروق ويصرخ في وجه المدير إن بيت الستّ فدوى يمدّ أروقته داخل المدرسة، ويهدمنا من الداخل.
ويقابل فاروق في المشهد الثاني الشيخ متولي في المسجد الذي يؤكد لفاروق أن الفساد في العلوم التي يدرسها الطلاب في المدارس، وأن الستّ فدوى امرأة فاضلة تتبّرع لبناء أماكن العبادة والمشاريع الخيرية الأخرى.
ونجد الأستاذ فاروق في مكتب مدير المنطقة عدنان القاضي والد الطالبة ميسون، وهي تعمل قوّادة للستّ فدوى في المدرسة سراً، ويفاجأ الأستاذ حين يبيّن له عدنان القاضي أن ابنته ميسون صديقة لزوجته نجوى التي تزور بيت الستّ فدوى.
ثم نرى الأستاذ فاروق في المشهد الرابع في منزل الستّ فدوى التي تحاول استرضاءه ثم تقصّ عليه حكايتها مع زوجها الذي استغلّ ليلة الزفاف حين وجدها ليست عذ راء ليبتزّ أموال والدها التاجر، ولذلك قامت فدوى لتنتقم من هذا المجتمع الفاسد بتدميره، ثمّ تروي له أن زوجته تزور بيتها لأنها تحبّه وتساعده على متاعب الحياة.
ويقع الأستاذ فاروق في المشهد الأخير فريسة لعالم يديره الشيخ متولي والستّ فدوى وعدنان القاضي وثريا الموجّهة في مدرسة مديرها عبد العزيز، ويتبادل مع زوجته في المطبخ عبارات فيها الكثير من الحبّ والودّ وتذكار الزمن الماضي، ثم يقرران معاً الرحيل عن هذا العالم، فيغلق النافذة، يقفل باب المطبخ، ثم يقطع الأنبوب الذي يصل جرّة الغاز بالبوتوغاز، ويفتح الجرّة الاحتياطية، يتمدّد إلى جوار زوجته نجاة عاريين ليرحلا عن هذا العالم الموبوء.
إنّ هذه المسرحية بأحداثها وشخصياتها المختلفة وعباراتها تشير إلى أنه لامستقبل للفرد أو للمجتمع في عالم خربٍ عشش فيه الفساد، وتسلّل إلى أصقاعه الموات، وتلوّن فيه الناس بألف لون، وتقنّعوا بألف قناع، وطلوا وجوههم بالمساحيق وهي مسرحية النذير لاالمبشر، ولذلك تنغلق على رؤاها وتهدّم كل الجسور مع العالم.
7- السلطة والنظام: إن صلة السلطة بالمثقف أو بالمواطن من الموضوعات التي كثر تداولها في الأدب بعامة وفي المسرح بخاصة، ولكن صلة السلطة بالنظام من الموضوعات الشديدة الحساسية، وإن كانت قد ظهرت في بعض مسرحيات الرحابنة الغنائية، ولكنها تظّل دائرة مهملة من جهة لوعورة مسالكها أو لخطورة الخوض فيها، ونتوقف هنا وقفة سريعة لنحلّل مسرحية "الملك هو الملك" لسعد الله ونوس، وهي أنجح مسرحية تعرضت لهذا الموضوع.
قراءة مسرحية "الملك هو الملك" لسعد الله ونوس"13"
في المسرحية مدخل وأربعة فواصل وخمسة مشاهد وخاتمة، وقد جاءت علىالترتيب التالي: مدخل (5-13) -المشهد الأول (14-22) -فاصل أ (23-28) -المشهد الثاني (29-49) -فاصل 2(50- 55) -المشهد الثالث (56- 60) فاصل 3(61- 62) المشهد الرابع (63- 66) المشهد الرابع 2(67- 69) -المشهد الخامس 1(70- 75) -المشهد الخامس 2(76- 79) -المشهد الخامس 3(80- 87) -فاصل 4(88- 90) -المشهد الخامس 4(91- 107) -الخاتمة (108-111)
مصدر الحكاية المسرحية:
استمدّ ونوس حكاية المسرحية من إحدى قصص "ألف ليلة وليلة" وهي حكاية "النائم واليقظان، وقد يكون استمدها من مسرحية "أبو الحسن المغفّل""14" لمارون النقاش مباشرة.
حكاية المسرحية:
هي حكاية بسيطة ممتعة، ينقسم الشخوص في اللعبة المسرحية في المدخل إلى قسمين: مجموعة من الفقراء تحلم أحلاماً بعيدة، ومجموعة أصحاب المصالح الاقتصادية، ويمثّلهم شهبندر التجار الذي يدافع عنه الملك ووزيره وحاشيته والشيخ طه إمام الجامع، وكل فرد يحلم ويتحدث عن حلمه، وحلم أبي عزّة أن يصبح ملكاً ليومين ليقتص من أعدائه...
نرى في المشهد الأول الملك ضجراً يريد لعبة يسخر بهامن أحد أفراد شعبه، لكن البلاد تشكو من اضطراب داخلي، والوزير يدرك خطر هذه اللعبة،ولكن الملك يتنكّر ووزيره في لباس رجلين عاديين، مع أنّ عبيد وزاهد يعملان سراً لزعزعة الاستقرار الملكي ومقاومة الفساد والنظام، وهما يُمعنان في التنكر كما أنّ السلطة تمعن في الإرهاب، وهما يدبّران مؤامرة على العرش ويستغلانّ ذكر يوم التتويج لذلك.
يتقرّب عرقوب من عزّة وهي تردّه بعنف،ويحاول استغلال ديونه على الأب للزواج منها، ويظلّ أبو عزة الأهبل غارقاً في أحلامه وانتقامه من الشيخ الخؤون وشهبندر التجار، ويحضر إلى المنزل الحاج مصطفى (الملك) والحاج محمود (الوزير)، وتتمنى أم عزّة أمام الضيفين أن تقابل الملك لتشرح له حال البلاد السيئة، ويعدها الحاج مصطفى بذلك ليبقى الأحدب (عبيد المتنكر) في بيت عزّة.
وينُقل أبو عزة بعد تخديره إلى البلاط، وتدخل اللعبة ذروتها حين يستيقظ أبو عزّة في المشهد الرابع ملكاً، ويمسك العرش بقوة وحزم، ويطبقّ الإرهاب الذي تحتاجه الدولة على خير وجه، والأهم من ذلك كلّه أن أحداً لم يعرف أن شخص الملك قد تغّير بعد أن ارتدى أبو عزّة ثياب الملك الأصلي وحمل صولجانه ونام في فراشه، حتى زوجة الملك لاتهتمّ بذلك، والمهمّ أيضاً أن أبا عزة الملك الجديد لايعرف زوجته وابنته حين تمثلان امامه، فيحكم على زوج امرأته بالتجريس وعلى ابنته عزة بأن تصبح جارية للوزير، والأهمّ من ذلك أنه يقف إلى جانب شهبندر التجار والشيخ طه إمام الجامع ويدافع عنهما، مع أنه كان يحلم بالملك لينتقم منهما. وينتهي الملك الحقيقي إلى الجنون من لعبته هذه بعد أن أنكرته زوجته وأذهلته لعبة المغفل أبي عزّة، وهكذ يتبادل الرجلان الأدوار.
المحتوى والعمق:
إن قراءة هذه المسرحية تشير إلى أنّ أيّ إنسان يصل إلى السلطة تثيره شهوة الحكم، فيحاول أن يحافظ على عرشه بأيّ وسيلة كانت،وهذا ماتكشفهُ المسرحية، وتقول: إن تغيير الأفراد لايغيّر الحكم، فالملك هو الملك، والرداء هو الوزير، "أعطني رداءً وتاجاً، أعطك ملكاً"ص88، ويذهب الكاتب إلى أن ليس للملك سحنة أو وجه، وإنما للملك ثياب ملكية، فالملابس أهمّ من الرجل، ولذلك فإن استبدال شخص بشخص لايغيّر النظام، ولابدّ من ثورة تغير كل شيء.
الشخصيات:
ظّلت الشخصيات رهينة الحكاية الشعبية والحدث المسرحي، فلم تكن غنية في ذاتها، لكنها كانت غنية بالأفكار التي تؤديها، ولذلك انقسمت الشخصيات إلى مجموعتين لتقول كل منهما فكرة محددة. وأهمّ هذه الشخصيات:
أبو عزّة: كان من زمرة التجار ثم افتقر بعد المنافسة وجُنّ، ولكنه في جنونه ظّل يمارس حياة التاجر، وأحلامه مرتبطة بالعودة إلى ماكان فيه من عزّ وجاه، وظلّ أبو عزة ينظر إلى الفقراء على أنهم من الرعاع، فلما عاد إلى طبقته شفي من جنونه وتعلّم منه، فكان أشدّ إرهاباً ودراية ومعرفة بأسرار الملك من الملك الحقيقي. وقد وردت تعريفات لهذه الشخصية على لسان زوجته أم عزّة (ص9) كما وردت أحلامه وطموحاته على لسانه في مونولوغ طويل(8-9) إلخ...)
شخصية الملك: رمز السلطة، ولكنه لاهٍ عن القضايا المصيرية،متفرّغ لمباذله وملاهيه: وهو شخصية نرجسية، فيصرّح غير مرّة لوزيره بعبارات مثل :"كم عرفت هذه البلاد ملكاً مثلي؟" (ص16) و"كثيراً ماأشعر أن هذه البلاد لاتستحقني"(ص17)، وهو رجل سادي لاهمّ له سوى أن يتمتّع بآلام الشعب. وله أيضاً شخصية "الحاج مصطفى"
عرقوب: خادم أبي عزّة، فقير من طبقة الخدم،ولكنّه انتهازي خبيث، ماكر، متمّلق، يسخر من سيّده ويستغلّ افتقاره للحصول على ابنته التي لاتحبّه، وهذا مايعرفه القارئ من المونولوغ الطويل (ص11- 12).
الوزير: مداهن للملك، لايهتم إلاّ بإرضاء سيّده ويدفعه إلى النرجسية (16- 17)، وهو يتنكر في ثياب (الحاج محمود).
أم عزّة: امرأة واقعية تبحث عن لقمة العيش الشريفة، وتقول للملك المتخفي بثياب (الحاج مصطفى) إنها ستقول للملك حين تقابله: "ياملك الزمان العيارون واللصوص يحكمون البلاد، وينهبون أرزاق العباد. والعدل نائم، وليس هناك من يفتّش أو يحاسب. الغشّ رائج، والتعدّي سائد. لاسلامة ولاكرامة، ولاشريعة.." (ص46).
زاهد: من عامة الشعب، وهو مطلوب من رجال الأمن، يتنكّر في زيّ حماّل، ويعمل للثورة.
عبيد: يتنكّر في زي متسول ويعمل للثورة، يحبّ عزّة التي تأويه وتكتشف أنّ حدبته مصطنعة وأنه رجل متخف.
مايؤخذ على هذه المسرحية: تناول الكثير من الدارسين هذه المسرحية فور صدورها منجّمة على صفحات ملحق الثورة الثقافي، وكانت صفحات الملحق مجالاً لدراستها"15"، ولكن الدكتور أحمد حمو عدّ المسرحية تعريباً لمسرحية "الرجل هو الرجل" لبريخت"16"، وردّ عليه ونوس بعنف راداً عليه اتهاماته ومعنّفاً لأرائه"17".
والحقيقة أنّ هذه المسرحية أقرب إلى مسرحية "أبو الحسن المغّفل" لمارون النقاش، فالمصدر واحد. والحكاية واحدة، ولكن ونوس أضاف إليها أشياء كثيرة وعصرنّ هذه المسرحية لتقول مايريد أن يقوله، وابتعد بها عن مسرحية "أبو الحسن المغفل"، وبخاصة أنّ زمن كتابة كل من المسرحيتين مختلف، والظروف مختلفة هي الآخرى، ومع ذلك تظلّ بينهما بعض وجوه الاتفاق، وتبعد بينهما بعض وجوه الأختلاف من أهم وجوه الاتفاق بين المسرحيتين أن مصدر الحكاية واحد، وأنّ الشخصية المحورية (أبو الحسن -أو عزة) واحدة، وأن تغيّر اللباس يعني تغيّر الشخصية من الداخل فأحلام المغفّل أبو حسن في مسرحية النقاش تتلاشى وينساها حين يصبح ملكاً في الفصل الثاني، وينسى حبّه لدعد، كما ينسى قصاص طه إمام الجامع، وهذا مايحدث تماماً لأبي عزة المغفل في "الملك هو الملك"، فينسى الرجل، حين يصبح ملكاً، كل شيء، وينسى زوجته وابنته، وينسى حقده على شهبندر التجار وطه إمام الجامع ويتعاون معهما، وهذا مايدل على أنّ المظاهر الخارجية تؤثر في الإحساسات والأحلام والسلوك.
ومن أهمّ وجوه الاختلاف بين المسرحيتين أن الملك في مسرحية ونّوس غير محدّد بمكان أو زمان، ولكنه محدّد بشخصية هارون الرشيد وبالعصر العباسي زمانياً وببغداد مكانياً في مسرحية النقاش، ولذلك أخرج ونوس مسرحيته من الحّيز الزمني والمكاني، في حين ظلّ القارئ أو المتفرج في مسرحية النقاش متطلّعاً إلى ذلك العصر وذلك والمكان وتلك الشخصية، ولهذا كانت مسرحية ونوس إيحائية رمزية تصّح على كل الحالات المماثلة.
ومن وجوه الاختلاف أن التغيير الهام الذي أضافه ونّوس إلى بنية مسرحيته أنه جعل شخصية أبي عزّة يمتلك الفاعلية حين يصبح خليفة ، فتغيرت شخصيته تغيراً كلياً بعد أن كان قليل الهمة ، عديم الحيلة ، غارقاً في أوهامه . (ص 9 ) حتى أن رجال البلاط لايميزون بينه وبين الملك الحقيقي ، ولذلك كان اللباس هو المهم ، ولكن النقاش لم يجعل من صاحبه أبي الحسن يمتلك مثل هذه الفاعلية بل ظلّ صاحبه أضحوكة في البلاط نفسه، حتى من الجواري والقيان، ولهذا ظلت مسرحية مارون النقاش ضمن الكوميديا الاجتماعية، ولكن مسرحية ونوس انتقلت من الكوميديا إلى المسرحية السياسية الجادة الهادفة .
ويمكن أن يؤخذ على هذه المسرحية مايلي:
-الثورة التي يهيّئ لها الشعب هشَّة في النص، وتقسيم الشخصيات إلى مجموعتين غير متكافئتين لم يكن موفقاً، فقد كانت طبقة الحكم هي الراجحة، ولم يستطع زاهد وعبيد أن يفعلا شيئاً، بل ظّلت الثورة بلافاعلية.
-الشخوص في المسرحية تُحّرك كالدمى، فالحدث هو المهم عند ونوس، وشخصياته مسطّحة، فلا تقع على شخصية متحركة الرغبات والميول، متصارعة الأهواء والرغبات، -إراز الجانب السلبي للسلطة دون الجانب الإيجابي، فأيّ سلطة لابدّ من أن يكون لها جانب سليي وجانب إيجابي، حتى إن الجانب الإيجابي يكمن في الجانب السلبي، فللاستبداد جانبان سلبي (القمع) وإيجابي (الردع والأمن)، وونوس لم يبرز سوى الجانب الأول منهما.
تقانات المسرحية السورية المعاصرة:
لاحاجة بنا إلى أن نذكّر هنا أنّ المقصود بالتقانات هو التقانات داخل النص، ولاصلة لها من قريب أو بعيد بتقانات العرضِ، هي تقانات كتابية تصّح على المسرحية العربية المعاصرة بعامة، والمسرحية السورية المعاصرة بخاصة، وأهمها:
1- استلهمام التراث:
حاول المؤلفون، بعد أن تنادوا لتأصيل المسرح العربي، الالتفات إلى التراث العربي واستلهامه وتوظيفه في قضايا معاصرة وتجارب واقعية، واستلهام التراث سمة من سمات الأدب العربي الحديث، ولاسيما في الشعر والرواية، فكانت الالتفاتة إلى التاريخ العربي كما فعل زكي قنصل في "تحت سماء الأندلس" ومحمد الماغوط في "المهرّج"، فقد استطاع الأخير منهما أن يُعيد صقر قريش إلى زماننا ليبرهن للمتفرج أو القارئ أن الفساد قادر على ترويض البطولات والابطال، وأنّ زمننا وصل إلى درجة لا تحتمل من النفاق والزيف والدناءة والعمالة، وقد يلتفت بعض الأدباء إلى التاريخ الغربي لتوظيفه في تجربة معاصرة، كما فعل علي عقلة عرسان في مسرحيته الشهيرة "رضا قيصر" التي استطاع من خلالها أن يفضح زيف المثقف الانتهازي، وأن يصوّر تذبذب مواقفه بين الشعب وبين القيصر حين يبيع مبادئه كلها ليقف صراحة إلى جانب قيصر، بل يصبح عوناً له وعيناً على الثقافة العامة.
أما الالتفات إلى التراث الشعبي فهو الاعمّ والأغلب، فقد ذهب عمر النص إلى (شهريار) في "ألف ليلة وليلة"، وذهب سعد الله ونوس إلى حكاية "النائم واليقظان"، أو ذهب إلى الحكايات الشعبية في "الفيل ياملك الزمان".
ولايعدم المرء أن يجد التفاتاً إلى الأساطير العربية لاستلهمامها وتوظيفها، كما فعل نذير العظمة في مسرحية "أوروك تبحث عن جلجاش" او مسرحيته الأخرى "دروع امرئ القيس".
2- الإبعاد الزماني والمكاني:
إن استخدام التراث والرموز سبّبته تقانة الإبعاد، وتقوم هذه التقانة على خلق واقع فني بديل للواقع، يبتعد عنه زمانياً ومكانياً، لكنه غير بعيد عنه دلالياً، كأن يستخدم المؤلف واقعاً تاريخياً أو تراثياً أو حكاية شعبية أو أسطورة، وهذا مايتلاقى مع مفهوم البديل الموضوعي.
ويقوم الإبعاد على عملية المشابهة بين الواقعين: الفنّي والمعيش، والماضي والحاضر، فيكون الحدث التاريخي أو الحكائي الوهمي خلفيّة يستعيرها المؤلف لأحداث اليوم، ليعرض من خلالها قضية معاصرة، وهذا كثير في مسرحنا المعاصر، وهو مافعله علي عقلة عرسان في مسرحيته "رضا قيصر"، وهو مافعله أيضاً ونوس في "منمنمات تاريخية" و"الملك هو الملك" وسواهما، والإبعاد وسيلة يعالج من خلالها الكاتب أفكاره بعيداً عن المباشرة والسطحية، وهذا مايترك المجال مفتوحاً للمتلقي إزاء تأويلات عدّة، فيثري الكاتب عمله، وتتفتّح آفاق المتفرج أو القارئ وذهنيته على فضاءات نصيّة لامحدودة، ودلالات غنية.
3- استخدام المونولوغ:
وهو من أهم التقانات المسرحية لمعرفة داخلية الشخصية المسرحية من جهة، ومعرفة ماتتحلّى به من صفات، كما يؤدي إلى معرفة ماضيها من خلال الاسترجاع الداخلي، ومعرفة حاضرها ومستقبلها من خلال الاستباق، وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى معرفة ماسوف يحدث. أو معرفة أجزاء من ذلك، وهذا مانجده في أحلام أبي عزّة في "الملك هو الملك" منذ بداية المسرحية، ولعل مسرحية "أغنيات للمثل الوحيد" لوليد إخلاصي مثل جيّد على غنى المونولوغ الدرامي في بنية المسرحية.
4- المسرح داخل المسرح:
وهذا أيضاً تقانة معاصرة انتشرت في المسرحية المعاصرة السورية، فاستخدمها سعد الله ونوس في مسرحيته "سهرة مع أبي خليل القباني" واستخدمها علي عقلة عرسان في "رضا قيصر"، فعرض مسرحية في الفصل الأول أغضبت قيصر، وفعل ذلك الفعل في الفصل الثاني، وهذا ماأدى به إلى أن يساق إلى العمل الشاق في مقالع الرخام.
5- التغريب وكسر الإيهام:
هما مصطلحان انتشرا في بعض مسرحيات ونوس، وقد تسلّلا إليه من المسرح الملحمي البريختي الماركسي، فقد كان المسرح الأرسطي يقوم على إيهام الجمهور بان مايجري على المسرح حقيقة، ولكن يريخت الماركسي ذهب إلى ان المسرح معلّم ، وهو يتوجه إلى عقل المتفرج،ولذلك يتدخل الممثلون بين الفترة والفترة ليذكروا المتفرجين بأن مايجري أمامهم ليس سوى لعبة مسرحية"18".
إن كسر الإيهام المسرحي عند ونوس يتجلّى في مسرحيته "الفيل ياملك الزمان" في النهاية، إذ يلجأ المؤلف إلى فضح اللعبة المسرحية، فيصطفّ الممثلون ويردّد كل منهم بأن الحكاية التي مثلوها هي لعبة:
الجميع: هذه حكاية
ممثل5: ونحن ممثلون
ممثل3: مثلناها لكم لكي نتعلم معكم عبرتها.
ممثل7: هل عرفتم الآن لماذا توجد الفيلة؟
ممثل3: هل عرفتم الآن لماذا تتكاثر الفيلة
ممثل5: لكن حكايتنا ليست إلاَّ البداية.
ممثل4: عندما تتكاثر الفيلة تبدأ حكاية أخرى.
الجميع: حكاية دموية عنيفة.
وفي سهرة أخرى سنمثّل جميعاً تلك الحكاية.
(ثم ينسحب الجميع)"19"
ولكن سعد الله ونوس يبالغ في مسرحيته "الملك هو الملك" بالإعلان عن أن مسرحيّته لعبة في غير مكان، ففي المدخل يقف جيمع الممثلين ليعلنوا عن ذلك:
عبيد: (منادياً وسط الضوضاء) هي لعبة
أبو عزة: هي لعبة.
الملك: نحن نلعب(ص5)
ويذكّرنا ونوس في فاصل (3) بذلك:
السيّاف: في الحيطة السلامة، ومن الحيطة أن نذكر.
عرقوب: كيلا يغفل المرء، ويسرح الفكر،. نتوقف لحظة ونذكر.
السياف: المملكة خيالية.
عرقوب: والحكاية وهمية.
ونحن نحلم...
السياف: والأحلام كلها فردية.
عرقوب (قافزاً) وهم، وخيالات، وحلم.
عبيد: مامن ملك يتخلى عن عرشه إلاّ اقتلاعاً.
زاهد: مامن ملك يعير، أو يؤجر تاجه ولو مزاحا..
عرقوب: نحن نلعب.
السياف: واللعبة تمضي حتى الآن ببراءة.
عرقوب: هذا النهار، سيعتلي معلمي العرش، ويحكم.. وهو واحد منا. من حيّنا وعامتنا فماذا سيعطينا؟
السياف: بل هو من نخبتنا، فماذا سيعطينا؟....(ص61)
ثم يتوقف الممثلون في نهاية المسرحية (الخاتمة) ليؤكدوا أيضاً أن ماقاموا به هو لعبة مسرحية: مصطفى: قولوا.. كانت لعبة... والملك.... أنا هو.هو أنا .(109)
وعلينا ان، نشير هنا إلى أن تقانة التغريب قد عرفت في المسرحية العربية قبل ونوس في المسرحين الفصيح والعامّي، ففي مسرحية "بيّاع الخواتم" للرحابنة تستهل فيروز العرض المسرحي بـ "رح نحكي قصة، لاالقصة صحيحة، ولا الضيعة موجودة"، ثم تعود في نهاية العرض لتؤكد ذلك.
ويتشكّل التغريب أيضاً من االلافتات التي تؤكد كسر الإيهام وتذكّر بأن المسرحية لعبة، وتكثر اللافتات في مسرحية "الملك.هو الملك " لتشكل أيضاً مضمون المسرحية ، ففي المدخل لفتة " الملك هو الملك " لعبة تشخيصية لتحليل بنية السلطة في أنظمة التنكر الملكية"(ص5)، وفي المشهد الأول لافتة "عندما يضجر الملك يتذكر أن الرعية مسلية، وغنية بالطاقات الترفيهية"(ص14)، وفي فاصل (1) لافتة: "محكوم على الرعية أن تعيش الآن متنكرة"(ص23) وفي المشهد الثاني لافتة: "الواقع والوهم يتعاركان في بيت مواطن اسمه أبو عزة"(ص29)، وهكذا إلى نهاية المشاهد والفواصل والخاتمة.
6- المسرح الملحمي:
أي امتزاج السرد الملحمي بالحوار الدرامي، أو التحول من هذا إلى ذاك، وهذا كثير في المسرحية السورية، ففي "الملك هو الملك" تتخلّل البنية الحوارية مقاطع من السرد الروائي (ص53- 54 وص87 وص111)،ولكنّ هذا السرد يهيمن على بنية مسرحية "يوم من زماننا"، وكثيراً مايتجاوز مساحة الصفحة الواحدة، وهو على لسان المؤلف، ومنه ماجاء في المشهد الخامس:
(في المطبخ، فاروق يجلس وحيداً على كرسّي خشبي، ويمسك بيده سكين مطبخ. وعيناه زائغتان ووجهه شديد الشحوب.
هبط الليل، وبدأ يمتصّ المدينة. وفي صدره كان يتدافع ليل أشدّ ظلمة من ليل المدينة. حين دخل البيت أدرك أنها تعلم، فانزوى في المطبخ، واحتسى زجاجة من الماء، ظلّ فمه جافاً. نزع ربطة العنق والقميص، وبدأ يمزقهما. حين تعبت يداه، تناول السكين وقطع البقايا حتى صارت نسالة، غطّت أرض المطبخ، ثمّ أشعل سيجارة، وجلس. كان متعباً وخاوياً، وكان يفتّش عن الغضب فلا يجد إلاّ مواء خائراً وشاحباً، والآن ماذا يفعل؟ جرّ إبهام يده على النصل العريض، وتحسّس الحدّ المرهف حذراً. في ذلك اليوم حين حمل السلكين إلى البيت تأملتها ضاحكة وقالت: "هل اشتريها من القّصاب؟" فأجاب: "نعم من القصّاب اشتريتها. ولاتقولي بعد اليوم اشتريت لي سكّيناً لاتقشّر خيارة". فعقبت "لا. هذه يكفي أن تراها الخيارة حتى تتقشّر من الخوف".وكان يحلو له أن يجلس في المطبخ ويراقبها، وهي تفرم وتقشّر وتقطع. أصابعها الناعمة تلتفّ على المقبض الخشبي. كان يحسّ هذا الالتفاف لدناً ومثيراً . لادع الصور .. دع الذكريات وتأمل عارك بعينين مفتوحتين الليل يتقدّم، واللحظات تتوتر، ثم تمضي مثقلة بالخجل. فعلام تماطل أو تتمهّل. هذا الجرح لايشفيه إلاّ الدم. دم. دم... وجاشت معدته. حين كان طفلاً رأى دماً يسيل على فخذ أمه، فلجمه الرعب، ودخل في اللغز. فيما بعد فهم وتعلّم، ولكنه لم يبرأ من الرعب. ولم يخرج أبداً من قلق اللغز. مازال الدم يروّعه، ومازال هذا اللغز يحيره. الألغاز تتكاثر. في الجامع ألغاز. وفي المدرسة ألغاز. وفي المديرية آلغاز. وفي المدينة ألغاز. وهناك هناك في ذلك البيت تلتقي الألغاز والغوايات معاً. تلك المرايا، تلك الفتنة التي تسيل من الصوت والحركة، من الجسد والأثاث. هي الفوضى تكتسح الدنيا. فوضى مرعبة، تغرقه وتبلعه في دوامتها المظلمة. والآن.. ماذا يفعل؟ إنه وحيد وضائع. لم يعد له زمان، ولم يعد له مكان. وقواه خائرة. ليته يغفو قليلاً. أو ليته ينكبّ على مسألة رياضيات. حين تستغرقه مسألة رياضيات ينسى العالم ونفسه، ويشعر أنه يسبح في فضاء بلّوري نقي. ولكن الرياضيات بعض وساوس الشيطان، وأخوه كان يسخرمنه دائماً ويقول: "إن الرياضيات كالشعر، لاتعلّمك شيئاً عن الحياة" حقاً ماذا يعرف هو عن الحياة؟ ماذا يعرف عن العالم الذي يديره الشيخ متولي، والستّ فدوى وعدنان القاضي، وثرّيا، ومدير المدرسة، وذلك الشاب المشورب والمبرقع، وامرأته؟ وامرأته... كن رجلاً. لا.. لاالمكان مكاني ولاالزمان زماني. رأسي عجين رخو من الصور والبذاءات والكلمات. لو أغيب . (يدار مقبض الباب بارتباك، وتدخل نجاة)"20".
هكذا نتوصّل أخيراً إلى النتائج التالية حول المسرحية السورية المعاصرة:
1) تتجه المسرحية المعاصرة في سورية نحو المضمون السياسي التحريضي متخلّية في كثير من ظروفها عن الاتجاهات الأخرى، وهي كثيرة في العالم: الاتجاه الاجتماعي. الاتجاه العبثي- الفلسفي... إلخ والمسرح السياسي تسجيلي، تعليمي وتحريضي.
2) تلقى هذه المسرحيات انتشاراً واسعاً لتداخلها بالحياة اليومية، ولكنّ بعضها ينتابه الضعف الفنّي، والمسرح السياسي لايزدهر إلاّ في ظلّ الأزمات الاقتصادية والسياسية، فالمسرح الحزيراني -مثلاً- لايعيش إلاّ في ظلّ الصدمات التاريخية المماثلة، فإذا انقطع عنه الحدث المماثل لم يبق له وجود على نقيض مسرحيات الحكيم الذهنية، فهي صالحة لكّلّ زمان ومكان.
3)- بعض هذه المسرحيات لايُمثل على الخشبة، أو لم يُتح له ذلك، وقد أصبحت المسرحية للقراءة،وهذا مايسيء إلى الحركة المسرحية أولاً وأخيراً.
4)- المسرحية السورية المعاصرة، مسرحية حدث قبل أن تكون مسرحية شخصيات، وهي لاتحوي على شخصيات درامية غنيّة.
5) يتجه المسرح السوري بنصوصه المسرحية نحو مسرح بريخت التعليمي الملحمي التغريبي ، وبخاصة في أعمال سعد الله ونوس ، وهذا الاتجاه يغني المسرحية السورية إذا كان تنويعاً لمسرحيات اخرى تنهج غير هذا النهج، ولكنه يكون سبباً لافتقار المسرح السوري إلى التعّدد والتنوّع إذا اقتصرنا عليه وظلّ وحيداً على الساحة المسرحية، وبخاصة إذا اقتصرنا عليه وظلّ وحيداً على الساحة المسرحية، وبخاصة عند المؤلفين المبدعين، وهم قلّة في بداية النهضة المسرحية الحالية، وفي ظلّ غياب بناء مسرحي ملائم وممثل ومخرج قديرين
الإثنين أبريل 01, 2013 8:40 am من طرف غزوان قهوجي
» غزوان قهوجي
الإثنين أبريل 01, 2013 8:36 am من طرف غزوان قهوجي
» مختبر فضا المسرحي
الأربعاء فبراير 13, 2013 8:44 am من طرف غزوان قهوجي
» مهرجان لمسرح الشباب العربي في بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:07 am من طرف غزوان قهوجي
» مهيمنات ( السلطة ) وتنويعاتها الإسلوبية في بعض عروض مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:02 am من طرف غزوان قهوجي
» مقالة جميلة عن مولانا
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:50 am من طرف غزوان قهوجي
» خبر عن مشاركة الفرقة في مهرجان بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:39 am من طرف غزوان قهوجي
» أم سامي
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:10 pm من طرف همسة حب
» حدث في سوريا : دعوى قضائية شد الله !!!!!
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:06 pm من طرف همسة حب
» حكايا طريفة
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:01 pm من طرف همسة حب
» السر بشهر العسل
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:56 pm من طرف همسة حب
» عندما يتفلسف الحمار
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:53 pm من طرف همسة حب
» حكمة : كن نذلا تعيش ملكاً ........!!!
الثلاثاء نوفمبر 06, 2012 2:44 am من طرف همسة حب
» فــوائـد الـزوجــة الـنـكـديــة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:21 am من طرف همسة حب
» شو كان لازم يعمل ؟
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:18 am من طرف همسة حب