احتفل التلفزيون في الشهر الماضي بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسه (اليوبيل الذهبي).
حيث خصصت الأقنية التلفزيونية الأربع جزءاً من أوقات بثها للاحتفال بهذه المناسبة، وهذا حقها في مناسبة عزيزة على قلوب جميع السوريين الذين من حقهم أن يحتفلوا مع شاشتهم بذكرى تأسيسها الخمسين، خاصة أن المكانة التي بلغتها الأقنية التلفزيونية السورية الأرضية والفضائية أداءً وتواصلاً تبدو على درجة من الأهمية حيث يمكن القول إننا أصبحنا قادرين على المنافسة، وإن كان عامل الكم ما زال يشكل نقطة ضعف أساسية في أدائنا التلفزيوني، إذ يبدو عدد أقنيتنا التلفزيونية متواضعاً جداً بالمقارنة مع الدول الشقيقة ونحن الذين كنا السباقين في تأسيس هذا الفن الإعلامي الهام والحساس.
وإذا كان إعلامنا عامة، والمرئي منه خاصة قد وفّى هذه المناسبة حق قدرها، فإن حدثاً فنياً- ثقافياً آخر تصادف هذا العام الذكرى الخمسين لانطلاقته، وهو قد يقل عن ذكرى تأسيس التلفزيون أهمية من حيث الاهتمام الجماهيري لكنه يشكل معلماً هاماً من معالم الفن والثقافة في سورية يفترض أن ينال هو الآخر حقه من الاهتمام والاحتفاء، ألا وهو اليوبيل الذهبي لتأسيس فرقة المسرح القومي في دمشق التي قدمت أولى عروضها في العام 1960.
والواقع أن تأسيس المسرح القومي جاء في مرحلة هامة وغنية من حياة المسرح السوري، فقد شهدت تلك الفترة نشاطاً ملحوظاً في الحركة المسرحية تمثلت بوجود العديد من الفرق المسرحية التي كانت تجوب المدن السورية لتقدم فيها عروضها الكوميدية التي اعتمدت على نصوص (مشومة) غالباً ما كانت مقتبسة من نصوص مترجمة من عيون الأدب المسرحي الكوميدي العالمي، وكان الفنانون المسرحيون نجوماً حقيقيين، لهم جمهورهم الذي يقصد صالة المسرح ليشاهدهم وليستمتع بأدائهم وبمضامين الأعمال المسرحية التي كانوا يقدمونها، والتي غالباً ما كانت تتناول هموماً وقضايا اجتماعية، مع بعض الاستثناءات حيث كانت الأحداث السياسية تفرض نوعاً من العروض المسرحية التي اضطلعت بتقديمها هذه الفرق وخاصة ما يتعلق بقضايا التحرر، إذ كانت نصف البلاد العربية في ذلك الحين مازالت ترزح تحت نير الاستعمار، وكانت الثورات العربية مشتعلة في أكثر من مكان، الأمر الذي دفع المسرحيين إلى تناول قضايا التحرر من الاستعمار بشكل مكثف في أعمالهم، أما الأعمال التراجيدية العالمية فلم يكن الجمهور الدمشقي على تماس معها إلا فيما ندر ومن قبل مسرحية محدودة أشرف عليها مسرحيون على درجة من الثقافة تتيح لهم إعداد الأعمال العالمية وتقديمها للجمهور بشكل محبب ومقبول، لكن مما لا شك فيه أن السيطرة كانت شبه مطلقة للأعمال الكوميدية ذات الطابع الشعبي.
وقد جاء تأسيس المسرح القومي ليفتح الباب على مصراعيه أمام الأدب العالمي كي يقتحم الساحة المسرحية ليتم تعريف الناس عليه بشكل واسع دون حساب لقضية شباك التذاكر التي كانت تحرص عليها الفرق الخاصة ضماناً لاستمراريتها، إذ شهدت السنوات الخمس الأولى من عمر المسرح القومي تقديم ستة عشر عرضاً مسرحياً عن نصوص مترجمة، فيما لم يتم تقديم سوى ثلاثة أعمال لكتاب عرب بينما بلغت حصيلة نصوصنا المحلية خلال الفترة نفسها صفراً!!
الأمر الذي يعني أن المسرح القومي في سنواته الأولى كان معنياً بتقديم النصوص الأجنبية إدراكاً منه أنه يعمل في منطقة ما زالت غير معروفة بالنسبة لجمهور المسرح بمعناه الواسع، لكن هذا الأمر تبدل إلى حد ما بعد عشر سنوات من تأسيسه، إذ انخفض عدد الأعمال المترجمة في السنوات الخمس الأولى من السبعينيات إلى سبعة وارتفع عدد الأعمال المعدة عن كتاب عرب إلى ثمانية كما بلغ عدد الأعمال المعتمدة على نصوص محلية في الفترة نفسها ثمانية أيضاً ما يعني أن المسرح القومي وبعد عشر سنوات من تأسيسه أدرك أن طبيعة مهمته تغيرت وتحولت من تعريف الجمهور على الأدب المسرحي العالمي إلى تشجيع وتعزيز ظاهرة الكتابة المسرحية العربية والمحلية التي أخذت بالتبلور منذ النصف الثاني من الستينيات.
وبطبيعة الحال شهد مسرح دمشق القومي حالات من التألق مثلما شهد حالات من التراجع، لكنه كان دائماً يصر على أن حالات التراجع ليست أمراً مقضياً لا يمكن مقاومته وتجاوزه، فقد تمكن المسرحيون السوريون من رفد مسيرة هذه الفرقة بمزيد من الأعمال المبدعة التي تشهد لها خشبتا مسرحي الحمراء والقباني دون أن يعني ذلك أن مسيرة المسرح القومي تخلو من الأعمال الرديئة التي أبعدت الجمهور عن ارتياد المسرح القومي الذي أصبح اسمه مرتبطاً في أكثر من مرحلة من مراحله بالعروض المتجهمة أو الغامضة أو التي لا يفهمها أحد بما في ذلك أصحابها، لكن في المقابل استطاعت بعض الأعمال صناعة جمهور حقيقي للمسرح القومي، وهو أمر ينبغي ألا يتم التفريط به وذلك من خلال إقناع بعض مخرجينا أن المسرح لم يخلق لترجمة الأهواء والرؤى والنزوات والهلوسات الفردية وإنما خلق كي يكون قادراً على التواصل مع أكبر عدد ممكن من الجمهور.
ولفترة من الفترات اختلط الأمر على البعض، إذ حسب أن عبارة «المسرح القومي» تشير إلى توجهات ترتبط بطبيعة ومضامين الأعمال التي يقدمها هذا المسرح، وهو أمر بعيد عن الصحة كل البعد، إذ إن عبارة المسرح القومي لاتعني سوى المسرح الذي تديره أو تملكه الدولة وليست له أية دلالات فكرية أو ماشابه ذلك.
الاحتفاء بالعيد الذهبي للمسرح القومي قد يكون مطلوباً اليوم أكثر من أي وقت آخر، خاصة ونحن نعيش في ذروة محاولات (تتجير) الفن، وهو الأمر الذي بدأ بالدراما التفزيونية ويخشى أن تمتد أياديه نحو المسرح، ولا شك في أن (استغلال) انعقاد مهرجان دمشق المسرحي في الشهر الحادي عشر من العام الجاري للاحتفال بالعيد الذهبي للمسرح القومي وبنجومه ورموزه الراحلين منهم والأحياء سيعكس مدى ما نبديه من اهتمام بالفن المسرحي الذي يبقى أنبل الفنون وأرقاها.
جوان جان
حيث خصصت الأقنية التلفزيونية الأربع جزءاً من أوقات بثها للاحتفال بهذه المناسبة، وهذا حقها في مناسبة عزيزة على قلوب جميع السوريين الذين من حقهم أن يحتفلوا مع شاشتهم بذكرى تأسيسها الخمسين، خاصة أن المكانة التي بلغتها الأقنية التلفزيونية السورية الأرضية والفضائية أداءً وتواصلاً تبدو على درجة من الأهمية حيث يمكن القول إننا أصبحنا قادرين على المنافسة، وإن كان عامل الكم ما زال يشكل نقطة ضعف أساسية في أدائنا التلفزيوني، إذ يبدو عدد أقنيتنا التلفزيونية متواضعاً جداً بالمقارنة مع الدول الشقيقة ونحن الذين كنا السباقين في تأسيس هذا الفن الإعلامي الهام والحساس.
وإذا كان إعلامنا عامة، والمرئي منه خاصة قد وفّى هذه المناسبة حق قدرها، فإن حدثاً فنياً- ثقافياً آخر تصادف هذا العام الذكرى الخمسين لانطلاقته، وهو قد يقل عن ذكرى تأسيس التلفزيون أهمية من حيث الاهتمام الجماهيري لكنه يشكل معلماً هاماً من معالم الفن والثقافة في سورية يفترض أن ينال هو الآخر حقه من الاهتمام والاحتفاء، ألا وهو اليوبيل الذهبي لتأسيس فرقة المسرح القومي في دمشق التي قدمت أولى عروضها في العام 1960.
والواقع أن تأسيس المسرح القومي جاء في مرحلة هامة وغنية من حياة المسرح السوري، فقد شهدت تلك الفترة نشاطاً ملحوظاً في الحركة المسرحية تمثلت بوجود العديد من الفرق المسرحية التي كانت تجوب المدن السورية لتقدم فيها عروضها الكوميدية التي اعتمدت على نصوص (مشومة) غالباً ما كانت مقتبسة من نصوص مترجمة من عيون الأدب المسرحي الكوميدي العالمي، وكان الفنانون المسرحيون نجوماً حقيقيين، لهم جمهورهم الذي يقصد صالة المسرح ليشاهدهم وليستمتع بأدائهم وبمضامين الأعمال المسرحية التي كانوا يقدمونها، والتي غالباً ما كانت تتناول هموماً وقضايا اجتماعية، مع بعض الاستثناءات حيث كانت الأحداث السياسية تفرض نوعاً من العروض المسرحية التي اضطلعت بتقديمها هذه الفرق وخاصة ما يتعلق بقضايا التحرر، إذ كانت نصف البلاد العربية في ذلك الحين مازالت ترزح تحت نير الاستعمار، وكانت الثورات العربية مشتعلة في أكثر من مكان، الأمر الذي دفع المسرحيين إلى تناول قضايا التحرر من الاستعمار بشكل مكثف في أعمالهم، أما الأعمال التراجيدية العالمية فلم يكن الجمهور الدمشقي على تماس معها إلا فيما ندر ومن قبل مسرحية محدودة أشرف عليها مسرحيون على درجة من الثقافة تتيح لهم إعداد الأعمال العالمية وتقديمها للجمهور بشكل محبب ومقبول، لكن مما لا شك فيه أن السيطرة كانت شبه مطلقة للأعمال الكوميدية ذات الطابع الشعبي.
وقد جاء تأسيس المسرح القومي ليفتح الباب على مصراعيه أمام الأدب العالمي كي يقتحم الساحة المسرحية ليتم تعريف الناس عليه بشكل واسع دون حساب لقضية شباك التذاكر التي كانت تحرص عليها الفرق الخاصة ضماناً لاستمراريتها، إذ شهدت السنوات الخمس الأولى من عمر المسرح القومي تقديم ستة عشر عرضاً مسرحياً عن نصوص مترجمة، فيما لم يتم تقديم سوى ثلاثة أعمال لكتاب عرب بينما بلغت حصيلة نصوصنا المحلية خلال الفترة نفسها صفراً!!
الأمر الذي يعني أن المسرح القومي في سنواته الأولى كان معنياً بتقديم النصوص الأجنبية إدراكاً منه أنه يعمل في منطقة ما زالت غير معروفة بالنسبة لجمهور المسرح بمعناه الواسع، لكن هذا الأمر تبدل إلى حد ما بعد عشر سنوات من تأسيسه، إذ انخفض عدد الأعمال المترجمة في السنوات الخمس الأولى من السبعينيات إلى سبعة وارتفع عدد الأعمال المعدة عن كتاب عرب إلى ثمانية كما بلغ عدد الأعمال المعتمدة على نصوص محلية في الفترة نفسها ثمانية أيضاً ما يعني أن المسرح القومي وبعد عشر سنوات من تأسيسه أدرك أن طبيعة مهمته تغيرت وتحولت من تعريف الجمهور على الأدب المسرحي العالمي إلى تشجيع وتعزيز ظاهرة الكتابة المسرحية العربية والمحلية التي أخذت بالتبلور منذ النصف الثاني من الستينيات.
وبطبيعة الحال شهد مسرح دمشق القومي حالات من التألق مثلما شهد حالات من التراجع، لكنه كان دائماً يصر على أن حالات التراجع ليست أمراً مقضياً لا يمكن مقاومته وتجاوزه، فقد تمكن المسرحيون السوريون من رفد مسيرة هذه الفرقة بمزيد من الأعمال المبدعة التي تشهد لها خشبتا مسرحي الحمراء والقباني دون أن يعني ذلك أن مسيرة المسرح القومي تخلو من الأعمال الرديئة التي أبعدت الجمهور عن ارتياد المسرح القومي الذي أصبح اسمه مرتبطاً في أكثر من مرحلة من مراحله بالعروض المتجهمة أو الغامضة أو التي لا يفهمها أحد بما في ذلك أصحابها، لكن في المقابل استطاعت بعض الأعمال صناعة جمهور حقيقي للمسرح القومي، وهو أمر ينبغي ألا يتم التفريط به وذلك من خلال إقناع بعض مخرجينا أن المسرح لم يخلق لترجمة الأهواء والرؤى والنزوات والهلوسات الفردية وإنما خلق كي يكون قادراً على التواصل مع أكبر عدد ممكن من الجمهور.
ولفترة من الفترات اختلط الأمر على البعض، إذ حسب أن عبارة «المسرح القومي» تشير إلى توجهات ترتبط بطبيعة ومضامين الأعمال التي يقدمها هذا المسرح، وهو أمر بعيد عن الصحة كل البعد، إذ إن عبارة المسرح القومي لاتعني سوى المسرح الذي تديره أو تملكه الدولة وليست له أية دلالات فكرية أو ماشابه ذلك.
الاحتفاء بالعيد الذهبي للمسرح القومي قد يكون مطلوباً اليوم أكثر من أي وقت آخر، خاصة ونحن نعيش في ذروة محاولات (تتجير) الفن، وهو الأمر الذي بدأ بالدراما التفزيونية ويخشى أن تمتد أياديه نحو المسرح، ولا شك في أن (استغلال) انعقاد مهرجان دمشق المسرحي في الشهر الحادي عشر من العام الجاري للاحتفال بالعيد الذهبي للمسرح القومي وبنجومه ورموزه الراحلين منهم والأحياء سيعكس مدى ما نبديه من اهتمام بالفن المسرحي الذي يبقى أنبل الفنون وأرقاها.
جوان جان
الإثنين أبريل 01, 2013 8:40 am من طرف غزوان قهوجي
» غزوان قهوجي
الإثنين أبريل 01, 2013 8:36 am من طرف غزوان قهوجي
» مختبر فضا المسرحي
الأربعاء فبراير 13, 2013 8:44 am من طرف غزوان قهوجي
» مهرجان لمسرح الشباب العربي في بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:07 am من طرف غزوان قهوجي
» مهيمنات ( السلطة ) وتنويعاتها الإسلوبية في بعض عروض مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:02 am من طرف غزوان قهوجي
» مقالة جميلة عن مولانا
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:50 am من طرف غزوان قهوجي
» خبر عن مشاركة الفرقة في مهرجان بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:39 am من طرف غزوان قهوجي
» أم سامي
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:10 pm من طرف همسة حب
» حدث في سوريا : دعوى قضائية شد الله !!!!!
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:06 pm من طرف همسة حب
» حكايا طريفة
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:01 pm من طرف همسة حب
» السر بشهر العسل
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:56 pm من طرف همسة حب
» عندما يتفلسف الحمار
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:53 pm من طرف همسة حب
» حكمة : كن نذلا تعيش ملكاً ........!!!
الثلاثاء نوفمبر 06, 2012 2:44 am من طرف همسة حب
» فــوائـد الـزوجــة الـنـكـديــة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:21 am من طرف همسة حب
» شو كان لازم يعمل ؟
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:18 am من طرف همسة حب