أثارت قضية إنتاج العرض المسرحي نقاشات طويلة في الوسط الثقافي والمسرحي بين المخرج وطاقمه الإبداعي من جهة، والناقد وقراءته من جهة أخرى، ولم يتوصل أحد الطرفين إلى وضع خطة ممنهجة للحد من تدخل المتطفلين بينهما، مازاد النقاش حدة حتى وصل إلى درجة القطيعة في أغلب الأحيان، فاعتكف الناقد في مكتبه وكسر قلمه، في حين ان المخرج تحالف مع بعض الصحفيين الذين يوثقون كل حركة أو إشارة تصدر عنه وطاقمه الإبداعي متجاهلين العرض.
قلنا: اعتكف الناقد وكسر قلمه وتدخل الصحفي، ليتتبع خطوات المخرج، ويلطخ البياض بالسواد، لكن سؤالاً يلح علينا دائماً: ماهي مواصفات العرض الذي يحقق إعجاب النقاد والمتفرجين معاً؟ ماهو موقع المتفرج من العمل، هل ننصبه حكماً على أعمالنا، ونقيس عليه مدى نجاح أو فشل العرض، أم نضعه بالحسبان، رغم أن العرض ينتج له؟!! سؤال قد يحتار معظم العاملين في الحقلين المسرحي والصحفي في الإجابة عليه.
جميع المناهج النقدية تصلح لأن تتناول قراءة العرض من وجهة نظر منهجية متكاملة بغض النظر إن كانت القراءة تتبنى منهجاً ما..
ورغم إقرار النقاد والمنظرين بأهمية هذه المناهج، وبأهمية العرض الذي لاينفصل عن واقعه الاجتماعي (البيئي) والذي لايمكن تجزئته إلى وحدات منعزلة، كان النقد يتناول موضوعة العرض تلخيصاً أو تحليلاً باعتباره أدباً وليس فناً مسرحياً، ثم يتطرق إلى بعض مكونات العرض الأخرى مثل الأزياء أو الديكور أو أداء الممثلين بأسطر قليلة، لكنه يسهب في تحليل الحكاية طاغياً عليها الرؤية الأيديولوجية، وهذه كانت السمة الغالبة على تلك القراءات، ويمكن القول: إنها كانت قراءة مرحلة زمنية ما.
لكن معظم هذه الدراسات والمقالات تنتمي إلى المقال الصحفي والتي تقدم العرض من وجهات نظر متعددة لتبيان جمالية التلقي والإنتاج المسرحي، ويعد التعدد غنى وثراء في مواجهة التفرد بالمعنى اليقيني للعرض المسرحي والذي ضمّنه المخرج فيه.
نقص في الأدوات
صراحة، مازال النقد المسرحي يعاني من نقص في الأدوات المنهجية، وفي المعرفة المسرحية، وخاصة النقد الذي يكتب في الصحف، مادام العرض خطاباً متعدد اللغات والمكونات والخصائص، فمن البدهي أن يكون الناقد الصحفي على دراية ومعرفة بالمناهج النقدية وبمكونات العرض، ورغم ذلك ظل النقد بمعزل عن الاجتهادات والأشكال والمقاربات المنهجية الحديثة، وبالتالي لم يبق أمام الصحفي الناقد إلا أن يكتب انطباعه عن العرض، هذا إن لم يتحول إلى بوق لبعض الفنانين أو حاقد على البعض الآخر.
إن ماكتب من نقد مسرحي إلى الآن، لايخرج عن باب السرد التاريخي للقصة مع بعض الاستثناءات، ورغم أهمية هذا، فليس هذا هو المطلوب من العرض ومن الناقد فحسب، بل أيضاً القراءة التي تعرض لمضامين العروض وإشاراتها من دون الدخول إلى بنيتها ومن دون الاهتمام بالدلالات التي تنتجها اللغات المتعددة في العرض وإحالاتها إلى مرجعيات ثقافية وحضارية واجتماعية، فالمناهج النقدية جميعها ضرورية للممارسة النقدية، إلا أنها يجب ألاتسقط في القراءة التجزيئية، أو في قراءة المرحلة.
إذا كانت مهمة القراءة النقدية هي الكشف عن مواطن الغموض وإيضاحها أو عن تفسير الجوانب الإبداعية وربطها بشبكة العلاقات الاجتماعية، فمهمة العرض أن ينقل إلينا واقعاً أو حدثاً على الخشبة بطريقة فنية، فالقراءة النقدية تقربنا من معرفة شروط إنتاج العمل نصاً وتقنية وأسلوباً ضمن شيفرات متفق عليها مابين المرسل (المخرج، الممثل، المصممين) وبين المتلقي بكل فئاته.
بروز علم العلامات
ومع ظهور المنهج السيميولوجي (علم العلامات) في المسرح، والاستفادة منه في قراءة العروض، توجه النقد إلى مجموعة من التصنيفات الاعتباطية لوضع الملاحظات والتسهيل أمام القارئ للوصول إلى تحليل العرض بشكل منهجي متكامل وربطه بالواقع من وجهة نظر سيميولوجية.
العلامة اللغوية المرتبطة بالممثل (باعتباره منتج العلامة) ترافقها علامات سمعية وبصرية يمكن أن تتكامل أو تتعارض، لكنها تدل على حالة جديدة، ويرتبط الممثل بالكلام المنطوق والنبرة وطريقة لفظ الكلمة والجملة، ويرافقه الإيماء بالوجه مع الحركة والتعبير الجسدي، فالكلام الذي ينطقه الممثل يعطي إحالة للمعنى، وعندما يترافق مع النبرة واللفظ يمكن أن يغير معنى هذه الإحالة، وإذا أضفنا حركته وتعبيره الجسدي، وإيماء الوجه يختلف المعنى من جديد، وربما يناقض المعنى القديم للكلمة أو الحالة (الموقف)، ضمن ظروف إنتاجها، وهنا يمكن أن نفرق بين العلامات الطبيعية والعلامات المصطنعة، العلامات الطبيعية عند الممثل هي صفة ملازمة له تظهر في جميع أدواره في العروض، مثل طوله، قصره، ضعفه الجسدي، علامات فارقة على وجهه (شامة)، لون عينيه، ولون بشرته وشعره الأشعث أو الناعم، وإن تدخل الماكياج أحياناً لتغيير لون البشرة أو الشعر لضرورات درامية، في حين ان العلامات المصطنعة هي علامات مكتسبة من أجل العرض، ويمكن أن يؤديها الممثل في سياق درامي ما، ويتخلى عنها في دور آخر كأن يغير نبرة صوته، أو أن يعاني من الألم أو يفرط في الضحك أو يجعل جسمه سميناً..
حركة الممثل
والحركة التي يؤديها الممثل عادة تكون بديلة عن الكلام في حال اختصاره، يجب اختصار الكلام في المسرح الحديث، مثلاً حركة اليدين قد تعني الترحيب، أو التهديد.. وحركة القدمين تعني الجري أو الرقص أو الوقوف، وحركة الجسد تعني الرقص وهكذا بالنسبة لجميع مكونات العرض، لكن هذه الحركة تترافق مع توضع الممثل على الخشبة في الفضاء المسرحي، وانتقاله من مكان إلى مكان آخر، وأيضاً تعامله مع الأمكنة ومع الممثلين الآخرين، وطريقة الانتقال على الخشبة، مثل المشي أو الجري أو الزحف، أو السرعة مع حالات انفعالية تؤثر في نفسية المتفرج.
يستطيع المتفرج أن يقرأ كل مايبثه الممثل من إشارات ومايضعه المخرج من علامات في المشهد، إذا كان هناك عقد ضمني متفق عليه بين المخرج والمتفرج.
عبد الناصر حسو
قلنا: اعتكف الناقد وكسر قلمه وتدخل الصحفي، ليتتبع خطوات المخرج، ويلطخ البياض بالسواد، لكن سؤالاً يلح علينا دائماً: ماهي مواصفات العرض الذي يحقق إعجاب النقاد والمتفرجين معاً؟ ماهو موقع المتفرج من العمل، هل ننصبه حكماً على أعمالنا، ونقيس عليه مدى نجاح أو فشل العرض، أم نضعه بالحسبان، رغم أن العرض ينتج له؟!! سؤال قد يحتار معظم العاملين في الحقلين المسرحي والصحفي في الإجابة عليه.
جميع المناهج النقدية تصلح لأن تتناول قراءة العرض من وجهة نظر منهجية متكاملة بغض النظر إن كانت القراءة تتبنى منهجاً ما..
ورغم إقرار النقاد والمنظرين بأهمية هذه المناهج، وبأهمية العرض الذي لاينفصل عن واقعه الاجتماعي (البيئي) والذي لايمكن تجزئته إلى وحدات منعزلة، كان النقد يتناول موضوعة العرض تلخيصاً أو تحليلاً باعتباره أدباً وليس فناً مسرحياً، ثم يتطرق إلى بعض مكونات العرض الأخرى مثل الأزياء أو الديكور أو أداء الممثلين بأسطر قليلة، لكنه يسهب في تحليل الحكاية طاغياً عليها الرؤية الأيديولوجية، وهذه كانت السمة الغالبة على تلك القراءات، ويمكن القول: إنها كانت قراءة مرحلة زمنية ما.
لكن معظم هذه الدراسات والمقالات تنتمي إلى المقال الصحفي والتي تقدم العرض من وجهات نظر متعددة لتبيان جمالية التلقي والإنتاج المسرحي، ويعد التعدد غنى وثراء في مواجهة التفرد بالمعنى اليقيني للعرض المسرحي والذي ضمّنه المخرج فيه.
نقص في الأدوات
صراحة، مازال النقد المسرحي يعاني من نقص في الأدوات المنهجية، وفي المعرفة المسرحية، وخاصة النقد الذي يكتب في الصحف، مادام العرض خطاباً متعدد اللغات والمكونات والخصائص، فمن البدهي أن يكون الناقد الصحفي على دراية ومعرفة بالمناهج النقدية وبمكونات العرض، ورغم ذلك ظل النقد بمعزل عن الاجتهادات والأشكال والمقاربات المنهجية الحديثة، وبالتالي لم يبق أمام الصحفي الناقد إلا أن يكتب انطباعه عن العرض، هذا إن لم يتحول إلى بوق لبعض الفنانين أو حاقد على البعض الآخر.
إن ماكتب من نقد مسرحي إلى الآن، لايخرج عن باب السرد التاريخي للقصة مع بعض الاستثناءات، ورغم أهمية هذا، فليس هذا هو المطلوب من العرض ومن الناقد فحسب، بل أيضاً القراءة التي تعرض لمضامين العروض وإشاراتها من دون الدخول إلى بنيتها ومن دون الاهتمام بالدلالات التي تنتجها اللغات المتعددة في العرض وإحالاتها إلى مرجعيات ثقافية وحضارية واجتماعية، فالمناهج النقدية جميعها ضرورية للممارسة النقدية، إلا أنها يجب ألاتسقط في القراءة التجزيئية، أو في قراءة المرحلة.
إذا كانت مهمة القراءة النقدية هي الكشف عن مواطن الغموض وإيضاحها أو عن تفسير الجوانب الإبداعية وربطها بشبكة العلاقات الاجتماعية، فمهمة العرض أن ينقل إلينا واقعاً أو حدثاً على الخشبة بطريقة فنية، فالقراءة النقدية تقربنا من معرفة شروط إنتاج العمل نصاً وتقنية وأسلوباً ضمن شيفرات متفق عليها مابين المرسل (المخرج، الممثل، المصممين) وبين المتلقي بكل فئاته.
بروز علم العلامات
ومع ظهور المنهج السيميولوجي (علم العلامات) في المسرح، والاستفادة منه في قراءة العروض، توجه النقد إلى مجموعة من التصنيفات الاعتباطية لوضع الملاحظات والتسهيل أمام القارئ للوصول إلى تحليل العرض بشكل منهجي متكامل وربطه بالواقع من وجهة نظر سيميولوجية.
العلامة اللغوية المرتبطة بالممثل (باعتباره منتج العلامة) ترافقها علامات سمعية وبصرية يمكن أن تتكامل أو تتعارض، لكنها تدل على حالة جديدة، ويرتبط الممثل بالكلام المنطوق والنبرة وطريقة لفظ الكلمة والجملة، ويرافقه الإيماء بالوجه مع الحركة والتعبير الجسدي، فالكلام الذي ينطقه الممثل يعطي إحالة للمعنى، وعندما يترافق مع النبرة واللفظ يمكن أن يغير معنى هذه الإحالة، وإذا أضفنا حركته وتعبيره الجسدي، وإيماء الوجه يختلف المعنى من جديد، وربما يناقض المعنى القديم للكلمة أو الحالة (الموقف)، ضمن ظروف إنتاجها، وهنا يمكن أن نفرق بين العلامات الطبيعية والعلامات المصطنعة، العلامات الطبيعية عند الممثل هي صفة ملازمة له تظهر في جميع أدواره في العروض، مثل طوله، قصره، ضعفه الجسدي، علامات فارقة على وجهه (شامة)، لون عينيه، ولون بشرته وشعره الأشعث أو الناعم، وإن تدخل الماكياج أحياناً لتغيير لون البشرة أو الشعر لضرورات درامية، في حين ان العلامات المصطنعة هي علامات مكتسبة من أجل العرض، ويمكن أن يؤديها الممثل في سياق درامي ما، ويتخلى عنها في دور آخر كأن يغير نبرة صوته، أو أن يعاني من الألم أو يفرط في الضحك أو يجعل جسمه سميناً..
حركة الممثل
والحركة التي يؤديها الممثل عادة تكون بديلة عن الكلام في حال اختصاره، يجب اختصار الكلام في المسرح الحديث، مثلاً حركة اليدين قد تعني الترحيب، أو التهديد.. وحركة القدمين تعني الجري أو الرقص أو الوقوف، وحركة الجسد تعني الرقص وهكذا بالنسبة لجميع مكونات العرض، لكن هذه الحركة تترافق مع توضع الممثل على الخشبة في الفضاء المسرحي، وانتقاله من مكان إلى مكان آخر، وأيضاً تعامله مع الأمكنة ومع الممثلين الآخرين، وطريقة الانتقال على الخشبة، مثل المشي أو الجري أو الزحف، أو السرعة مع حالات انفعالية تؤثر في نفسية المتفرج.
يستطيع المتفرج أن يقرأ كل مايبثه الممثل من إشارات ومايضعه المخرج من علامات في المشهد، إذا كان هناك عقد ضمني متفق عليه بين المخرج والمتفرج.
عبد الناصر حسو
الإثنين أبريل 01, 2013 8:40 am من طرف غزوان قهوجي
» غزوان قهوجي
الإثنين أبريل 01, 2013 8:36 am من طرف غزوان قهوجي
» مختبر فضا المسرحي
الأربعاء فبراير 13, 2013 8:44 am من طرف غزوان قهوجي
» مهرجان لمسرح الشباب العربي في بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:07 am من طرف غزوان قهوجي
» مهيمنات ( السلطة ) وتنويعاتها الإسلوبية في بعض عروض مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:02 am من طرف غزوان قهوجي
» مقالة جميلة عن مولانا
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:50 am من طرف غزوان قهوجي
» خبر عن مشاركة الفرقة في مهرجان بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:39 am من طرف غزوان قهوجي
» أم سامي
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:10 pm من طرف همسة حب
» حدث في سوريا : دعوى قضائية شد الله !!!!!
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:06 pm من طرف همسة حب
» حكايا طريفة
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:01 pm من طرف همسة حب
» السر بشهر العسل
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:56 pm من طرف همسة حب
» عندما يتفلسف الحمار
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:53 pm من طرف همسة حب
» حكمة : كن نذلا تعيش ملكاً ........!!!
الثلاثاء نوفمبر 06, 2012 2:44 am من طرف همسة حب
» فــوائـد الـزوجــة الـنـكـديــة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:21 am من طرف همسة حب
» شو كان لازم يعمل ؟
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:18 am من طرف همسة حب