مهرجان محمد الماغوط المسرحي في دورته الثانية
ملحق ثقافي
12/8/2008م
أنور بدر
افتتح تجمع سلمية الفني مهرجان محمد الماغوط المسرحي في دورته الثانية التي ابتدأت بتاريخ 19/7/2008 واستمر حتى 24/7/2008
مُؤكداً إصرار سلمية على تكريس مهرجانها بشكل دوري, وتطويره أيضاً, رغم غياب راعي المهرجان الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة, وغياب أي تمثيل لمديرية المسارح والموسيقى بوصفها شريكاً في تنظيم هذا المهرجان, فيما حرصت مجموعة "ماس" الاقتصادية التي تموّل هذا المهرجان والكثير من مهرجانات المسرح ونشاطات البيئة في سوريا, على المشاركة في كلمة طالت بعض الشيء. هذه الاستطالة حكمت أغلب فقرات برنامج الافتتاح من كلمات ترحيبية إلى عرض لفرقة عراضة شعبية وصولاً إلى فيلم سينمائي محلي "بمعنى سلموني" أعتقد جازماً أنّ سويته الفكرية والفنية لم ترتق لمستوى المهرجان, وأثرّت سلباً على تلقي الجمهور ومتابعته اللاحقة لعرض "المهرّج", حتى أنّ البعض تمنى لو فصلت إدارة المهرجان حفل الافتتاح بكامله عن أيام العروض المسرحية . قدم المهرجان خمسة عروض تغيب آخرها وهو العرض الجزائري "الجيفة" من إخراج عبد المالك بوساهل، عن نص للكاتب الراحل سعد اللـه ونوس, واستعيض عنه في اللحظة الأخيرة بعرض "الحقيقة ماتت" لاتحاد طلبة حلب, بتوقيع سامر السيد علي مخرجاً. ولم يكن هذا الخيار موفقاً، لكنه الخيار الوحيد الممكن على ما يبدو. وهذا يحمّل الجهة المنظمة للمهرجان مسؤولية التأكد من جاهزية كل العروض المشاركة, ومتابعتها قبل اللحظة الأخيرة، وبشكل خاص العروض الخارجية.
بينما عرض "المزبلة الفاصلة" للمخرج هاشم غزال، عن نص لعباس أحمد الحايك. وقد أحالنا بالضرورة لمسرحية "الديك" التي كتبها طلال نصر الدين, مع فارق كبير في الرؤية الدرامية ومقولة العرض التي شكلت مطباً كبيراً للمخرج هاشم غزال, كما تضافرت التقنيات المتاحة من صوت وإضاءة في إضعاف سوية هذا العرض. في المقابل تميزت ثلاثة عروض قوية, بدأت بعرض الافتتاح "المهرج" لفرقة اتحاد شبيبة الثورة – فرع دمشق- والذي جيء به ليس لأنه حظي بجائزة أفضل عرض في مهرجان الشباب المسرحي الثالث, وأفضل إخراج وأفضل ممثل في مهرجان الشبيبة الفرعي أيضاً، بل لأنه مأخوذ عن نص للمحتفى به الراحل محمد الماغوط, خاصة وأن سلمية البلدة المضيفة لم تشارك بأي عرض في هذه الدورة. ويعتبر نص "المهرّج" من أوائل النصوص التي كتبها محمد الماغوط عام /1968/, لكنها ككل أعماله المسرحية والدرامية اللاحقة كانت مشاريع أعمال, تزخر بأفكار الماغوط وانتقاداته اللاذعة, بل وسخريته الجارحة أيضاً؛ لكنها كانت في الوقت ذاته تفتقر إلى البناء الدرامي, وهو ما يُتيح لأي مخرج أو درامتير أن يستعيد نص الماغوط بطريقته, وأعتقد أنّ المخرج غزوان قهوجي قد نجح في ترهين النص للحظة المعاشة سياسياً واجتماعياً, حين جعل صقر قريش السادر في أبديته يكتشف أنّ العرب أضاعوا الأندلس وفلسطين أيضاً وصولاً إلى العراق. وحين ربط بين حكايات المهرج وشكوى الزوجة المتداخل مع دقات جرن الهاون. نص المهرج ينتمي بجدارة إلى زمنه الذي أعقب النكسة الحزيرانية, لكنه يتفوّق على كل نصوص تلك المرحلة في جرعة السخرية من الواقع والذات ومرارتها أيضاً, حتى أنّ صقر قريش العائد إلينا لينقذ العرب مما حاق بهم يتحوّل ببطئ إلى مهرج أيضاً, بعدما استوقفته دورية حرس الحدود التابعة لإحدى الحكومات لأنه لا يحمل أية هوية أو جواز سفر, ويبقى في السجن حتى يأتي السفير الإسباني لاستعادته في صفقة مع مسؤول المركز الحدودي الذي احتجز فيه. المخرج غزوان قهوجي اعترف أنه لم يستطع السير بصقر قريش إلى مصيره الماغوطي كمهرج, دون أن ينقص ذلك من الجرعة الانتقادية الساخرة للعمل. هذه الجرعة الكفيلة بحمل العرض في كثير من الأحيان, لكنني أعتقد أنّ أداء الممثلين وبشكل خاص عثمان أبو العمرين بدور المهرج شكل رافعة حقيقية للعرض؛ فهو كان يلعب في حين كان باقي الممثلين يؤدون بشكل متميّز, وهذه المساحة من اللعب أغنت الفرجة البصرية للعرض, مع أنها سارت باتجاه التهريج في كثير من الأحيان. في اليوم التالي قدّم تجمع "ميماس" المسرحي من محافظة حمص عرض "تلك الرائحة" من إعداد وإخراج محمد بري العواني, عن نص "الزنزانة" للكاتب هارولد كمل من جنوب أفريقيا, نص يدين التفرقة العنصرية بين البيض والسود في نظام الأبارتيد العنصري البائد, لكنّ المخرج اتكأ عليه لإدانة أي عنف أو تمييز في عالمنا الراهن. وقذف بممثله الأول مارك "تمام العواني" إلى خشبة خالية من أي ديكور أو علامات, لنكتشف مع حركته وتوسع دائرة الضوء قليلاً وجود شخص ثاني بطرس"بسام مطر" يبول قرب الجدار في عمق المنصة, ثم نكتشف مع تذمر مارك من الرائحة وحوارهما اللاحق أنهما في زنزانة, وبينما دخل مارك بتهمة تزوير عملة, فإنّ بطرس سجان, لكنه قتل أحد الملونين أثناء التعذيب فوضع في السجن, وهو لا يزال مؤمناً أنّ الحكومة على حق وأنّ الشرطة تقوم بواجبها الوطني في قمع الشيوعيين والزنوج, وهي إشارة تتكرر بما يُتيح لنا تحميل التناقض أكثر من بعد, بل يُتيح لنا قراءته في مستوى تناقضاتنا الأيديولوجية, وفي تناقضات الفرد مع أي نظام سياسي. لكن النص حين يُجري هذا التناقض ضمن شخصين من البيض فقط, نشعر بأنه أراد تعرية هذا التناقض من داخل كل شخص منا, وقد نجح مارك بأن يعري بطرس من أوهامه وأوهام الأيديولوجية التي دفعته لقتل شخص لمجرّد أنه أسود. وقد أشار المخرج إلى أنّ خياره للنص ينطلق من مأزق التقسيمات التي نعيشها في واقعنا العربي, تقسيمات جغرافية, أثنية, دينية, أيديولوجية, سياسية, وكلها تقوم على رفض الآخر, ورفض صيغة الحوار معه. في عرض "رباعية الموت" التي قدمها فرع شبيبة الثورة في حماة, بتوقيع يوسف شموط للإعداد والسينوغرافيا والإخراج، عن نص "الموت والعذراء" للكاتب التشيلي "ارييل دورفمان", الذي كتب هذه المسرحية لإدانة نظام بينوشيه الديكتاتوري الذي اغتصب السلطة, وهو يتكئ على موسيقا "شوبرت" التي كتبها بذات الاسم عام /1824/ حين كان يمر بأزمة نفسية وعصبية جعلته على تماس مع فكرة الموت، وكيف تصبح هذه الموسيقى أداة لدى النظام الفاشي الذي مارس التعذيب ضد السجناء, هذا التعذيب الذي يصل مداه حد اغتصاب "باولينا سالاس" على أنغام "شوبرت". بلغت ذروة العنف الأخلاقي والجنسي, الذي دفعها بعد خمسة عشر عاماً إلى حدود الانتقام. هذا العمل سبق وقدمه المخرج العالمي "رومان بولانسكي" في فيلم "الموت والعذراء" عام /1994/ وقُدّم في مئات العروض المسرحية في العالم, وعندنا قدمه المخرج هشام كفارنة في عرض جميل لفرقة قومي دمشق, لكنه يركز على نزعة التسامح كمقولة والعجز كسمة للأبطال. فيما بدا عرض شموط أكثر اهتماماً بمسألة الانتقام, فالزوجة المغتصبة لا تطلب من المجرم أكثر من الاعتراف بفعلته الدنيئة, وبينما ظهر الزوج رجل القانون في بؤرة العجز والتردي النظري، كانت هي تسير خطوة بخطوة نحو هدفها, حتى عندما تلقي بالمسدس في نهاية العرض وتظلم المنصة, فإننا نسمع صوت طلقة هي صوت العدالة.. صوت التاريخ, صوت انتقام المسحوقين والمغتصبين عبر التاريخ. وكان العرض مفتوحاً عبر الزمان والمكان على الحالة الإنسانية التي تتجاوز حدود التشيلي وديكتاتورية بينوشيه إلى إدانة كل ديكتاتور وأي قمع أو اغتصاب لحرية وإنسانية الأفراد وكرامتهم. وفي نهاية المهرجان جرى تكريم كل من فنان الشعب رفيق السبيعي والفنانة الكبيرة صباح الجزائري, مع الشاعر المسرحي أحمد خنسة والأستاذ علي أمين الذي سبق وساهم في إطلاق بواكير الحركة المسرحية في مدينة سلمية منذ 1962, كما كُرم السيد بدر الدبيات الذي عمل مستخدماً في المركز الثقافي في سلمية منذ عام 1978 واستطاع بدأبه أن يتعلم بشكل ذاتي كل تقنيات الصوت وأن يؤرشف كل المهرجانات الشعرية التي أقيمت في هذا المركز حتى بعد تقاعده من الوظيفة. بعد ذلك ألقت لجنة التحكيم بيانها الختامي المشفوع بجملة من التوصيات أهمها: العمل مع الجهات الأهلية والرسمية في مدينة سلمية على تخصيص قطعة من الأرض لبناء مسرح يستوعب طاقات هذه المدينة, والنشاطات الفنية والمسرحية التي تستضيفها. وجرى أخيراً إعلان الجوائز كالتالي : 1- أفضل عرض لمسرحية المهرج 2- أفضل إخراج غزوان قهوجي عن مسرحية المهرج 3- أفضل سينوغرافيا لسعيد حناوي عن مسرحية المهرج 4- أفضل ممثلة يارا بشور عن دورها في مسرحية "رباعية الموت" 5- أفضل ممثل عن دوره في مسرحية "المزبلة الفاضلة" 6- جائزة الجمهور كانت لعرض "رباعية الموت" من إخراج يوسف شموط وأخيراً قيل ويقال الكثير من الملاحظات هنا وهناك. ملاحظات في التنظيم وأخرى حول المسرح وثالثة بشأن التقنيات, وقد ننتقد هذا العرض أو ذاك, لكن الأهم من كل ذلك أن خمسة عروض أغلبها جيدة قدمت في تلك المدينة الواقعة على تخوم البادية السورية. كما جرت على هامش المهرجان ورشة تدريب "ورك شوب" للـهواة التمثيل في سلمية بإشراف المسرحي القدير "إيليا قجميني" وهذا شيء رائع تفتقر له الكثير من المدن والمحافظات السورية, كما أعتقد بأن الحوارات التي أعقبت العروض, أو التي جاءت على هامش المهرجان, خاصة في ضوء مشاركة نقاد وفنانين مهمين في عالم المسرح، قد ساهمت في إغناء طقس المهرجان وزيادة الجرعة التفاعلية ما بين الجمهور والعروض بشكل ملفت للانتباه.
ملحق ثقافي
12/8/2008م
أنور بدر
افتتح تجمع سلمية الفني مهرجان محمد الماغوط المسرحي في دورته الثانية التي ابتدأت بتاريخ 19/7/2008 واستمر حتى 24/7/2008
مُؤكداً إصرار سلمية على تكريس مهرجانها بشكل دوري, وتطويره أيضاً, رغم غياب راعي المهرجان الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة, وغياب أي تمثيل لمديرية المسارح والموسيقى بوصفها شريكاً في تنظيم هذا المهرجان, فيما حرصت مجموعة "ماس" الاقتصادية التي تموّل هذا المهرجان والكثير من مهرجانات المسرح ونشاطات البيئة في سوريا, على المشاركة في كلمة طالت بعض الشيء. هذه الاستطالة حكمت أغلب فقرات برنامج الافتتاح من كلمات ترحيبية إلى عرض لفرقة عراضة شعبية وصولاً إلى فيلم سينمائي محلي "بمعنى سلموني" أعتقد جازماً أنّ سويته الفكرية والفنية لم ترتق لمستوى المهرجان, وأثرّت سلباً على تلقي الجمهور ومتابعته اللاحقة لعرض "المهرّج", حتى أنّ البعض تمنى لو فصلت إدارة المهرجان حفل الافتتاح بكامله عن أيام العروض المسرحية . قدم المهرجان خمسة عروض تغيب آخرها وهو العرض الجزائري "الجيفة" من إخراج عبد المالك بوساهل، عن نص للكاتب الراحل سعد اللـه ونوس, واستعيض عنه في اللحظة الأخيرة بعرض "الحقيقة ماتت" لاتحاد طلبة حلب, بتوقيع سامر السيد علي مخرجاً. ولم يكن هذا الخيار موفقاً، لكنه الخيار الوحيد الممكن على ما يبدو. وهذا يحمّل الجهة المنظمة للمهرجان مسؤولية التأكد من جاهزية كل العروض المشاركة, ومتابعتها قبل اللحظة الأخيرة، وبشكل خاص العروض الخارجية.
بينما عرض "المزبلة الفاصلة" للمخرج هاشم غزال، عن نص لعباس أحمد الحايك. وقد أحالنا بالضرورة لمسرحية "الديك" التي كتبها طلال نصر الدين, مع فارق كبير في الرؤية الدرامية ومقولة العرض التي شكلت مطباً كبيراً للمخرج هاشم غزال, كما تضافرت التقنيات المتاحة من صوت وإضاءة في إضعاف سوية هذا العرض. في المقابل تميزت ثلاثة عروض قوية, بدأت بعرض الافتتاح "المهرج" لفرقة اتحاد شبيبة الثورة – فرع دمشق- والذي جيء به ليس لأنه حظي بجائزة أفضل عرض في مهرجان الشباب المسرحي الثالث, وأفضل إخراج وأفضل ممثل في مهرجان الشبيبة الفرعي أيضاً، بل لأنه مأخوذ عن نص للمحتفى به الراحل محمد الماغوط, خاصة وأن سلمية البلدة المضيفة لم تشارك بأي عرض في هذه الدورة. ويعتبر نص "المهرّج" من أوائل النصوص التي كتبها محمد الماغوط عام /1968/, لكنها ككل أعماله المسرحية والدرامية اللاحقة كانت مشاريع أعمال, تزخر بأفكار الماغوط وانتقاداته اللاذعة, بل وسخريته الجارحة أيضاً؛ لكنها كانت في الوقت ذاته تفتقر إلى البناء الدرامي, وهو ما يُتيح لأي مخرج أو درامتير أن يستعيد نص الماغوط بطريقته, وأعتقد أنّ المخرج غزوان قهوجي قد نجح في ترهين النص للحظة المعاشة سياسياً واجتماعياً, حين جعل صقر قريش السادر في أبديته يكتشف أنّ العرب أضاعوا الأندلس وفلسطين أيضاً وصولاً إلى العراق. وحين ربط بين حكايات المهرج وشكوى الزوجة المتداخل مع دقات جرن الهاون. نص المهرج ينتمي بجدارة إلى زمنه الذي أعقب النكسة الحزيرانية, لكنه يتفوّق على كل نصوص تلك المرحلة في جرعة السخرية من الواقع والذات ومرارتها أيضاً, حتى أنّ صقر قريش العائد إلينا لينقذ العرب مما حاق بهم يتحوّل ببطئ إلى مهرج أيضاً, بعدما استوقفته دورية حرس الحدود التابعة لإحدى الحكومات لأنه لا يحمل أية هوية أو جواز سفر, ويبقى في السجن حتى يأتي السفير الإسباني لاستعادته في صفقة مع مسؤول المركز الحدودي الذي احتجز فيه. المخرج غزوان قهوجي اعترف أنه لم يستطع السير بصقر قريش إلى مصيره الماغوطي كمهرج, دون أن ينقص ذلك من الجرعة الانتقادية الساخرة للعمل. هذه الجرعة الكفيلة بحمل العرض في كثير من الأحيان, لكنني أعتقد أنّ أداء الممثلين وبشكل خاص عثمان أبو العمرين بدور المهرج شكل رافعة حقيقية للعرض؛ فهو كان يلعب في حين كان باقي الممثلين يؤدون بشكل متميّز, وهذه المساحة من اللعب أغنت الفرجة البصرية للعرض, مع أنها سارت باتجاه التهريج في كثير من الأحيان. في اليوم التالي قدّم تجمع "ميماس" المسرحي من محافظة حمص عرض "تلك الرائحة" من إعداد وإخراج محمد بري العواني, عن نص "الزنزانة" للكاتب هارولد كمل من جنوب أفريقيا, نص يدين التفرقة العنصرية بين البيض والسود في نظام الأبارتيد العنصري البائد, لكنّ المخرج اتكأ عليه لإدانة أي عنف أو تمييز في عالمنا الراهن. وقذف بممثله الأول مارك "تمام العواني" إلى خشبة خالية من أي ديكور أو علامات, لنكتشف مع حركته وتوسع دائرة الضوء قليلاً وجود شخص ثاني بطرس"بسام مطر" يبول قرب الجدار في عمق المنصة, ثم نكتشف مع تذمر مارك من الرائحة وحوارهما اللاحق أنهما في زنزانة, وبينما دخل مارك بتهمة تزوير عملة, فإنّ بطرس سجان, لكنه قتل أحد الملونين أثناء التعذيب فوضع في السجن, وهو لا يزال مؤمناً أنّ الحكومة على حق وأنّ الشرطة تقوم بواجبها الوطني في قمع الشيوعيين والزنوج, وهي إشارة تتكرر بما يُتيح لنا تحميل التناقض أكثر من بعد, بل يُتيح لنا قراءته في مستوى تناقضاتنا الأيديولوجية, وفي تناقضات الفرد مع أي نظام سياسي. لكن النص حين يُجري هذا التناقض ضمن شخصين من البيض فقط, نشعر بأنه أراد تعرية هذا التناقض من داخل كل شخص منا, وقد نجح مارك بأن يعري بطرس من أوهامه وأوهام الأيديولوجية التي دفعته لقتل شخص لمجرّد أنه أسود. وقد أشار المخرج إلى أنّ خياره للنص ينطلق من مأزق التقسيمات التي نعيشها في واقعنا العربي, تقسيمات جغرافية, أثنية, دينية, أيديولوجية, سياسية, وكلها تقوم على رفض الآخر, ورفض صيغة الحوار معه. في عرض "رباعية الموت" التي قدمها فرع شبيبة الثورة في حماة, بتوقيع يوسف شموط للإعداد والسينوغرافيا والإخراج، عن نص "الموت والعذراء" للكاتب التشيلي "ارييل دورفمان", الذي كتب هذه المسرحية لإدانة نظام بينوشيه الديكتاتوري الذي اغتصب السلطة, وهو يتكئ على موسيقا "شوبرت" التي كتبها بذات الاسم عام /1824/ حين كان يمر بأزمة نفسية وعصبية جعلته على تماس مع فكرة الموت، وكيف تصبح هذه الموسيقى أداة لدى النظام الفاشي الذي مارس التعذيب ضد السجناء, هذا التعذيب الذي يصل مداه حد اغتصاب "باولينا سالاس" على أنغام "شوبرت". بلغت ذروة العنف الأخلاقي والجنسي, الذي دفعها بعد خمسة عشر عاماً إلى حدود الانتقام. هذا العمل سبق وقدمه المخرج العالمي "رومان بولانسكي" في فيلم "الموت والعذراء" عام /1994/ وقُدّم في مئات العروض المسرحية في العالم, وعندنا قدمه المخرج هشام كفارنة في عرض جميل لفرقة قومي دمشق, لكنه يركز على نزعة التسامح كمقولة والعجز كسمة للأبطال. فيما بدا عرض شموط أكثر اهتماماً بمسألة الانتقام, فالزوجة المغتصبة لا تطلب من المجرم أكثر من الاعتراف بفعلته الدنيئة, وبينما ظهر الزوج رجل القانون في بؤرة العجز والتردي النظري، كانت هي تسير خطوة بخطوة نحو هدفها, حتى عندما تلقي بالمسدس في نهاية العرض وتظلم المنصة, فإننا نسمع صوت طلقة هي صوت العدالة.. صوت التاريخ, صوت انتقام المسحوقين والمغتصبين عبر التاريخ. وكان العرض مفتوحاً عبر الزمان والمكان على الحالة الإنسانية التي تتجاوز حدود التشيلي وديكتاتورية بينوشيه إلى إدانة كل ديكتاتور وأي قمع أو اغتصاب لحرية وإنسانية الأفراد وكرامتهم. وفي نهاية المهرجان جرى تكريم كل من فنان الشعب رفيق السبيعي والفنانة الكبيرة صباح الجزائري, مع الشاعر المسرحي أحمد خنسة والأستاذ علي أمين الذي سبق وساهم في إطلاق بواكير الحركة المسرحية في مدينة سلمية منذ 1962, كما كُرم السيد بدر الدبيات الذي عمل مستخدماً في المركز الثقافي في سلمية منذ عام 1978 واستطاع بدأبه أن يتعلم بشكل ذاتي كل تقنيات الصوت وأن يؤرشف كل المهرجانات الشعرية التي أقيمت في هذا المركز حتى بعد تقاعده من الوظيفة. بعد ذلك ألقت لجنة التحكيم بيانها الختامي المشفوع بجملة من التوصيات أهمها: العمل مع الجهات الأهلية والرسمية في مدينة سلمية على تخصيص قطعة من الأرض لبناء مسرح يستوعب طاقات هذه المدينة, والنشاطات الفنية والمسرحية التي تستضيفها. وجرى أخيراً إعلان الجوائز كالتالي : 1- أفضل عرض لمسرحية المهرج 2- أفضل إخراج غزوان قهوجي عن مسرحية المهرج 3- أفضل سينوغرافيا لسعيد حناوي عن مسرحية المهرج 4- أفضل ممثلة يارا بشور عن دورها في مسرحية "رباعية الموت" 5- أفضل ممثل عن دوره في مسرحية "المزبلة الفاضلة" 6- جائزة الجمهور كانت لعرض "رباعية الموت" من إخراج يوسف شموط وأخيراً قيل ويقال الكثير من الملاحظات هنا وهناك. ملاحظات في التنظيم وأخرى حول المسرح وثالثة بشأن التقنيات, وقد ننتقد هذا العرض أو ذاك, لكن الأهم من كل ذلك أن خمسة عروض أغلبها جيدة قدمت في تلك المدينة الواقعة على تخوم البادية السورية. كما جرت على هامش المهرجان ورشة تدريب "ورك شوب" للـهواة التمثيل في سلمية بإشراف المسرحي القدير "إيليا قجميني" وهذا شيء رائع تفتقر له الكثير من المدن والمحافظات السورية, كما أعتقد بأن الحوارات التي أعقبت العروض, أو التي جاءت على هامش المهرجان, خاصة في ضوء مشاركة نقاد وفنانين مهمين في عالم المسرح، قد ساهمت في إغناء طقس المهرجان وزيادة الجرعة التفاعلية ما بين الجمهور والعروض بشكل ملفت للانتباه.
الإثنين أبريل 01, 2013 8:40 am من طرف غزوان قهوجي
» غزوان قهوجي
الإثنين أبريل 01, 2013 8:36 am من طرف غزوان قهوجي
» مختبر فضا المسرحي
الأربعاء فبراير 13, 2013 8:44 am من طرف غزوان قهوجي
» مهرجان لمسرح الشباب العربي في بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:07 am من طرف غزوان قهوجي
» مهيمنات ( السلطة ) وتنويعاتها الإسلوبية في بعض عروض مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي
الجمعة نوفمبر 23, 2012 4:02 am من طرف غزوان قهوجي
» مقالة جميلة عن مولانا
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:50 am من طرف غزوان قهوجي
» خبر عن مشاركة الفرقة في مهرجان بغداد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 3:39 am من طرف غزوان قهوجي
» أم سامي
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:10 pm من طرف همسة حب
» حدث في سوريا : دعوى قضائية شد الله !!!!!
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:06 pm من طرف همسة حب
» حكايا طريفة
الإثنين نوفمبر 12, 2012 7:01 pm من طرف همسة حب
» السر بشهر العسل
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:56 pm من طرف همسة حب
» عندما يتفلسف الحمار
الإثنين نوفمبر 12, 2012 6:53 pm من طرف همسة حب
» حكمة : كن نذلا تعيش ملكاً ........!!!
الثلاثاء نوفمبر 06, 2012 2:44 am من طرف همسة حب
» فــوائـد الـزوجــة الـنـكـديــة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:21 am من طرف همسة حب
» شو كان لازم يعمل ؟
الإثنين نوفمبر 05, 2012 5:18 am من طرف همسة حب